الجمعة 24 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مخزون المتمردين من الأسلحة المتطورة تناقص .. هل تراجعت هجمات الحوثيين فى البحر الأحمر أمام تحالف حارس الازدهار أم حققت أهدافها؟

أشعل العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة مياه البحر الأحمر وسواحله؛ فمنذ 19 أكتوبر2023، أطلقت جماعة أنصار الله الحوثيين هجماتها ضد السفن المملوكة لإسرائيليين أو المتوجهة إلى الموانئ الإسرائيلية. وفى يناير 2024، بدأ تحالف «حارس الازدهار»، الذى تقوده الولايات المتحدة وتشارك فيه بريطانيا بشكل رئيسى، باستهداف معاقل جماعة الحوثيين فى اليمن، مما أدى لتوسيع نطاق عمليات الجماعة لتشمل السفن المرتبطة بواشنطن ولندن أيضا. شكل هذا التصعيد محل اهتمام وقلق لأغلب الجهات الفاعلة فى المنطقة والعالم، من دول ومنظمات وشركات نقل، فمضيق باب المندب والبحر الأحمر يعدان عقدة رئيسية فى طرق الشحن البحرية العالمية، ويؤدى استمرار هذه الهجمات إلى تحويل حركة المرور البحرية عن البحر الأحمر إلى إفريقيا.



تتباين وجهات النظر الأمريكية تجاه سبل ردع الحوثيين، فتحالف حارس الازدهار الذى يضم 24 دولة بقيادة القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية، لكن بريطانيا وحدها هى التى شاركت أمريكا فى استهداف مواقع الحوثيين فى اليمن. ومن خلال ذلك، تسعى واشنطن، وفقا لتقرير خدمة أبحاث الكونجرس، لتجنب مزيد من التورط المباشر فى اليمن خشية اتساع نطاق الصراع فى المنطقة، وتحرص على الحفاظ على الهدنة فى اليمن وتعزيز جهود السلام التى تدعمها الأمم المتحدة، واستعادة الأمن البحرى فى المنطقة.

 

لكن فى المقابل، فأمام هذه المخاطر المتزايدة، تبرز فى أروقة واشنطن دعوات لتوجيه ضربات أكبر ضد الحوثيين واستئصالهم، مما دفع بلجنة الشؤون الخارجية فى الكونجرس لعقد اجتماع فى 14 فبراير 2024 لمناقشة هذه القضية. خلال الاجتماع، قدم مدير برنامج الشرق الأوسط فى مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية جون ألترمان طرحا مغايرا، مشيرا إلى أن التصعيد العسكرى ضد الحوثيين قد يعزز الأهداف الإيرانية وينعكس سلبا على الاستقرار اليمنى والذى قد يدفع العديد من الحلفاء إلى التشكيك فى قيمة الدعم الأمريكى. وأشار ألترمان إلى أن سياسة الضغط الأقصى الأمريكية فى عهد الرئيس دونالد ترامب لم تنجح، وأن الردع المطلوب لن يتحقق ما لم يشعر قادة الحوثيين ومن ورائهم إيران أن لديهم خيارا مريحا فى مقابل خيارات التصعيد المؤلمة، وليس مجرد السعى إلى هزيمتهم فى ساحة المعركة.

ومنذ نوفمبر الماضى، حتى اليوم؛ بلغت الهجمات التى شنها الحوثيون فى البحر أكثر من 52 هجوما، وفقا للقيادة البحرية الأمريكية، بينما قال زعيم الجماعة عبدالملك الحوثى إن قواته استهدفت 102 من السفن العابرة لمضيق باب المندب. كان أبرز هذه الهجمات مؤخرا فى العاشر من أبريل 2024، حيث استهدفت 3 سفن أمريكية وإسرائيلية، بعدها وفى اليوم الـ24 أعلن الحوثيون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة إسرائيلية، فى كل من خليج عدن والمحيط الهندى. ووفقا لمؤسسة فيتش سوليوشنز فإن ضربات الحوثيين تراجعت نتيجة ضعف مخزونهم من الأسلحة المتطورة، التى دمرت الضربات الأمريكية والبريطانية المشتركة جزءا كبيرا منها، فضلا عن الأضرار التى لحقت مراكز القيادة والسيطرة لديهم، وفق المؤسسة.

والشهر الماضى، نقل موقع بلومبيرج عن اللواء جورج ويكوف، قائد الأسطول الأمريكى لعملية البحر الأحمر، قوله إن التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة استطاع خفض قدرات جماعة الحوثيين، لكن ما زال أمامه كثير من العمل قبل إنجاز المهمة، وفقا لتعبيره. وأوضح ويكوف أنه لا يمكن التنبؤ بموعد إنجاز المهمة بسبب الدعم الاستخبارى والعسكرى الذى يتلقاه الحوثيون من إيران.

لكن فى المقابل، أكد زعيم جماعة أنصار الله استمرار العمليات وتوسيعها، وتقويتها فى بحر العرب والبحر الأحمر والمحيط الهندى، وقال إن الانتشار البحرى الأمريكى هو الذى تراجع، وليس عمليات الجماعة فى المنطقة، ولا يزال التكهن بنتائج الضربات الأمريكية البريطانية على الحوثيين صعبا الآن. ومن المهم الإشارة فى هذا الصدد إلى تقرير نشره موقع ناشونال إنترست الأمريكى قال فيه إن ما يحدث فى البحر الأحمر يظهر أن عدد السفن الحربية لدى أى بلد لم يعد مهما فى تقييم قدرته على إغلاق الممرات البحرية والسيطرة عليها. وأوضح تقرير الكاتب الأمريكى رامون ماركس، أن تطوير الصواريخ المضادة للسفن والمسيرات الرخيصة قد أحدث ثورة فى الحرب البحرية، تماما كما فعلت حاملات الطائرات فى القرن الماضى. ورغم القوة النارية لدى البحرية الأمريكية، يؤكد الكاتب، فإن الحوثيين لا يزالون متماسكين ويهاجمون بانتظام السفن التجارية فى البحر الأحمر والسفن الحربية الأمريكية، وفى مارس الماضى، أطلقوا صاروخا مضادا للسفن على السفينة الحربية «يو إس إس لابون»، التى يقال إن بنائها كلف ما يقرب من مليار دولار. ووفقا لتقرير نشرته صحيفة تلجراف البريطانية يتمتع الحوثيون بميزة صاحب الأرض، ذلك أن اليمن دولة مطلة على البحر الأحمر، وهم بالتالى على دراية تامة بأحوال البحر والمناخ، وكلتا النقطتين فى صالح الطرف المهاجم.

وأمام هذا الواقع، لجأت كثير من شركات وسفن الشحن التجارية وشركات التأمين إلى تغيير مسار سيرها وتجنب عبور مضيق باب المندب نحو قناة السويس، وبدلا من ذلك تعيد توجيه مسار شحناتها إلى جنوب إفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح. فمنذ استيلاء الحوثيين على حاملة المركبات «جالكسى ليدر» فى 19 نوفمبر 2023، المملوكة لشركة «راى شيبينج ليميتد» ومقرها إسرائيل، أشارت بيانات «مارين ترافيك» إلى أن بعض السفن التى لديها صلات بالكيان الإسرائيلى تتجنب البحر الأحمر. ووفقا لتقرير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، فإن العديد من السفن شوهدت وهى تبحر عبر رأس الرجاء الصالح للوصول إلى أوروبا وآسيا. كما أظهرت بيانات مارين بينخمارك التراجع الحاد فى عدد السفن المبحرة عبر البحر الأحمر، منذ يناير 2024. ونقلت صحيفة تلجراف عن مكتب الإحصاءات البريطانى أن نسبة السفن التى تعبر البحر الأحمر انخفضت إلى 66 % بداية أبريل 2024.

ومن المتوقع أن يواصل الحوثيون هجماتهم، كما أكدوا ذلك مرارا، التى تظهر جديتها فى إلحاق الضرر بالسفن المستهدفة. ومتوقع أيضا أن تأخذ السفن المدنية وشركات التأمين غير المرتبطة بإسرائيل فى الاعتبار خطورة وقوع خطأ من الحوثيين فى تحديد هوية السفن وتمييزها، خاصة أن الضربات الأمريكية والبريطانية دمرت بعض منشآت رادار الدفاع الجوى لديهم. وسوف تكون هناك تكلفة عالية لعمل السفن التى تمر من المياه القريبة من اليمن، خلال الفترة القادمة، إما لمخاطر عمليات احتجازها، أو ارتفاع رسوم التأمين عليها، وهو ما يعنى ارتفاع تكلفة عمل هذه السفن ورفع الأجور التى تحصل عليها. كما أن كثيرا من السفن ستتجنب الإبحار من البحر الأحمر أو قرب السواحل اليمنية التى يسيطر عليها الحوثيون، وستواصل اعتمادها أكثر فأكثر على الطريق المار عبر رأس الرجاء الصالح سواء باتجاه آسيا أو أوروبا. لكن هذا الطريق يجعل من رحلة هذه السفن أطول وأكثر تكلفة، حيث ستحتاج السفن المبحرة من آسيا إلى أوروبا لأكثر من 30 يوما تقريبا للوصول إلى موانئ إسبانيا، مقارنة بحوالى 19 يوما عبر البحر الأحمر وقناة السويس وفقا لتقرير معهد واشنطن.

كما ستؤدى هذه الرحلات الأطول إلى تكاليف إضافية على الباعة والمشترين على حد سواء، أى أن استمرار عمليات الحوثيين سيبقى تكاليف الشحن العالمية خلال عام 2024 أعلى من مستوياتها المعقولة، مما ينذر ببلوغها مستويات قياسية، مثل ما حصل أثناء انتشار وباء «كوڤيد - 19». يشار إلى أن مضيق باب المندب الذى يشرف عليه اليمن يمر عبره 10 % من التجارة البحرية الدولية سنويا من خلال مرور نحو 21 ألف سفينة. كما يمر عبره 6 ملايين برميل من النفط يوميا، وقد أدى التصعيد فى البحر الأحمر إلى اختلال نحو 15 % من التجارة الدولية، وفقا لتقرير معهد واشنطن. لذا فإن حماية حرية الملاحة فى هذه المنطقة تعتبر أساسية لأمن الطاقة والاقتصاد العالمى ككل.