اليهود يتبرأون من الصهيونية فى عيد الفصح.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثرية بالضفة الغربية

مرڤت الحطيم
أدت الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة إلى تنصل اليهود أنفسهم من الصهيونية وأفعالها، حيث كتبت أستاذة العدالة المناخية فى جامعة كولومبيا البريطانية والكاتبة فى صحيفة ذا جارديان البريطانية نعومى كلاين مقالا تتنصل فيه كيهودية، من الصهيونية التى تعتبر أنها ترتكب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين فى غزة، وتعتبر أنها تحولت إلى صنم زائف استخدم اليهودية لتبرير كل ممارساته الشاذة.
تقول: كنت أفكر فى موسى وحنقه، عندما نزل من الجبل ليجد بنى إسرائيل يعبدون عجلا ذهبيا. لطالما كانت النسوية البيئية بداخلى غير مرتاحة حول هذه القصة: فأى إله يغار من الحيوانات؟ وأى إله يريد أن يكتنز كل مقدسات الأرض لنفسه؟ ولكن هناك طريقة أقل حرفية لفهم هذه القصة، وهى تتعلق بالصنم الزائف وميل الإنسان إلى عبادة كل ما هو دنيوى وبراق والنظر إلى كل ما هو صغير ومادى بدلا من كل ما هو كبير ومترفع. ما أرغب فى إيصاله إليكم فى مأدبتنا الثورية والتاريخية فى الشوارع بمناسبة عيد الفصح، هو أن الكثير من أبناء شعبنا اليهودى يعودون لعبادة صنم زائف مجددا. لقد انخدعوا بسحره، وأغرموا بخمره، وتلطخوا برجسه. وهذا الصنم الزائف يعرف بالصهيونية. الصهيونية صنم زائف أخذ فكرة الأرض الموعودة وحولها إلى صك بيع لدولة عسكرية قائمة على نظام إثنى.
إنّها صنم زائف يأخذ أعمق القصص فى كتابنا المقدس التى تتحدث عن العدالة والتحرر من العبودية، قصة عيد الفصح بحد ذاتها، ويحولها إلى أسلحة وحشية للسرقة الاستعمارية للأراضى وخرائط طرق لارتكاب التطهير العرقى والإبادة الجماعية. إنها صنم زائف اتخذ الفكرة السامية للأرض الموعودة، وهى استعارة لتحرير الإنسان الذى سافر عبر ديانات متعددة إلى كل ركن من أركان هذا العالم، وتجرأ على تحويلها إلى صك بيع لدولة عسكرية قائمة على نظام إثنى.
إن صيغة التحرر التى تطرحها الصهيونية السياسية هى فى حد ذاتها دنيئة. فمنذ البدء، تطلب الأمر الطرد الجماعى للفلسطينيين من منازلهم وأراضى أجدادهم خلال النكبة. منذ البدء، أنتجت الصهيونية السياسية نوعا غير عادى من الحرية يصور الأطفال الفلسطينيين على أنهم ليسوا بشرا بل تهديدا ديموجرافيا لها؛ تماما كما تصرف فرعون فى سفر الخروج خشية من تنامى عدد السكان الإسرائيليين، فأمر بقتل أبنائهم. لقد أوصلتنا الصهيونية إلى اللحظة الراهنة للكارثة، وقد حان الوقت لنقول بوضوح إنها لطالما كانت تقودنا إلى هذه اللحظة.
إنها صنم زائف قاد الكثير من أبناء شعبنا إلى إتباع طريق غير أخلاقى تماما، ما جعلهم اليوم يبررون تمزيق الوصايا الأساسية: لا تقتل. لا تسرق. لا تطمع. نحن فى هذه الشوارع منذ عدة أشهر، نحن النزوح. الخروج من الصهيونية! الصهيونية صنم زائف يساوى الحرية اليهودية بالقنابل العنقودية التى تقتل الأطفال الفلسطينيين وتشوههم. الصهيونية صنم زائف خان كل القيم اليهودية، بما فى ذلك القيمة التى نعلقها على الاستجواب، وهى ممارسة متأصلة فى عيد الفصح بأسئلته الأربعة التى يطرحها أصغر طفل بما فى ذلك الحب الذى نملكه كشعب للنصوص والتعليم.
واليوم، يبرر هذا الصنم الزائف قصفه لجامعات غزة، وتدميره لعدد لا يحصى من المدارس والمطابع؛ وقتله لمئات الأكاديميين والصحفيين والشعراء. وهذا ما يسميه الفلسطينيون الإبادة التعليمية، أى القضاء على جميع وسائل التعلم. فى خلال ذلك، تستدعى الجامعات فى هذه المدينة شرطة نيويورك وتحصن نفسها ضد التهديدات الخطيرة التى يشكلها طلابها، الذين يجرؤون على طرح أسئلة أساسية عليها، مثل: كيف يمكنكم ادعاء الإيمان بأى شىء على الإطلاق، على الأقل بنا نحن، بينما تقومون بتمكين هذه الإبادة الجماعية والاستثمار فيها والمساهمة فى ارتكابها؟ لقد سمح لصنم الصهيونية الزائف بالتنامى من دون أى رادع لفترة طويلة جدا. لذلك، نقول هذه الليلة: كفى. فلا يمكن ليهوديتنا أن تكون دولة إثنية، لأنها أممية بطبيعتها. ولا يمكن للمؤسسة العسكرية الجامحة لهذا الكيان أن تحمى يهوديتنا، لأن كل ما يفعله الجيش هو زرع الحزن وحصد الكراهية، بما فى ذلك ضدنا كيهود.
ويهوديتنا ليست مهددة من قِبل الأشخاص الذين يرفعون أصواتهم تضامنا مع فلسطين، من مختلف الأعراق والإثنيات والقدرات الجسدية والهويات الجنسية والأجيال. يهوديتنا هى أحد تلك الأصوات وتدرك أن فى هذه الجوقة تكمن سلامتنا وتحررنا الجماعى. يهوديتنا هى يهودية عشاء عيد الفصح، حيث نجتمع للاحتفال ونتشارك الطعام والنبيذ مع الأحباء والغرباء على حد سواء. وهى طقوس محمولة بطبيعتها وخفيفة بما يكفى لحملها على ظهورنا، ولا نحتاج إلى شىء سوى بعضنا البعض. لا نحتاج جدرانا ولا معابد ولا حاخامات بل دورا للجميع، ولا سيما لأصغر أطفالنا. يعد عشاء عيد الفصح بمثابة تقنية الشتات، إن وجدت، وهى مصممة للحزن الجماعى والتأمل والتساؤل واستعادة الذكريات وإحياء الروح الثورية.
لذا، انظروا حولكم؛ هنا تكمن يهوديتنا. وبينما ترتفع المياه وتحترق الغابات ولا شىء مؤكد نصلى على مذبح التضامن والمساعدة المتبادلة، مهما كان الثمن. نحن لا نحتاج صنما زائفا للصهيونية ولا نريده، بل نريد أن نتحرر من المشروع الذى يرتكب إبادة جماعية باسمنا. نريد التحرر من عقيدة لا تملك خطة لإرساء السلام سوى بالتعامل مع الدول النفطية الثيوقراطية القاتلة المجاورة، بينما تبيع تقنيات الاغتيالات الآلية للعالم. نحن نسعى لتحرير اليهودية من الدولة الإثنية التى تريد لليهود الشعور بالخوف على الدوام، وتريد لأطفالنا الشعور بالخوف، وتريد منا أن نعتقد أن العالم ضدنا من أجل أن نحتمى فى حصنها وتحت قبتها الحديدية، أو على الأقل من أجل الحفاظ على تدفق الأسلحة والتبرعات إليها. ولا يقتصر الأمر على نتنياهو فقط بل على العالم الذى صنعه هو والذى كون شخصيته، وهو الصهيونية. فماذا نكون إذا؟ نحن سفر الخروج فى الشوارع منذ عدة أشهر. نحن سفر الخروج من الصهيونية! ولأمثال تشاك شومر فى هذا العالم، لا نقول: دعوا شعبنا يرحل. بل نقول: لقد رحلنا بالفعل. فماذا عن أطفالك؟ إنهم معنا اليوم.
ومن ناحية أخرى، لم تعد المناسبات الدينية والأعياد اليهودية، وبينها عيد الفصح اليهودى الذى انتهى الأسبوع الماضى مجرد طقوس دينية بحتة، بل صارت تلامس قهرا وبشكل مباشر مصالح الفلسطينيين وحياتهم فى مختلف محافظات الضفة الغربية. فى هذه الأعياد يستبيح المستوطنون المواقع الأثرية والتراثية وينابيع المياه الطبيعية فى مختلف المحافظات، فيما يفرض جيش الاحتلال الإغلاق على المناطق الفلسطينية ويقيد حركة الفلسطينيين، ويمنعهم من الوصول إلى أراضيهم. ومنذ بداية عيد الفصح كانت عشرات هذه المواقع على موعد مع اقتحامات جماعية للمستوطنين.
ويوجد فى وسط مدينة الخليل جنوبى الضفة، وتحديدا الجزء الذى يفترض أنه خاضع لسيطرة السلطة الفلسطينية، بناء قديم به قبر، يقول باحثون من المدينة إن عمره لا يتجاوز 100 عام. فى الأعياد اليهودية، كما حدث فى عيد الفصح اقتحم جيش الاحتلال المنطقة، وهى مركز المدينة التجارى، وانتشر القناصة على أسطح المنازل والمتاجر، وأغلق الجيش شارع بئر السبع الحيوى لمسافة عدة مئات من الأمتار ويمنع فتح المتاجر وحركة السكان. بعد الانتشار العسكرى تبدأ مجموعات المستوطنين بالوصول إلى المكان المسمى فلسطينيا «قصر حبرون»، وهى تسمية كنعانية، بينما يطلق عليه مستوطنون «كهف أوثينال بن كانس»، وهو واحد من 4 مواقع فى وسط الخليل يزعم الاحتلال أنها «أماكن يهودية». تستمر هذه الاقتحامات عدة ساعات يتنفس الفلسطينيون الصعداء مع انتهائها، لكن إنتشار الجيش الإسرائيلى والمستوطنين يستمر على بعد عشرات الأمتار حيث البلدة القديمة والمسجد الإبراهيمى المقسم زمانيا ومكانيا بين المستوطنين والفلسطينيين.
وبمناسبة عيد الفصح، أُغلق المسجد الإبراهيمى بالكامل أمام المصلين، وفتح بشكل كامل أمام المستوطنين فى عيد الفصح، وفق ما أعلنته مديرية الأوقاف الفلسطينية فى الخليل. وخلال هذين اليومين، اقتحم آلاف المستوطنين المسجد وانتشروا بكثافة فى باحاته، فى وقت يستمر فيه فرض حظر التجول على الفلسطينيين بمحيطه منذ 7 أكتوبر الماضى، أى مع اندلاع الحرب على غزة، وسط إجراءات تصبح أكثر شدة مع حلول الأعياد. وانتشرت على منصات التواصل مقاطع ڤيديو لوزير الأمن القومى إيتمار بن غفير، وهو من سكان مستوطنة كريات أربع فى المدينة، يشارك فى حفلات ورقصات فى ساحات المسجد. فى بلدة السموع إلى الجنوب من الخليل أيضا، أعتاد جيش الاحتلال اقتحام مركز البلدة وإغلاقه وتعطيل حياة السكان لتأمين اقتحام المستوطنين لبناء أثرى رومانى لا علاقة له باليهود، وفق نائب رئيس البلدية بدر حوامدة الذى أضاف أن البلدة محاصرة بشكل شبه كامل منذ 7 أكتوبر، ويواجه السكان صعوبات كبيرة فى التنقل، وفى ظل هذا كله يتم اقتحام القرية بشكل متكرر وإطلاق الرصاص والقنابل الغازية من أجل تأمين وصول المستوطنين للمكان. وما تغير بعد 7 أكتوبر، أن الاقتحامات أصبحت متكررة وأن الجيش أصبح أكثر عنفا، وأن أعدادا كبيرة من المستوطنين بل والإسرائيليين من داخل إسرائيل، شاركت فيه، كما جرى فى عشرات المواقع الأثرية بالضفة الغربية، وأبرزها منطقة سبسطية الأثرية شمال مدينة نابلس.
ويقول مسئول العمل الشعبى فى هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عبد الله أبو رحمة، إن الملاحظ فى فترات الأعياد اليهودية مؤخرا هو كثرة اقتحام المواقع الأثرية والطبيعية بما فى ذلك ينابيع المياه، وهذا ما حدث أيضا فى بلدة سبسطية بشكل لافت حتى أصبحت الاقتحامات شبه يومية. وأشار إلى طرد السكان والمزارعين والمواطنين الفلسطينيين فى كل اقتحام، لهدف مركزى هو محاولة فرض السيطرة عليها. وذكر أبو رحمة أن الاقتحامات المتوالية تتم بالتوازى مع نشر البؤر الاستيطانية وأوامر المصادرة العسكرية للأراضى والجبال وتهدف إلى ترسيخ السيطرة على مناطق بعينها.
ويشدد المسئول الفلسطينى على أن المعالم والآثار المستهدفة بالاقتحامات لا تمت لليهود وتاريخهم وديانتهم بأى صلة، إنما فى معظمها إما مناطق أثرية رومانية أو كنعانية وحتى مقامات إسلامية. وأشار إلى إطلاق أسماء عبرية على بعض المواقع هى بالأصل أسماؤها الكنعانية. ويقول إن الاقتحامات تتركز على مناطق عديدة بذرائع مختلفة، لكن جوهرها أن الاحتلال ينظر إليها من زاوية الأهمية الجغرافية ومواقعها لتكون حلقة أخرى فى إحكام السيطرة على الأراضى سواء كان تحت عناوين أثرية أم طبيعية أم دينية. وتوجد فى فلسطين عشرات آلاف المواقع التراثية والمعالم الإسلامية، لكن أغلبها يقع فى المنطقة المصنفة «ج» وفق الإتفاقيات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. وهى تشكل حوالى 60 % من مساحة الضفة الغربية وتخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، مما يحد من التدخلات الفلسطينية سواء لترميمها أو حمايتها.