الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

صورة قاتمة ومخاوف من التحول إلى صراع أهلى شامل عام من الحرب.. استنزاف اقتصادى ودمار إنسانى

تتفاقم المخاوف من تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل أكبر فى ظل انكماش مساحات الملاذات الآمنة للفارين من مناطق القتال. واتسعت رقعة الحرب بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة لتشمل اكثر من 70 بالمائة من مساحة البلاد، حيث انتقل القتال من الخرطوم إلى دارفور وكردفان فى الغرب والنيل الأبيض فى الجنوب وولايتى الجزيرة وسنار فى الوسط والجنوب الغربى.



 

فبعد مرور عام على اندلاعها فى جنوب العاصمة الخرطوم، خلفت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع نحو 17 ألف قتيل، وأحدثت دمارا اقتصاديا قدرت خسائره بمليارات الدولارات، وأوجدت وضعًا إنسانيًا وصف بالأكثر مأساوية فى العالم، حيث شردت الملايين من منازلهم وأدخلت 25 مليونًا فى دائرة الجوع، وسط مخاوف من تحولها إلى حرب أهلية شاملة، بحسب أحدث تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات.

ورسم تقرير صدر الأحد عن الأمم المتحدة صورة قاتمة عن الأوضاع الإنسانية فى البلاد. وقال التقرير إن السودان يواجه واحدة من أسرع الأزمات التى تتكشف على مستوى العالم، حيث يحتاج نحو 25 مليون شخص - منهم أكثر من 14 مليون طفل - إلى المساعدة والدعم الإنسانى.

ووفقًا للتقرير فإن 17.7 مليون شخص- أكثر من ثلث سكان البلاد- يواجهون انعدام الأمن الغذائى الحاد، من بينهم 4.9 مليون شخص على حافة المجاعة. وأشار التقرير إلى فرار أكثر من 8.6 مليون شخص– حوالى 16 بالمائة من إجمالى سكان البلاد– من منازلهم منذ بدء النزاع.

خسائر اقتصادية

قدر الخبراء الاقتصاديون قيمة خسائر الأصول التى دمرتها الحرب حتى الآن، بما بين 500 إلى 700 مليار دولار، محذرًا من أن يؤدى استمرار الحرب إلى المزيد من الانكماش فى قواعد الإنتاج الوطنية وربما انهيار كلى فى إيرادات المالية العامة مما يرفع الخسائر بشكل أكبر بكثير من التقديرات السابقة.

وأشاروا إلى أن القطاع الصناعى هو الأكثر تأثرًا، حيث تشير التقديرات إلى فقدان نحو 75 بالمائة من وحداته الإنتاجية يليه قطاع الخدمات بنسبة 70 بالمائة فالقطاع الزراعى بنسبة 65 بالمائة.

وإلى جانب المجهود الحربى وتدمير الترسانة العسكرية، فقد شملت خسائر الحرب بنيات أساسية مادية كالجسور والسدود وشبكات نقل الكهرباء والمياه والوقود والاتصالات والمنشآت الصحية والتعليمية والمبانى العامة والقطاعات الإنتاجية والصناعية والأسواق، إضافة إلى دمار منازل وممتلكات المواطنين، وتكلفة التدهور والتلوث البيئى.

وبسبب الحرب انكمش الناتج القومى باكثر من 40 بالمائة، وتقلصت الايرادات العامة بنحو 80 بالمائة لتعتمد على طباعة النقود مع غياب التمويل الدولى، فى ظل انهيار المصارف والمشاريع الإنتاجية التى يعتمد عليها الاقتصاد المحلى فى تمويل الإيرادات.

وتجاوزت معدلات التضخم 520 بالمائة، ودخل أكثر من 40 بالمائة فى دائرة البطالة بعد الحرب نتيجة لفقدان مصادر دخلهم فى ظل إغلاق معظم مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.

وتضاعفت السلع الغذائية الرئيسية بأكثر من ثلاث مرات بسبب توقف سلاسل الإمداد وانخفاض قيمة الجنيه السوداني؛ حيث يجرى حاليًا تداول الدولار الواحد عند 1400 جنيه، مقارنة مع 600 جنيه قبل اندلاع الحرب.

وتعرضت البنية الصناعية فى البلاد؛ إلى دمار وتخريب كامل، فبالتزامن مع العمليات القتالية؛ انتشر المئات من اللصوص والمتفلتين فى المناطق الصناعية ونهبوا كل شىء بما فى ذلك الماكينات وأجزاؤها والمواد الخام والمخزون الإنتاجى وحتى أسقف المبانى وأجهزة التكييف والإضاءة. وقد تفاقمت الخسائر أكثر بسبب ثقل مساهمة الولايات الاكثر تأثرًا بالحرب فى الناتج المحلى الإجمالى، وهى العاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة ودارفور وكردفان وسنار والنيل الأبيض. ويوضح «تتركز معظم قواعد الإنتاج والبنيات الأساسية التى تشكل العمود الفقرى للاقتصاد السودانى، فى الولايات الأكثر تأثرا بالحرب حتى الآن».

انعكاسات خارجية

حذر مراقبون من التداعيات الخطيرة للحرب السودانية على الأمن الإقليمى والدولى.

من جانبه، عبر جوزيف بوريل فونتيليس، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية عن تلك المخاوف بالقول إن أمن أوروبا والعالم على المحك، وأوضح «يعد البحر الأحمر أهم رابط بحرى لأوروبا مع آسيا والمحيط الهادئ، ويمكن أن يصبح السودان بابًا دوارًا للاتجار بالبشر والمقاتلين المتطرفين والأسلحة وجميع أنواع التجارة غير المشروعة بين منطقة الساحل وشمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى».

وفى السياق ذاته، قالت الأمم المتحدة إن الحرب فى السودان قد أثرت بشكل كبير على البلدان المجاورة، خصوصًا دولتى تشاد وجنوب السودان، حيث يؤدى تعطل التجارة ونزوح أعداد كبيرة من السكان إلى استنزاف الموارد وتفاقم الجوع.

وقالت سيندى ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمى، «ملايين الأشخاص فى جنوب السودان وتشاد مهددون بالمجاعة لأن هذه الحرب دمرت الزراعة والشركات والاقتصادات الوطنية - تاركة ضحاياها جائعين ومفلسين». «يجب أن يتوقف القتال الآن، وإلا فقد تصبح المنطقة قريباً أكبر أزمة جوع فى العالم».

وتوقع التقرير تراجعا كبيرا فى اقتصاد جنوب السودان فى ظل معاناة الأسر من التضخم المفرط والانخفاض الشديد فى قيمة العملة، بسبب توقف خط أنابيب تصدير النفط الرئيسى فى البلاد والذى يمر عبر السودان فى مارس. والنفط هو المصدر الرئيسى للدخل فى جنوب السودان ويشكل 95 بالمائة من الإيرادات.

حصيلة قاسية

تعانى الخدمات أكثر من 60 فى المائة من مناطق البلاد شحا كبيرا فى إمدادات الكهرباء والمياه وخدمات الاتصالات بعد ان دمر القتال الكثير من المنشآت والشبكات الرئيسية؛ ومازالت العديد من المناطق فى العاصمة ومدن أخرى تعيش فى ظلام دامس وتوقف كامل لإمدادات المياه منذ الأسابيع الأولى من بدء القتال.

كما أن القطاع الصحى يواجه خطر الانهيار الكامل بعد خروج أكثر من 60 فى المائة من المستشفيات عن الخدمة تماما، وقدر وزير الصحة حجم التمويل اللازم لإعادة تأهيل القطاع بنحو 11 مليار دولار. وبسبب صعوبة الوصول للمستشفيات وانعدام الأدوية المتقذة للحياة يموت يوميًا المئات من المصابين بالأمراض المزمنة مثل الكلى والسكرى وغيرها.

وفقد نحو 19 مليون طالب وطالبة عاما دراسيا كاملا، حيث توقفت الدراسة فى المراحل المختلفة كليا منذ اندلاع الحرب. وتعرضت اكثر من 70 فى المائة من المدارس والجامعات والمعاهد والكليات العليا المتخصة الحكومية والأهلية فى الخرطوم لتخريب كلى أو جزئى.

كما دمر القصف الجوى والمدفعى المكثف نحو 10 فى المائة من المبانى السكنية و40 فى المائة من الأسواق و60 فى المائة من المبانى والمنشآت الحيوية بالعاصمة من بينها القصر الرئاسى وأجزاء من القيادة العامة للجيش وعدد من المتاحف والمبانى التاريخية والوزارات والهيئات الحكومية والخاصة التى احترق بعضها بالكامل.