الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

دعم مليارى ومسار سياسى.. «مؤتمر باريس» يعزز آمال السودانيين

للمرة الثانية، تسخر باريس جهازها الدبلوماسى من أجل مؤتمر لدعم السودان وتعزيز آماله فى العودة إلى الاستقرار وإنهاء الحرب التى اندلعت قبل عام كامل، ولم تنجح الوساطات المتعددة فى إطفائها حتى تاريخه. ولهذا الغرض استعانت فرنسا بألمانيا وبالاتحاد الأوروبى، من أجل تنظيم مؤتمر ثلاثى الأبعاد، سياسى وإنسانى واجتماعى، بحيث دعت إليه عشرات الدول والمنظمات الدولية والإقليمية وممثلى المجتمع المدنى السودانى، بعيدًا عن الفريقين المتناحرين، أى الجيش بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، وقوات «الدعم السريع» بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتى»، ما دفع الحكومة السودانية لرفع الصوت والاحتجاج على استبعادها.



وقالت باريس قبل انطلاق المؤتمر، إنه منذ بدء المؤتمر تواتر الإعلان عن مساعدات كبيرة، حيث اقتربت المساهمات من سقف 850 مليون يورو، (350 من الاتحاد الأوروبى و244 من ألمانيا و110 ملايين من فرنسا والولايات المتحدة 147 مليون دولار).

وفى الشق السياسى، استضافت وزارة الخارجية الفرنسية اجتماعًا ضم مجموعة واسعة من الوزراء، إلى جانب وزراء خارجية فرنسا وألمانيا، ومسئول السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، وضمت المجموعة وزراء وممثلين لدول جوار السودان، مصر وجنوب السودان وإثيوبيا وتشاد وليبيا وكينيا وجيبوتى، ووزراء ومسئولين من المملكة السعودية والإمارات، وممثلين لدول غربية، الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج، إضافة إلى ممثلين للمنظمات الإقليمية، الجامعة العربية والاتحاد الإفريقى و«إيغاد» ومجموعة دول شرق إفريقيا.

انهيار تام

فى كلمته الافتتاحية التى سبقت الاجتماع السياسى المغلق، بمقر «الخارجية»، حدد وزير الخارجية الفرنسى ستيفان سيجورنيه 3 أهداف للمؤتمر: تعبئة الموارد المالية للاستجابة لحاجات السودان الإنسانية ولدول النزوح، مذكرًا بأن الاستجابة لما طلبته الأمم المتحدة لم تتعدَّ سقف 5 فى المائة، مشيرًا إلى العوائق التى تحول دون وصول المساعدات.

وذكر سيجورنيه أن 27 مليون سودانى، أى ما يساوى نصف سكان البلاد، يعانون من انعدام الأمن الغذائى، بينهم 15 مليون طفل. وأفضت الحرب إلى نزوح 1.8 مليون شخص خارج السودان، بينما النازحون فى الداخل يصل عددهم إلى 6.7 مليون شخص. أما أعداد القتلى والجرحى فتصل إلى عشرات الآلاف.

والهدف الثانى سياسى، وعنوانه دعم الوساطات القائمة لوضع حد للحرب وتحسين التنسيق بين الأطراف الدولية، مشيرًا إلى أن بيانًا سيصدر مع نهاية الاجتماع للتأكيد على 3 أهداف: إيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق، والتوصل إلى وقف مستدام لإطلاق النار، وضمان العودة إلى مسار الانتقال الديمقراطى بقيادة حكومة مدنية.

والهدف الثالث العمل على إسماع صوت المدنيين ومنظمات المجتمع المدنى الذين دعوا إلى معهد العالم العربى من أجل منتدى استمر طوال يوم الاثنين. وترى باريس، وهو ما حاز موافقة ودعم الأطراف الآخرين فى المؤتمر، أنه تتعين «مواكبة» أنشطة المدنيين السودانيين المفترض أن تفضى إلى قيام بلد يتمتع بالحرية والسلام والعدالة، فضلًا عن دعم ومساندة الطموحات الديمقراطية للشعب السودانى.

هدف المؤتمر

والهدف من المؤتمر، وفق سيجورنيه، يكمن فى «إعادة وضع السودان على الأجندة الدولية» بعد أن غيبته الحروب الأخرى، ومنها الحرب الأوكرانية وحرب غزة. وختم سيجورنيه قائلًا: «نريد كسر حاجز الصمت الذى يلف النواة وتعبئة الأسرة الدولية لدعم السودانيين»، الذين هم «ضحية النسيان واللامبالاة».

وكانت كلمة سيجورنيه مغرقة بالدبلوماسية، بعكس كلمتى ممثلى الاتحاد الأوروبى وكلمة نظيرته الألمانية. فمسئول السياسة الخارجية للاتحاد جوزيب بوريل وجه سهامه للبرهان و«حميدتى» اللذين «دفعا السودان إلى حافة الهاوية» بسبب «حربهما للحيازة على السلطة»، داعيًا إلى «ممارسة مزيد من الضغوط الدولية عليهما من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار».

وبحسب بوريل، وحدها هذه الضغوط يمكن أن تكون مفيدة من غير أن يستبعد «فرض عقوبات على معرقلى مسار السلام». وعدّ بوريل أن هناك كثيرًا من المبادرات السلمية المتداخلة التى لا يحصل تنسيق بينها، ما يتيح لفريقى النزاع المماطلة والتهرب. فضلًا عن ذلك، فإن بوريل يستعجل التوصل إلى «هدنة إنسانيّة» لإتاحة المجال أمام عمل الهيئات الإنسانية فى السودان وخارجه، وخلاصته أنه حان الوقت لوضع حد لكثرة الكلام وتكثيف العمل الميدانى.

أما المفوض الأوروبى لإدارة الأزمات يانيس لينارسيش، فقد ذهب أبعد من ذلك، إذ أكد أن الحرب الدائرة «سببها جنون رجلين (البرهان وحميدتى) إلا أنها تصيب 50 مليون سودانى». وأضاف أن اجتماع باريس غرضه «تذكير العالم بمآسى هؤلاء وإبراز أن أوروبا منخرطة فى التخفيف من آلامهم ولدعم دول الجوار المتأثرة بالنزوح، ولوضع حد لهذا الجنون وللكارثة الإنسانية».

وحذر المسئول الأوروبى من أن السودان «فى طور الانهيار وهو يعانى من أكبر أزمة إنسانية عرفتها القارة الأفريقية، ويعانى أيضًا من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان». وبنظره، لا يمكن «وضع حد لهذا الوضع من غير انخراط الأسرة الدولية». وكبادرة، أعلن لينارسيش أن الاتحاد سيوفر 355 مليون يورو مساعدات للعام الحالى.

مبادرات مصرية

عرضت مصر خلال مشاركتها فى مؤتمر باريس الدولى حول دعم السودان ودول الجوار، مقترحات ومبادرات إنسانية للتعامل مع الأزمة، وللتخفيف من تداعياتها على الشعب السودانى، كإقامة مستودعات إغاثية قريبة من الحدود مع السودان، للتدخل فى حالة حدوث أزمات، وإرسال فرق طبية للعمل بالمستشفيات السودانية وإمدادها بالأجهزة الطبية والأدوية، وفرق طبية أخرى متنقلة فى أنحاء السودان. وذكرت وزارة الخارجية أن السفير حمدى لوزا نائب وزير الخارجية للشئون الإفريقية ترأس وفد مصر خلال المؤتمر الذى استضافته باريس خلال اليومين الماضيين.

وأضافت الخارجية، أن نائب الوزير أكد -على أهم الأهداف والمحددات المصرية لجهود حل الأزمة، والتى تشمل التنسيق والتكامل بين مبادرات ومسارات الوساطة المختلفة، وتكثيف العمل على تحقيق وقف إطلاق النار مع بحث الصيغة المطلوبة والمسار الأمثل الذى يضمن سيادة ووحدة وسلامة أراضى السودان، ويحافظ على مؤسسات الدولة الشرعية من الانهيار، وخلق أرضية مشتركة تمكن القوى المدنية السودانية من صياغة رؤية توافقية، والبدء فى عملية سياسية شاملة، وقيام الدول المانحة بتنفيذ تعهداتها التى أعلنت عنها خلال مؤتمر الإغاثة الإنسانية الذى عقد فى جنيف العام الماضى، والعمل المشترك على اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لوقف الدعم العسكرى المقدم للأطراف السودانية المتحاربة.

حل داخلى

وفى كلمته باسم المملكة السعودية، أوضح نائب وزير الخارجية المهندس وليد بن عبدالكريم الخريجى، أن السبيل الوحيد لإنهاء هذه الأزمة والمعاناة المتفاقمة هو عبر حلّ سياسى داخلى (سودانى- سودانى) يحترم سيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه، ويُفضى إلى وقف لإطلاق النار للحفاظ على مقدرات هذا البلد ومؤسساته الوطنية من الانهيار.

وجدد المسئول السعودى ترحيب بلاده بجميع الجهود الإقليمية والدولية الرامية لحل الأزمة، وعزمها مواصلة الجهود لرعاية المباحثات، من خلال منبر جدة، من أجل تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية، لوقف إطلاق النار وعودة الحوار السياسى لتحقيق السلام والاستقرار فى السودان. وشارك من السعودية أيضًا رئيس مركز الملك سلمان للإغاثة، عبدالله بن عبدالعزيز الربيعى.

ومن جانبه، نبه الأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكى، إلى أنه من غير توافر «الشروط السياسية والعسكرية لتحقيق وقف إطلاق نار شامل سيظل إنشاء منبر تفاوضى ناجح بين الأطراف السياسية أملًا صعب المنال»، مضيفًا أنه من غير هذه الشروط «ستتعمق معاناة الشعب السودانى وسيدخل السودان نفقًا سبقته إليه دول أخرى علت فيها مصالح أمراء الحرب وانتماءاتهم الجهوية والإثنية والقبلية على حساب الانتماء للدولة والمواطنة الرشيدة، لتصبح ساحة جذب لكل فكر متطرف أو أنشطة خارج القانون». بيد أن الدعوات الدولية استبقتها تصريحات لرئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، جاء فيها أنه لا سلم ولا مفاوضات مع وجود قوات «الدعم السريع»، مضيفًا أن «القوات المسلحة حلها واحد، دحر هذا التمرد، وهذا رأى الشعب السودانى، ونحن ننفذ تعليمات شعبنا العظيم».

المساعدات الإنسانية

جددت الأمم المتحدة فى مصر وشركاؤها نداءهم للحصول على 175,1 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحًا للاجئين السودانيين الذين فروا إلى مصر منذ منتصف أبريل 2023. 

ويواجه اللاجئون العديد من التحديات خلال طريقهم للبحث عن الحماية، مما يضعهم فى كثير من الأحيان فى مواقف محفوفة بالمخاطر. العديد من الأطفال والأسر ينفصلون عن ذويهم خلال رحلة اللجوء ويصلون فى أمس الحاجة إلى الدعم الطبى والنفسى، فضلا عن استنفاد مدخراتهم القليل التى استطاعوا الهروب بها فى مصر سريعًا. 

وتعمل الحكومة المصرية على ضمان حصول الأفراد الذين أجبروا على الفرار على خدمات الرعاية الصحية الأساسية والتعليم على قدم المساواة مع المواطنين المصريين. ومع ذلك، فإن بناء القدرة على الصمود على المدى الطويل وتعزيز سبل كسب رزق للمجتمعات المضيفة والمجتمع السودانى فى مصر أمر بالغ الأهمية. 

وفى هذا الصدد، تدعم الميزانية المطلوبة 27 شريكًا يستهدفون ما يقرب من 500 ألف لاجئ ومهاجر وأفراد من المجتمع المضيف لتلبية احتياجاتهم فى مجالات الحماية والتعليم والأمن الغذائى والاحتياجات الأساسية والصحة العامة والتغذية وسبل كسب الرزق والإدماج الاقتصادى والمياه والصرف الصحى والنظافة والإسكان. 

وتقوم المفوضية بتنسيق الاستجابة فى مصر بالتعاون الوثيق مع الحكومة المصرية ومكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة فى مصر ومنظمات الأمم المتحدة الأخرى بما فى ذلك منظمة الصحة العالمية واليونيسيف وبرنامج الأغذية العالمى والمنظمة الدولية للهجرة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى ومنظمة العمل الدولية وصندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية واليونيسكو وهيئة الأمم المتحدة للمرأة وبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعنى بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، فضلا عن منظمات المجتمع المدنى المحلية والدولية. 

وقد أجبرت الحرب فى السودان حتى الآن أكثر من 1.7 مليون شخص على الفرار إلى البلدان المجاورة، بما فى ذلك مصر، التى كانت تعانى بالفعل من استنزاف الموارد وكانت تستضيف أعدادًا كبيرة من اللاجئين قبل الصراع فى السودان. 

ويعد دعم الاستجابة الإنسانية أمرًا بالغ الأهمية، لكن الاستثمارات لتعزيز الخدمات الوطنية وقدرة المجتمع على الصمود على المدى الطويل لها نفس القدر من الأهمية لدعم مصر كحكومة مضيفة وتمكين اللاجئين، سواء كانوا نساءً أو رجالًا أو أطفالًا، من العيش بكرامة. ولا يزال دعم سبل كسب الرزق للمجتمعات المضيفة واللاجئين يمثل أولوية حاسمة، لا سيما فى ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة، فى حين أن الاستثمار فى استعادة الاعتماد على الذات لدى اللاجئين سيعزز قدرتهم على الصمود فى مواجهة الصدمات الاقتصادية ويسهل المسارات نحو الحلول الدائمة. 

ومن خلال العمل مع الحكومة، تعمل المفوضية جنبًا إلى جنب مع منظمات الأمم المتحدة الشقيقة وشركاء التنمية على إنقاذ الأرواح، ولكن فى العديد من المواقع، بالكاد تمكنّنا من توفير أقل من الحد الأدنى. هناك حاجة إلى التزامات حازمة من المجتمع الدولى لدعم السودان والدول المضيفة للاجئين لضمان حياة كريمة لأولئك الذين أجبروا على الفرار من الحرب.