الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«مدينة النور» بالوادى الجديد تحل المشكلة وفرصة لتأمين مستقبل للأيتام.. الدولة تطهر أكتوبر من أخطر بؤرتى مخدرات فى ليلة القدر وأم القرى

فى فيلم صعيدى فى الجامعة الأمريكية يحكى الفنان الراحل محمد يوسف «والد خلف» قصة لابنه محمد هنيدى عن رجل خير شرع فى بناء مسجد وقبل البناء يموت الرجل فيحول الورثة الأرض إلى ماخور، وهى قصة توضح كيف أن البدايات قد تكون خيرة وسليمة إلا أن النهايات فى بعض الأحيان تكون سيئة صادمة.



هذه القصة أو المأساة حدثت على أرض الواقع وبشكل صادم وعميق التأثير فى دارى أيتام بمدينة السادس من أكتوبر، حيث تحولت دارا ليلة القدر وأم القرى فى غفلة من الزمن مع حالة الفوضى التى شهدتها مصر عقب ثورة 25 يناير إلى وكرين شديدى الخطورة لتجارة المخدرات، بينما اختفت الجمعيات المؤسسة لهاتين الدارين، وبات بعض المنحرفين من نزلاء الدارين يديرون الدارين لحسابهم الخاص لترويج المخدرات.

عيون الأجهزة الأمنية والمختصة كانت بالمرصاد لهاتين الدارين، وعلى مدار السنوات الماضية فشلت جميع محاولات السيطرة على الدارين وإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، فما كان أمام الدولة سوى اللجوء إلى الحل الأخير وهو استئصال هاتين البؤرتين تمامًا، وتسويتهما بالأرض ليفيق سكان أكتوبر من كابوس وخطر كان يتهدد أبناءهم طيلة السنوات الماضية.

> أم القرى

أقيمت دار أيتام أم القرى من خلال جمعية جوامع الخير الإسلامية سابقا بمساحة 13 ألف متر تقريبًا، لكن بعد أن فاض الكيل وتحولها إلى بؤرة لكل أشكال المخالفات والخروج على القانون وبعد فشل كل محاولات لم شمل الدار وحل مشاكل المقيمين فيها والوصول إلى طريق اللاعودة لقيم ومبادئ وتقاليد دور الأيتام جاء الحل بإزالتها بالكامل.

دار أم القرى التى كانت تبعد مائة متر عن ميدان الحصرى بمنطقة 6 أكتوبر تبرع بها الشيخ حمدى بن عبدالرحمن الحنطي، كانت تضم ورشًا وحضانة ومدرسة خاصة لرعاية الأيتام ووزارة التضامن تستقبل أموالًا من الداخل والخارج اللازمة لتشغيل الدار وبعد أن يكبر الأطفال يتم دمجهم فى المجتمع بشراء شقة لكل طفل ومشروع يعيش منه بعد بلوغه 21 سنة ومن ثم يصبح قادرًا على التكفل بنفسه وتكوين أسرة.. لكن فى ظل غياب الرقابة والإهمال تحولت الدار إلى بؤرة لتجارة المخدرات وجميع الأعمال المخالفة خاصة بعد قيام ثورة يناير 2011.

ومع قلة الموارد والصرف على المقيمين بالدار زادت الفوضى وعم الإهمال لدرجة أن الدار أصبحت كابوسًا ومصدر تهديد لسكان المنطقة، خصوصًا بعدما تحول بعض شباب الدار إلى تجارة المخدرات والسلاح لدرجة أن الذين يديرون تجارة المخدرات تولوا الصرف على زملائهم بالدار، وإجراء عمليات جراحية لبعضهم.

ومع استمرار الفوضى لم يتمكن أحد من إيقافها حتى شركة الأمن التى كانت تحاول إدارة الدار لم تستطع أن تفعل شيئًا رغم الحصول على أموال طائلة وبعدها غادرت الدار، التى تحولت إلى مركز لتجارة المخدرات من خلال شبابيك حديدية أقبل عليها الشباب وطلاب الجامعات الخاصة للحصول على المخدرات ودخل بعض ضعاف النفوس إلى الدار لاستخدام المقيمين فى تجارة المخدرات فى غياب المسئولية كاملة من جانب المشرفين وموظفى وزارة التضامن. 

وكانت تدير الدار سيدة أعمال تدعى ليلى وهبة طلبة والمهندس فاروق سيد مرسى وبعد وفاتهما تحولت إدارة الدار إلى وزارة التضامن ولم يحصل أى شاب على شقة بعد بلوغهم سن 21 سنة ولا أحد يعرف أين ملفاتهم أو الشقق المخصصة لهم.

واستمرت عملية بيع المخدرات من خلال المقيمين بالدار والحراسة على عمليات البيع باستخدام الأسلحة البيضاء والتعامل مع أى معترض على سعر البيع أو محاولة اقتحام خصوصية الدار ووصل الأمر إلى طرد مجلس إدارة الدار بعد الفشل فى حل المشاكل وتقويم المقيمين بها.

>ليلة القدر

لم يختلف الأمر كثيرا فى دار أيتام ليلة القدر التى افتتحتها مؤسسة مصطفى وعلى أمين الخيرية بالتعاون مع وزارة الشئون عام 1990 وكان الهدف منها إنشاء دار متكاملة لرعاية الأيتام بها مركز تعليمى وملاعب وغرف للإقامة وجميع المستلزمات التى يحتاجها الأطفال المقيمون بالدار وبعد مرور 30 عاما على إنشاء الدار تحولت إلى بؤرة مخالفات لا يمكن السكوت عليها وتحولت إلى تجارة المخدرات والأسلحة وأصاب الرعب سكان المنطقة. 

وبعد فشل جميع محاولات إصلاح الوضع قرر جهاز 6 أكتوبر إزالة الدار فى صباح 20 نوفمبر الماضى وتم إزالة المبانى الواقعة على مساحة 10 أفدنة و140 محلا أقامها المقيمون بالدار لتوفير الأموال التى يتم صرفها عليهم.

>قرارات إزالة

ويقول المهندس عادل النجار، رئيس جهاز 6 أكتوبر: إن أرض الدار تقع بميدان ليلة القدر بمساحة 10 أفدنة بجوار الفاصل السكنى الصناعى وكانت مخصصة لرعاية الأيتام تحت إشراف وزارة التضامن وتم إخلاء الدار من خلال وزارة التضامن بعد بلوغ أيتام الدار السن القانونية وتوقف استقبال أطفال ومنح المقيمين الذين بلغوا السن حقوقهم المادية لإقامة مشاريع وتوفير السكن.. إلا أن الدار تحولت إلى بؤرة للأعمال المخالفة سواء من جانب أبناء الدار أو الخارجين على القانون وقد حولوا سور الدار إلى 140 محلا عشوائيا باستغلال مرافق الدولة من مياه وكهرباء وتحولت الدار إلى «وكر» للكثير من الخارجين عن القانون. وصدرت قرارات إزالة للمحلات عام 2019.

ويضيف المهندس عادل النجار، أن عمليات الإزالة تمت بمشاركة شرطة التعمير ومديرية أمن الجيزة وتم إلقاء القبض على العديد من المخالفين، وسوف يتحول الموقع إلى مشروع استثمارى كبير يخدم المنطقة بعد الفوضى التى كانت تحدث من الدار والمقيمين فيها.

ويشير إلى أنه بعد نجاح الجهاز فى إزالة مخالفات دار أيتام ليلة القدر فى نوفمبر الماضى.. تحولت البوصلة إلى دار أيتام أم القرى فى 28 ديسمبر 2021 ضمن الحملة المكبرة للقضاء على جميع مظاهر العشوائية بالمدينة بالتنسيق مع مديرية أمن الجيزة والإدارة العامة لشرطة التعمير، حيث تمت إزالة التعديات الواقعة على قطعة الأرض التى كانت مخصصة لجمعية جوامع الخير الإسلامية دار أم القرى سابقا بمساحة 10 آلاف متر مع استثناء المدرسة والمسجد من الهدم.

ويؤكد المهندس عادل النجار، أن الأرض تقع بالمحور المركزى «48/101» قطعة رقم «25/2» وكانت مخصصة لرعاية الأيتام، تحت إشراف الشئون الاجتماعية وتم إخلاء الدار من قبل وزارة التضامن بعد بلوغ أيتام الدار السن القانونية وإعادة الأرض مرة أخرى إلى جهاز المدينة، إلا أن عددا من المخالفين قاموا بالتعدى عليها وتحويلها إلى عشوائيات بجانب استغلال مرافق الدولة بالمخالفة للقانون، كما أن مخالفات أرض دار أيتام أم القرى كانت بمثابة نموذج للمخالفين والمعتدين على أراضى الدولة بمدينة 6 أكتوبر وأن القضاء على تلك العشوائيات كان بمثابة ضربة موجعة وإنذار لكل المخالفين وأن القانون سوف يطبق على الجميع.

>سرقة العجول

ويحكى سكان المنطقة قصصًا كثيرة عن هاتين الدارين، إذ كان يسرقون العجول من حين إلى آخر يذبحونها لطعامهم وكانوا يقولون إن لحومًا حرامًا أفضل من الموت جوعًا، فى حين عجت جدران الدار بلافتات آيات القرآن والأحاديث النبوية التى كانت تزين مدخل دار أم القرى قبل هدمها، والطريف أن الآيات كانت أغلبها حول التوبة والعمل والصدق ورغم ذلك كان الاتجار فى المخدرات يتم على قدم وساق والسهرات الحمراء تتم داخل الغرف المغلقة بعد سهرات تناول الحشيش والمواد المخدرة كأنها ملاهى أو أوكار تعاطى خصوصًا داخل أكثر من مبنى بدار أم القرى الذى كان يضم خمسة مبان منها دار مسنين وحضانة تم إغلاقهما وورش والمؤسف أن اسم الدار كان مدرجًا فى جدول مكافحة المخدرات، كما أن بعض المقيمين بالدار كانوا من مدمنى المخدرات بأنواعها ويتسولون ويهددون المارة بتوفير الأموال لشراء المخدرات.

>524 دارًا

فى السياق يوضح محمود شعبان، مدير عام الأسرة والطفولة بوزارة التضامن، أن عدد دور الأيتام الحالى 524 دارًا على مستوى الجمهورية تخدم 10 آلاف طفل، ولا بد من التزام القائمين على رعاية الأبناء باللوائح المنظمة للعمل بدور الرعاية ولا يتم منح الدور تراخيص إلا بعد استيفاء الشروط منها موافقة الحماية المدنية على سلامة المنشأ بجانب المركز المالى القوى الذى يضمن الصرف على الأنشطة والبرامج والخدمات التى تقدم إلى الأطفال، مع توافر جهاز وظيفى مؤهل ومدرب للتعامل مع الأطفال وأن تكون التجهيزات والأثاث مناسبًا لأعمار الأطفال.

ويشير إلى أن وزارة التضامن ومديراتها تقدم حزمة من الخدمات تتنوع بين الخدمات الصحية والنفسية والاجتماعية والتعليمية، إلى جانب الخدمات الترفيهية والدينية من أجل دمجهم فى المجتمع، كما تقدم دعمًا مادىًا وفنيًا لدور الأيتام منها سداد قيمة المصروفات الدراسية للدور المتعثرة خاصة فى المراحل التعليمية المختلفة وأحيانا تصل للدراسات العليا أيضا.

>حلول مقترحة

فى محاولة لإيجاد الحلول اقترح د.صلاح هاشم،مستشار وزيرة التضامن للسياسات الاجتماعية، أستاذ التنمية والتخطيط بجامعة الفيوم، إنشاء مدينة لخريجى المؤسسة العقابية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية تسمى «مدينة النور» يخصص فيها خمسة أفدنة لكل خريج بجانب منزل ريفى يتكون من حجرتين وحظيرة للماشية والدواجن بما يسمح للشباب بالتمليك وإقامة أسرة ومشروع إنتاجى صغير وأن يتم إنشاء القرية بمحافظة الوادى الجديد لأنها بيئة سكانية وإنتاجية بكر؛ حيث يتم دمج هؤلاء الشباب مع الشباب الطبيعى الراغب فى إقامة مشروعات إنتاجية وزراعية بسيطة.

ويؤكد د.صلاح هاشم، أن هذا الاقتراح سوف يحل مشاكل الأطفال والشباب خريجى المؤسسات العقابية من جذورها ويعمق لديهم مشاعر الانتماء للوطن ويحولهم من فئات مستهلكة لخدمات الدولة إلى فئات منتجة تسهم فى تحقيق الأمن الغذائى المصرى، كما أن هذا المشروع يتماشى مع سياسة الدولة فى تحقيق الحياة الكريمة لجميع فئات الشعب.>