
طارق الشناوي
كلمة و 1/ 2 .. مهرجان القاهرة واختيار.. (الاختيار)
ندوة رائعة أقامها المهرجان السينمائى الدولى، وكان نجم الندوة المسلسل الاستثنائى (الاختيار)، حرصت وزيرة الثقافة الفنانة إيناس عبدالدايم على حضورها مع رئيس المهرجان وصاحب فكرة هذا اللقاء الكاتب والمنتج محمد حفظى، تابعنا صُناع هذا العمل الملحمى، المخرج بيتر ميمى والكاتب هانى سرحان وعدد ممن شاركوا البطولة إياد نصار وبشرى وأحمد شاكر وغيرهم، نعم نحن بصدد مهرجان سينمائى عالمى؛ إلا أن هذه الإطلالة جاءت لتعزف أروع الألحان على مَشاعر الجماهير.
الحرية الوجه الآخر للاختيار، وهكذا جاء العنوان ليختصر جبالاً من التساؤلات، فهو يناصر حق الإنسان أن يقول نعم ولا، وألا يصادر أحد قناعته، بحجة أن هذا هو رأى السماء.
ما منح المسلسل كل هذا الحضور المصرى والعربى، والذى أضافت له الترجمة بالإنجليزية على منصة (واتش إت) دائرة أوسع أراها أيضًا تملك مقومات التلامس مع عقول وقلوب لا تعرف العربية، إلا أنها اكتوت بنيران التطرف والإرهاب.
الرهان الحقيقى فى (الاختيار 2) هو الجمهور، سقف الطموحات كان عاليًا جدًا بعد الجزء الأول، ولهذا واجه الجزء الثانى معضلة، خارج الشاشة، وهى ترقب الجمهور لما هو أعلى، وأعمق، وأجمل، الناس لن ترضى بالوقوف عند سقف (الاختيار 1)، إنه مثل سباق الحواجز، دائمًا ما يكون الحاجز الثانى أعلى من الأول، وإذا أخفقت فى الثانى، بالتأكيد سينسى الجمهور ما حققته فى الأول، إنها أشواك النجاح.
(الاختيار 2 ) حقق جماهيرية أكبر، المخرج بيتر ميمى ومعه الكاتب هانى سرحان، منحا للشخصيات مساحة اجتماعية أكثر دلالة، ولم يعد الأمر مقصورًا فقط، على البُعد الوطنى، الإطلالة الاجتماعية فتحت المجال أمام زاوية رؤية أعمق، وجاءت شخصية أحمد مكى؛ لتؤكد هذا البُعد فى علاقته مع والده الراحل هادى الجيار، وصديق والده أحمد حلاوة وأضافت أسماء أبوزيد وهجًا وحضورًا وخفة ظل.
المسلسل أطل على الحدث بوجهة النظر متكاملة 360 درجة، نتابع قناعات مغايرة بزاوية الإرهابى حتى من تم اختراق أفكارهم داخل وزارة الداخلية، وتحولوا من حُماة للوطن إلى قنابل موقوتة ضد الوطن، حرص السيناريو على أن ينطق بأفكارهم فهم ينفذون كما يعتقدون شرع الله.
اختيار كريم عبدالعزيز فى دور الضابط (زكريا يونس) الذى يقف فى بؤرة الأحداث بكل أبعادها كان موفقًا ولافتًا، يستطيع «كريم» أن يُشعرك بأنه والشخصية الدرامية قد توحّدا، حتى الكرات الدموية بداخلة تبدو من فرط الصدق وكأنها تعيش الشخصية، وتوقفت فى الأداء أمام إياد نصار وأحمد شاكر وإنجى المقدم وبشرى، وهادى الجيار الذى ودّعنا بعد أن قدّم لنا أعمق بصمة درامية، وترقبت يوميًا فى الحلقات الأخيرة حضور الممثل الاستثنائى ماجد الكدوانى.
المزج بين الوثيقة والدراما هو مفتاح المخرج بيتر ميمى فى تقديم (الاختيار) منذ الجزء الأول، إنه لا يكتفى فقط بالوثيقة المتوافرة فى الفضائيات المصرية؛ بل يستقى الحقيقة من قناوات أخرى عربية وأجنبية؛ لتنساب الرؤية، وأنت كمُشاهد تملك أن تعلن الرأى، لم يغفل المسلسل أبدًا قوة الإرهابيين وقدرتهم على الاختراق حتى داخل الأجهزة الوطنية الحساسة مثل الشرطة، وهو يحمل جانبًا تحذيريًا أيضًا أتمنى أن نتنبه له، لا يزال لديهم أذرُع فى العديد من المؤسّسات بما فيها الإعلام، الخطر ليس فقط داخل حدود الوطن، ولكنه يمتد فى دائرة عنكبوتية لتشمل العالم كله.
المسلسل يلعب دور الكاشف للتاريخ القريب، فهو لا يخترع وقائع؛ ولكنه يستعيدها أمامنا ولا مجال ليس فقط للإضافة، ولكن أيضًا لتفسير يخاصم المنطق، الحقيقة التى عايشناها فى السنوات العشر الأخيرة لا تزال تسكن وجدان وعقل على الأقل 90 فى المائة من المشاهدين، فأنت وأنا شهود عيان على الحدث، المسلسل لا يملى عليك قناعته الفكرية سياسية أو دينية أو وطنية، يترك لك أنت حرية الاختيار وهذا هو سر وسحر(الاختيار)، وهكذا أشعل هذا اللقاء فى مهرجان (القاهرة) انتظارنا وتلهفنا على (الاختيار3)!