
محمد جمال الدين
الفرصة الأخيرة
أربعة عشر عامًا بالتمام والكمال هى المدة التى عانى فيها الشعب الفلسطينى من انقسام فصائله ومنظماته التى كان من المفترض أن تهتم به وبكل أطيافه، خصوصًا بعد أن ذاق الأمرين، تارة من قسوة وعنف محتل غاشم، لا يعترف بأى حقوق له، ويسعى جاهدًا إلى تهويد جل ما هو عربى، سواء فى القدس أو فى الضفة الغربية، وتارة أخرى على يد ممثليه الذين لم يبحثوا سوى عن تحقيق مجد شخصى يُحسب لهم أو لجماعتهم، ليثبت هذا الفصيل أو ذاك أنه الأقوى والأجدر للتعبير عن الشعب الفلسطينى ومصالحه، حتى جاءت الفرصة التى لم تكن فى حسبانهم، لوضع حل شامل وعادل ونهائى للقضية الفلسطينية برمتها، بعد أن سبق أن تم إهدار العديد من الفرص جميعها (بالمناسبة كانت من خلال مبادرات ومساعى مصرية) ولكن للأسف لم يكتب لها النجاح، نتيجة للخلافات والصراعات التى كانت تشتعل عند كل محاولة إصلاح تهدف للوصول إلى حل.
فعقب نجاح مصر فى وقف العدوان الغاشم على غزة وما نتج عنه من قتل نساء وأطفال وهدم مساكن على قاطنيها، والتدمير المتعمد للبنية الأساسية للقطاع، طفت على السطح نتائج إيجابية جميعها تصب فى صالح القضية، اتضحت فى التعاطف الشعبى والرسمى مع الشعب الفلسطينى من قبل شعوب العالم، وهو التعاطف الذى أدى إلى طرح القضية الفلسطينية على المجتمع الدولى مرة أخرى، (بعد أن قل أو يكاد ينتهى الاهتمام بها)، وأعاد إلى الأذهان ضرورة البحث عن حل دائم وعادل لها، للمساعدة فى إنهاء الصراع فى تلك المنطقة الملتهبة التى لم تشهد يومًا هادئًَا منذ عام 1948، وهذا ما تأكد أثناء العدوان وبعده، عندما أدرك قادة العالم والدول المعنية بالأمر سواء فى منطقتنا العربية أو خارجها، أن إعادة طرح حل الدولتين هو السبيل الرئيسى والوحيد والعادل الذى سيحقق السلام فى هذه المنطقة، خاصة بعد أن خبر القاصى والدانى والعدو والصديق مدى الجرم الذى ارتكبته القوات الإسرائيلية فى حق هذا الشعب المُهدر دمه منذ احتلت أرضه، ومن أجل الاستفادة من هذه النتائج الإيجابية تحديدًا التى يجب أن تدركها كل المنظمات والفصائل الفلسطينية وتستغلها أحسن استغلال لتحقيق آمال وطموحات الفلسطينيين الذين يؤكدون أنهم يمثلونه، عليهم تنحية خلافاتهم وانقساماتهم جانبًا لأن تلك الفرصة لن تتكرر مرة أخرى، ولم يكن من الممكن أن تتحقق لولا تدخل مصر بثقلها العربى والدولى وجهودها لوقف العدوان، والتى أخذت على عاتقها مراقبة ومتابعة وتثبيت وقف إطلاق النار وبحث شئون تبادل الأسرى، بخلاف تقديمها 500 مليون دولار للمساهمة فى تعمير ما دمرته آلة الحرب، حتى نصل إلى الهدف الأساسى والرئيسى بضرورة توفير مناخ ملائم لاستئناف المفاوضات بين الجانبين، وهو حل الدولتين الذى ينال رضا المجتمع العربى والدولى وتنفيذه فى أسرع وقت.
هذا الهدف هو ما تسعى إليه مصر عقب نجاحها فى وقف إطلاق النار، شريطة أن يتفق الفلسطينيون بينهم وبين أنفسهم على نبذ الصراع والخلافات، والتى بسببها كادت أن تذهب بالقضية الفلسطينية إلى غياهب الجب، وهذا ما أكد عليه الرئيس السيسى عندما شدد على ضرورة توحيد الجبهة الداخلية الفلسطينية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة رئيسها محمود عباس.
ولهذا ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف دعونا ولو لمرة واحدة ننسى خلافاتنا ونتفق على هدف واحد وهو إعلاء مصلحة الشعب الفلسطينى وحقه فى ضرورة إقامة دولته الحرة كاملة السيادة عاصمتها القدس الشرقية، لأن هذه هى الفرصة الأخيرة التى يجب على الأشقاء فى فلسطين استغلالها، داعين من الله ألا تفلت من بين أياديهم هذه المرة، مثلما سبق أن أضاعوا فرصًا مماثلة من قبل.