الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
عكس الاتجاه ..«حالة» ياسمين عبدالعزيز

عكس الاتجاه ..«حالة» ياسمين عبدالعزيز

المِقصلة الفنية والنقدية والأخلاقية التى طالت وقطعت رقاب كثير من دراما رمضان نجا منها مسلسل (اللى ملوش كبير) ليس لأنه عمل عبقرى أو عظيم أو حلو بنسبة أو حتى متوسط القيمة الفنية، لا، أو لأنه يناقش أفكارًا إنسانية عظيمة، برضه لا، ولكن لأسباب إنسانية بحتة تخص قلوب المشاهدين تجاه ياسمين عبدالعزيز، فمن أجلها تم إنقاذ رقبة المسلسل ولم يذكره مشاهد بسوء، بل على العكس لاقى استحسانًا ونسبة مشاهدة عالية رغم تواضع المستوى وانهيار المحتوى القِيمى بتغليب حُكْم البلطجية، وبالطبع ليس مطلوبًا أن تكون الدراما خطابية أو دعائية أو ذات خطاب إصلاحى، لكن أن تكون دراما بجد وحق وحقيقى جيدة فى مجمل عناصرها الفنية، دراما ببساطة «معمولة حلو».



حوى المسلسل مشاهد وحوارات ممعنة فى القسوة والقُبح، وطرح نماذج لشخوص مسرفة فى البلطجة والدونية بلا سبب درامى أو إنسانى مطروح، نماذج لا تعترف بقيمة الإنسان ولا تناقش دوافعه ونوازعه حتى نحو الجنوح والسقوط والانكسار الذى ملأ الشاشة، فى ذات الوقت وذات المسلسل: هذه النماذج الخارجة عن العرف والقانون والسياق الإنسانى تقابلها نماذج إنسانية ممعنة فى السذاجة، وستجد أن كلا الأشرار ولا الأخيار لهما توظيف درامى وسند نفسى وفلسفة.

وكان أحمد العوضى وليس سيف الخديوى هو السبب الثانى لانفلات المسلسل من مقصلة دراما رمضان، فقد أراد المشاهد أن يتحقق من حبيب ياسمين عبد العزيز، ثمة سبب ثالث يتمثل فى شخصية «مينا» صديق البطل، حتى الشخصية التى أداها خالد الصاوى كانت سادية ومجرمة فى المطلق لم نفهم دوافعها ولا تاريخها الإنسانى وأسباب مسلكها ومنطقها ووجودها وزوالها بالانتحار مع أنها تركيبة شخصية ليست انتحارية، ولو عرجنا على نماذج أبطال المسلسل (الطيبين) نجدها كالشخص شريرة لم تكن إنسانية من لحم ودم وكانت أقرب لتماثيل وشكل وسلوك وحكايا الملائكة تبدى هذا جليًا فى شخصية «غَزَل» ياسمين عبدالعزيز، وكذا «مفاتن» أخت «مينا» التى لعبت دورها الفنانة «إيمان السيد» شخوص بيضاء ناصعة بلا أخطاء ولا خطايا.

اعتمد عمرو محمود ياسين «مؤلف العمل» بين قوسين طبعاً لأن الفكرة التى بُنِىَ عليها المسلسل منقولة من الفيلم الأمريكى الشهير Heat والذى شاهدته جماهير السينما فى العالم أجمع عشرات المرات، بعد إنتاجه عام 1995 للعظيمين «آل باتشينو» و«روبرت دينيرو»، وكتبه وأخرجه «Michael Mann»، وبين مسلسل (اللى ملوش كبير) وقد جسد دورى المجرم والضابط كل من «أحمد سعيد عبدالغنى» فى دور الضابط و«أحمد العوضى» فى دور المجرم، والمسلسل أخرجه «مصطفى فكرى».

التشابه بين الفيلم والمسلسل شديد الوضوح بلا مواربة حتى النهاية الدموية، نهاية الصراع التى تنتهى بمقتل البطل المجرم على يد الضابط فى الحلقة الأخيرة، أما المشاهد الإنسانية غير المعقولة -لا تحدث إلا فى السينما- المشاهد الدالة والموحية بينهما فى الصراع المدرسى القديم بين الشر والخير، بين المجرم والضابط فى المسلسل والتى تمنحك انطباعًا بأنهما صديقان؛ كانت هى نفسها ذات الفكرة الرئيسية التى اعتمدها كاتب سيناريو ومخرج فيلم heat، حيث تبدو اللقاءات المقصودة بين الضابط المجرم قبل ارتكابه الجريمة التى يعلم الضابط كل تفاصيلها وبحذافيرها، فيقوم بتحذير المجرم كىّ يجنبه الصراع أو القتل أو السجن ويطلب منه التوبة وألا يفعلها، ثم يجلسان ويتحدثان كصديقين لكن ندّين ونقيضين، حيث كل منهما ينتصر لمهنته ولأقداره.

بعيدًا عن كل ذلك، بعيدًا عن النص المنقول وعن العنف والدم الذى صبغ الشاشة 30 حلقة، بعيداً عن القتل أبو بلاش، كانت الناس فى شوق لرؤية حبيب ياسمين عبدالعزيز فى الواقع وفى الدراما معًا، وجاء أحمد العوضى «البطل» فى الواقع وفى الدراما معًا لينتشل ياسمين من أحزانها ومن قسوة خيانة زوجها فى الواقع وفى المسلسل، واكتشف المشاهد أن علاقتهما (الحلوة) لم تكن رد فعل لطلاق ياسمين من زوجها الذى تزوج زميلة ممثلة، بالعكس كانت قصة الحب بين النجمة الكبيرة ياسمين عبدالعزيز والممثل الصاعد الموهوب جدًا أحمد العوضى قصة كبيرة وصادقة وجميلة وحقيقية فى الواقع وفى الدراما، كان المشاهد يتطلع لمشاهدهما الرومانسية معًا أن يتابع تفاصيل من حياة ودراما قصة الحب والزواج والفقد، القصة التى بدت وكأنهما لا يبذلان مجهودًا فى تمثيلها، فرغم تألقهما وسطوعهما البادى كانا وكأنهما لا يمثلان.

ثمة سبب آخر يمكن احتسابه لصالح المسلسل وهو الشكل الإنسانى المصرى القديم والأصيل والجميل الذى تبدى فى علاقة «خديوى» مع «مينا» و«مفاتن» مع «غزل»، العلاقة الصحيحة والصحية بين المواطن المسيحى والمواطن المسلم، والتى خانها المسلم فى المسلسل.. «مينا» وأخته «مفاتن» يجسدان فى العمل كل قيم التسامح والحب والإخلاص والوفاء، لكن «مينا» كان صالحاً وكان مجرماً، هكذا فى المطلق وفى ذات الوقت! كان هو الذراع اليمنى لسيف الخديوى، إلا أنه كان هو الأكثر إخلاصًا ووفاءً وتسامحًا، يجسد كل من مينا ومفاتن فكرة المواطنة، فى كل ما تبدو عليه وتؤكده العلاقات المصرية الأصيلة، وكان مشهد قتل الخديوى لـ«مينا» هو أصعب المشاهد لأنها تذكرنا بمشاهد حقيقية مثيلة ومكررة عبر السنين تحدث بكثرة فى صعيد مصر منذ سبعينيات القرن الماضى ولم تتوقف، وتبقى رمزيتها ودلالتها واضحة، لولا هذا الخط الدرامى لكان الفيلم الأمريكى والمسلسل المصرى مجرد دراما نقل مسطرة، فوتو كوبى، كربون، وهكذا أيضًا لولا علاقة غزل والخديوى، ولولا علاقة الخديوى ومينا لكان هناك كلام آخر.