الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
عكس الاتجاه.. أهل الكهف والكوفيد

عكس الاتجاه.. أهل الكهف والكوفيد

الذين سمعوا الحكاية لم يختلفوا فى تسميتها بحكاية (أهل الكهف والكوفيد) حكاية الخمسة عشر مواطنا فرنسيا الذين عُزِلوا - فى تجربة معملية فريدة لمدة 40 يوما - داخل كهف سحيق بأحد جبال بجنوب غرب فرنسا فى ظروف حياة بدائية تشبه ما عاشه الجدود الأوائل ببداية التكوين، حتى إنهم قد نسوا الزمن ولكن الزمن لم ينسهم، وتم إخراجهم بعد الأربعين يوما إلى الحياة الطبيعية، وكان ثُلُثُهم قد تمنوا المكوث لمدة أطول وقد تكيفوا على الوحدة والظلام والبرودة وعلى قطع جميع الاتصالات مع العالم خارجهم وعلى العيش مع قلة الكلأ والعزلة أو الوحدة والصمت ومع سقوط الوقت / غياب الزمن تديجيًا وزواله نهائيا من الذاكرة حتى إنهم لم يعرفوا كم ليلة عاشوها.



لقد أراد العلماء الذين أجروا التجربة أن يختبروا حال ما سوف تكون عليه البشرية بعد غزو كورونا للكون بتلك الوحشية فى إعيائنا وقتلنا، وانتهوا إلى أننا سوف نعيش فرادى داخل بيوتنا كأهل الكهف الفرنسى أو سوف نفر فرادى إلى كهوف الجبال المحيطة بنا خائفين أو آمنين.

أظن أننا سنصبح آية، أو ستتحقق فينا الآيات.

وربما يكون ما قد أعطى التجربة قدسيتها هو تزامنها الملفت والغريب ودون اتفاق كونى مع ما يحدث فى الهند الآن من تسونامى وبائى ومحارق جماعية لآلاف الموتى ودخان الحريق يملأ السموات ودموع ذويهم تملأ الأنهر والبحار، حيث تحوّر الوباء وتفشى الموت بكورونا بطريقة غير مسبوقة لم تحدث فى أى بلد آخر خلال العام والنصف من عمر كوفيد19على الكوكب

كان الوقت هو النتيجة المُربِكة فى التجربة كلها، فقد أجمع الخمسة عشر رجلًا وامرأة أنهم آووا فى كهفهم ثلاثين يوما وليس أربعين كما حدد العلماء لهم، وأنهم كانوا يعدون ويحصون الوقت والأيام بعدد مرات نومهم وصحوهم فلم تكن معهم ساعات يد ولا حائط ولا موبايلات ولا راديو وتليفزيون ولا أىّ حاسب للوقت، لقد سقط الزمن تماما.

المتطوعون الخمسة عشر لم يكونوا رجالا فقط كحال أهل الكهف والرقيم ولا كحال «العُزيْر» الوحيد، بل كانوا سبع نساء وثمانية رجال وكان الكهف Lombrives cave بأحد جبال جنوب غرب فرنسا وتراوحت أعمارهم ما بين 27 و50 عامًا، وكانوا فى ظروف حياتية دنيا أو بدائية وجرّبوا البساطة وشظف العيش وكانوا فى طقس قاسٍ حيث درجة الحرارة أقل من عشرة والرطوبة شديدة الارتفاع، يرى العلماء أنها تجربة ستساعدهم فى التكيف مع ظروف جذرية طارئة ربما سيحياها الكون كله وربما كان قريبًا.

وكان العالِم «Christian Clot» هو مدير المشروع وصاحب التجربة المعملية قد جعل الـ40 متطوعا يبتلعون 40 كبسولة متصلة بجهاز كمبيوتر يرصد التغيرات الطارئة على العقل والجسد داخل الكهف.

أظن أن «كريستيان كلوت» ومساعدوه الفرنسيون قد خلصوا إلى أن البشر قادرون على التأقلم والاستسلام لتغيير نمط وشكل حياتهم لو جدّ جديد فى الكون، وأن الوقت والتوقيت سيسقط منهم ومنا وأن العالم لن يكون سريعًا متسارعا على هذا النحو الذى سبق مجيء السيد المتوحش كوفيد 19.

هذه التجربة ليست بعيدة عن حال البشر بشكل عام وقد عاشتها شعوب كثيرة فى بدايات اكتشاف القارات والأماكن النائية، وفى كوارث الفقد عند سقوط الطائرات حيث بعض ركابها أحياء كانوا لا يزالون وقد سقطوا فى غابات أو جبال وهى التجربة التى استغلتها السينما فى أفلام كثيرة، وهى تجربة يحياها الكثير من المساجين فى السجون القاسية فى أربعة أرجاء الدنيا، وهى تجربة الوحدة والوحشة والفقد والعزلة التى يحياها الكثيرون حتى وهم يعيشون حياة شديدة المدنية ومليئة بالبشر وترتع فى جميع مظاهر البذخ.