
محمد جمال الدين
عن الزيادة السكانية.. مطلوب خطاب دينى جديد
مؤكد أن مواجهة الزيادة السكانية أصبحت ضرورة ملحة باعتبارها قضية مصيرية للمجتمع المصرى، لما فيها من تأثير رهيب على موارد ومسيرة النمو فى الدولة.. ومن المؤكد أيضًا أن المؤسسة الدينية لها دور كبير فى هذا الشأن، بعد أن أثبتت الدراسات والأبحاث أن عدم مواجهة الفهم الخاطئ للدين بدرجة فعالة، ساهم ولو بدون قصد فى استفحال هذه المشكلة، بعد أن تمكن المدعون وشيوخ التيار السلفى ومن على شاكلتهم من بث أفكار وفتاوى مغلوطة تدعو إلى زيادة النسل، استنادًا على تفسير غير صحيح لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «تناكحوا تناسلوا تكثروا فإنى مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة»، حيث تغافل هؤلاء عن قصد وتعمد زمن وظروف وسبب قول الرسول، حيث كان عدد المسلمين وقتها قليلًا عكس الآن الذى تخطينا فيه المليارات، وبسبب هذه التفسيرات الخاطئة يأتى دور المؤسسة الدينية فى مواجهة هذا الفكر السلفى الذى يأخذ بالشكل دون النظر إلى الجوهر، ولم يقدر يومًا ظروف البلد الذى يعانى من البطالة والأمية وزيادة السكان التى تعد من أخطر معوقات التنمية الاقتصادية فى مصر.
وهذا ما فطن له الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية حين قال: إن تحديد النسل جائز شرعًا، وأنه يجوز للزوجين أن يلتمسا وسيلة من الوسائل المشروعة لتنظيم عملية الإنجاب بصورة تناسب ظروفهما، وأكد أن رأى الدين يدعو دائمًا للتوازن بين عدد السكان وتحقيق التنمية، حتى لا تؤدى كثرة السكان إلى الفقر، وأضاف المفتى أن دار الإفتاء استقرت فى فتواها على أن تنظيم الأسرة من الأمور المشروعة والجائزة شرعًا، وهذه المنظومة التى نسير عليها متسقة مع منظومة التشريعات المصرية، كما أن الإسلام يدعو للغنى وليس الفقر ويدعو للارتقاء بالمجتمع والأسرة، ولفت إلى أن إضاعة المرء لمن يعول ليس فقط بعدم الإنفاق المادى، بل يكون أيضًا بالإهمال فى التربية الخلقية والدينية والاجتماعية، فالواجب على الآباء أن يحسنوا تربية أبنائهم دينيًا وجسميًا وعلميًا وخلقيًا، ويوفروا لهم ما هم فى حاجة إليه من عناية مادية ومعنوية، مشيرًا إلى أن تنظيم النسل لا تأباه نصوص الشريعة وقواعدها قياسًا على «العزل» الذى كان معمولًا به فى عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، حيث يجوز للزوجين أن يلتمسا وسيلة من الوسائل المشروعة لتنظيم عملية الإنجاب بصورة مؤقتة إلى أن تتهيأ لهما الظروف المناسبة لاستقبال مولود جديد يتربى فى ظروف ملائمة لإخراج الذرية الطيبة التى تقرّ بها أعين الأبوين، ويتقدم بها المجتمع، وتفخر بها أمة الإسلام ، بالطبع هذا الفخر يختلف كليًا وجزئيًا عن المباهاة والفخر الذى يحاول المشايخ إياهم أن يقنعونا به حتى كاد الأمر أن يتحول إلى مبارزة، فمن ينجب أكثر له الأفضلية عند الله ورسوله، فخر النوم أعلى وأسفل الكبارى، فخر أبناء معتلين صحيًا واجتماعيًا وبالتبعية مشردين وجاهلين تعليميًا وثقافيًا، وبطالة وتفكك أسرى نتيجة لخطابهم وفهمهم الدينى الذى لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يتسم بالرشد فى هذا العصر، لأنه فى النهاية فخر يأتى من مدعين وأشباه مشايخ يأخذون بالشكل دون النظر لمستجدات العصر.
وهذا ما أكده أيضًا الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف حين صرح بأن الزيادة السكانية غير المنضبطة لا ينعكس أثرها على الفرد أو الأسرة فحسب، بل قد تشكل ضررًا بالغًا للدول التى لا تأخذ بأسباب العلم فى معالجة قضاياها السكانية، وأن موضوع تنظيم النسل والعملية الإنجابية قد لا يقف عند حدود الحل فحسب، إنما قد يتجاوز هذا الحل إلى حالة الضرورة التى لا بد ولا مفر منها، لأن الكثرة إما أن تكون كثرة قوية منتجة متقدمة يمكن أن نباهى بها الأمم فى الدنيا، وأن يباهى نبينا (صلى الله عليه وسلم) بها الأمم يوم القيامة فتكون كثرة نافعة مطلوبة، وإما أن تكون كثرة كغثاء السيل عالة على غيرها جاهلة متخلفة فى ذيل الأمم فهى والعدم سواء، مشيرًا إلى أن القدرة ليست القدرة المادية فقط، إنما المادية والتربوية وما يشمل كل جوانب العناية والرعاية، وليست القدرة الفردية فقط، إنما هو أمر يتجاوز قدرات الأفراد إلى إمكانات الدول فى توفير الخدمات التى لا يمكن أن يوفرها آحاد الأفراد بأنفسهم لأنفسهم.. ومن هنا كان حال وإمكانات الدول أحد أهم العوامل التى يجب أن توضع فى الحسبان فى كل جوانب العملية السكانية، بعيدًا عن المفاهيم الخاطئة التى حاول البعض وصمنا بها فى شأن التكاثر والتناسل للتفاخر بين الأمم، وأعتقد جازمًا أن تلك المعالجة تدخل فى صميم تجديد وتصويب الخطاب الدينى وتصحيح مساره حتى يتماشى مع خطط التنمية التى تسعى الدولة لتحقيقها، وهذا هو الدور المتوقع من جميع أجهزة ومؤسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسسة الدينية بما لها من تأثير وحكمة وبفضل علمائها المستنيرين من نشر التوعية الدينية الصحيحة، والتى من المؤكد سيأخذ بها المواطن المصرى الذى يأتى الدين فى مقدمة أولوياته.