الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
عكس الاتجاه: كلام عن قَلبِهِ الحَجَر

عكس الاتجاه: كلام عن قَلبِهِ الحَجَر

هل قفزت بريطانيا وأمريكا من مَركب «كورونا» وحدهما وتركتا سكان العالم فى السفينة المعطوبة يصارعون مصيرَهم؟ هل نجتا بالفعل حين أعلن البَلدان فى يوم واحد بالأسبوع الماضى فجأةً وبلا مُقدمات مُقنعة ولا تحذيرات للذين لايزالون فى المركب المعطوبة بأنهما عازمتان على إنهاء الإغلاق والحَجْر والتباعُد الفسيولوجى وعودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل «كورونا»؟ هكذا بهذه السهولة وكأنهما قررتا الذهاب إلى حفل ديسكو أو عزومة عَشا!! وماذا عن كل هذا الدمار الذى تركه الوباءُ خلفَه فى كل بلاد الدنيا ولم يستثنِ البلدَيْن؟ الوباء الذى كشف و(فَتَّشَ) وأظهَر حجمَ البلدَيْن العُظميين الحقيقى: مؤسّسات صحية مهترئة، تضخُّم، ديون، بطالة،ارتفاع نسبة المشردين بلا مأوَى فى الشوارع وهم الفئة الأكثر حَمْلاً للفيروس فى كل الفئات، ناهيك عن ثورة السُّود فى أمريكا.



هل اختفى الوباءُ من البلدَيْن؟ هل جاء «كورونا» كما ذهب وكأن شيئًا لم يكن؟

تقول الأرقام بأن أمريكا تليها بريطانيا - ودولًا أخرى- الأعلى مرضًا وموتًا لا يزالان. 

ثمة إجابة فورية جاهزة تتردد وتحكى عن الريح وما أخذته من البلاط، يعنى خَسرانة خَسرانة، يعنى أنهما لن تخسرا بالفتح أكثر مما خسرتاه بالـ shutdown، بل ربما تنقذان ما يمكنهما إنقاذه. ولا تنسَ أن البلدَيْن تصارعان الزمنَ فى الانتهاء من تصنيع وشراء أمصال وتلقيح مواطنيهما قبل منتصف العام.

كما أنه سلوك القوَى العظمَى، البلاد الاستعمارية التى تحاسب الآخرين عمّا يقترفونه وعمّا لا يقترفونه، ولا يسائلها أحد!

فبريطانيا الخارجة توّاً عن الاتحاد الأوروبى، وأمريكا الخارجة- طول عمرها- عن الشرع الدولى تفعلان ما يحلو لهما، البلدان العُظميان الأكثر وباءً فى العالم وموتًا بالكورونا ها هما تضربان عرض الحائط والأرض والسماء وتستعيدان الروحَ التى غابت عامًا ونصف العام.

ويعاود السؤال حيرته ويكرر نفسَه من جديد: كيف حال «كورونا» الآن؟ وماذا عَنّا؟ سكان الكوكب المنكوب؟ 

ثمّة حكايات ثلاثة مروِعات حدثت فى ذات الأسبوع الذى قرر فيه البَلدان إنهاءَ الإغلاق، حكايا من الهند واليابان وأمريكا تروى جميعهم القصة- قصتنا- بأمانة بالغة:

1 - الحكاية الأولى والأكثر ترويعًا جاءت من الهند: عن مُشَرد، لا يعرف اسمه أحد، مجرد رجُل خمسينى ينام لياليه وحده فى حديقة اسمها Goa، وجدوه ميتًا، وفى المشرحة اكتشفوا أنه مات بعد أن تحوَّل قلبُه من نسيج إلى حَجَر له نفس شكل وخواص الحجارة، كان وزن القلب الحجرى ثقيلاً للغاية، مما أوقع الأطباء فى حيرة: فقد كانت هى الحالة الأكثر ندرة وغرابة فى العالم تلك التى أحدثها «كورونا»، «كورونا» الذى ترك العالمَ الثالث ما بين عاطل وجائع ومشرد قلبه حَجَر متكلس، الحالة التى أطلق عليها الأطباءُ هناك فى الهند مسمى  Endomyocardial Fibrosis 

كنا نحكى كثيرًا عن القلب الحَجَر حتى عرفناه.

2 - الحكاية الثانية ترسلها اليابان إلى العالم أجمع، ترسل إنذارًا على يد مَلاك الموت، الموت بالانتحار بفعل «كورونا»، ونعرف من قديم الزمان وسالف العصر والأوان بأن اليابان تحظى بالصدارة فى نسبة المنتحرين، لكن ما حدث فى عام الوباء قد فاق التوقعات ليس فقط فى تلك النسبة التى زادت 70 % عنها منذ عشر سنوات؛ بل لأن النساء استحوزن على كامل النسبة بينما ظلت أعداد الرجال المنتحرين بسبب «كورونا» منخفضة جدّا، كان «كورونا» أكثر وطأة على النساء اللواتى فقدن أعمالهن ومكثن فى البيوت مُجبرات ما بين الوحدة وما بين قسوة الأزواج وما بين الاعتداءات الجنسية من الأب أو الأخ وما بين الفقر والجوع والديون المتراكمة، فآثرن الانتحارَ، كل فتاة كانت تترك خلفها رسالة من كلمتين: كنت وحيدةً ومتألمة.

3 - الحكاية الثالثة من أمريكا، وأظنها هى وشبيهاتها كانت سببًا لإنهاء الإغلاق وليست مظهرًا لانتهاء «كورونا»، وهى حكاية سائق أوبر الذى شوهد فى فيديو بكل وسائل التواصل الاجتماعى وهو يبكى ويتضرع لأحد زبائنه أن يترك له بقشيشًا، فهو فقير معدم ولا يجد قوتًا، الرجل الذى صار بهذا الفيديو أحد مشاهير العالم، الفيديو الذى حصد ملايين المشاهدات على منصة «تيك توك» اسمه «إليوت»، إليوت يستخدم سيارة أوبر فى نقل الطعام من الشركات المتبرعة إلى المشردين فى الحدائق وتحت الكبارى وعَتَبات المولات فى أربعة أرجاء أمريكا.. المشردون الذين تضاعفت نسبتهم جرّاء الوباء، قال السائق «إليوت» وهو يبكى متضرعًا للزبون الفقير أنه جائع مثله ولم يحصل حتى على علبة طعام كتلك التى يوصلها إليه كل يوم؛ بل يدفع من جيبه ثمَن «ركنة العربية» وثمَن بنزينها ولا يجد عملًا آخر يقتات منه، والناس فى الإغلاق لا يستخدمون أوبر ولا حتى المترو.

انتهت الحكايات الثلاثة، لكن السؤال يعاود طرحَ نفسه من جديد: هل انتهت «كورونا»، أمْ أنه وجب على العالم أن يوقفها عند هذا الحد؟