الخميس 24 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
فن «حلال» وفن «حرام»

فن «حلال» وفن «حرام»

لعل أكثر ما يثير الدهشة والسخط والغيظ هو أن يجرك البعض لمناقشة بديهيات مستقرة ومعروفة ومحسومة.. ولم تعد تحتاج إلى جدل أو نقاش.. أو تؤدى إلى خلاف سواء فى مجال الفكر والثقافة والفنون أو فى قضايا اجتماعية أو سياسية.. لكننا للأسف أصبحنا منذ سنوات نتحرك داخل دائرة جهنمية تدفعنا عنوة.. بل تجرنا إلى لغو وهراء يتمخض عن معارك محتدمة بين أطراف مختلفة (مع) أو (ضد) بعض هذه البديهيات الممثل «يوسف الشريف» ومؤيديه وبين المستنكرين والرافضين من الفنانين والمثقفين والمفكرين.. بل والعامة من الناس.



 

وتصريحات الممثل تنحصر فى تصوراته وقناعاته الشخصية التى يسعى إلى فرضها وتكريسها ودعمها لتصبح نبراسًا وترسيخًا للشروط التى يجب توافرها فى العمل الفنى الدرامى سواء فى الأفلام السينمائية أو المسلسلات التليفزيونية.. وتتمثل تلك الشروط فى التباعد وعدم الملامسة بين الممثل والممثلة أو العناق أو القبلات (أو ما هو أكثر من ذلك بالطبع) والالتزام بالضوابط الأخلاقية أو «مكارم الأخلاق» وثوابت الفضيلة التى تبكى وتنتحب من جراء تفشى الانحلال وشيوع الرذيلة وانتشار العرى والفسق.. ويفخر بأن هذه الشروط يفرضها على المنتج والمخرج.. وبالطبع الممثلات اللاتى يشاركنه فى المشاهد التى يؤديها.

 

أول البديهيات أن الفنون عامة، كل الفنون بما فيها الفنون الدرامية، لا تخضع لثوابت الأخلاق المرعية لأن خطابها خطاب جمالى.. ومن ثم تنتمى إلى علم وفلسفة الجمال.. ولا تستند فى رسالتها إلى الفضائل والقيم الأخلاقية.. وبالتالى ليس هناك فن «فاضل» وفن «مارق» أو فيلم مؤمن وفيلم كافر أو مسلسل «معقم» ومسلسل «فاضح» أو قصيدة «حرام» وأخرى «حلال» أو رواية «مؤدبة» ورواية «ناقصة تربية» أو قصة «شريفة» وقصة «فاسدة» ولو كان الأمر كذلك لحطمنا التماثيل العارية وحرقنا مسرحيات «شكسبير» الذى يغلب عليها الانتصار للأشرار على الأخيار.. وروايات «دستوفيسكى» وقصص «تشيكوف» وكتب «ألبير كامى» و«سارتر» وأعمال «نجيب محفوظ» و«يوسف إدريس» وكل إبداعات التراث الإنسانى.

 

البديهية الثانية تكمن فى ذلك الخلط الشائن بين الشخصية الدرامية التى يجسدها الفنان فى العمل الفنى.. وبين قناعاته الشخصية وارائه الرجعية فى واقعه.. فالشخصية الدرامية فى ابعادها النفسية والاجتماعية تمثل انماطًا مختلفة من البشر شريرة وطيبة.. طامعة وزاهدة.. قوية وضعيفة.. خبيثة وساذجة.. سوية أو معتلة النفس.. وهكذا.. بديهى ألا تكون كلها مثالًا للتقوى والإيمان والصلاح.

 

لعل ذلك يذكرنا بمحاولات التيار الدينى فى سنة حكم الإخوان بسعيه تحت قبة البرلمان لوأد حرية الابداع واعلان الحرب المقدسة على الفنون الملعونة من خلال الترويج لمقولة أن الفنون حلالها حلال وحرامها حرام.. أى أن ما يحدث فى الواقع المعاش لابد وأن تلتزم الفنون بتطبيقه فيما يتصل بالنواهى الدينية وهى مقولة تسطح مفهوم الفن وتشوهه.. فهناك فن جيد وفن ردىء.. راق ومبتذل.. عميق وتافه.. ولكن ليس هناك فن «حلال» وفن «حرام».. المهم أن التيار الدينى شكل لجنة دينية لتقوم بدور الرقابة على الاعمال الدرامية التى تعرضها الشاشات التليفزيونية، سواء الرسمية أو الخاصة والتوصية بحذف كل المشاهد التى يرونها – من وجهة نظرهم – غير مناسبة – لتكريس مبادئ الأخلاق السامية.. وشيوع الفضيلة فى ربوع «يوتوبيا» الأرض الطيبة.. وتمخض عمل اللجنة الطاهرة لتخليص الدراما من الدنس والفاحشة عن تقديم مشروع قانون يقضى بتحريم عرض تلك المشاهد فى جميع وسائل الإعلام وتوقيع عقوبات رادعة على من يخالف ذلك.. تصل إلى وقف ترخيص القنوات وحبس مالك القناة.. بالإضافة إلى غرامة مالية ضخمة وبناء عليه فقد انتشرت الأخبار عن نية التليفزيون فى القيام باعادة مراقبة أفلام الستينيات والسبعينات وحذف المشاهد الساخنة منها مثل مشاهد رقص لـ«نجوى فؤاد» و«تحية كاريوكا» و«سامية جمال».. وحذف مشهد قبلة عبدالحليم ونادية لطفى فى «الخطايا».. وقبلاته لها فى فيلم «أبى فوق الشجرة» التى سجلت رقمًا قياسيًا فى عددها.. وبالتالى فالاولى حذف الفيلم كله من الوجود.

 

لقد سعت ثورة 30 يونيو إلى تحرير الإرادة المصرية بازالة القيود على حرية الفكر والتعبير والتصدى إلى التيارات التى تسعى إلى إطفاء شموع الفنون وإشاعة مناخ من التشدد والتزمت والقتامة والدعوة إلى تعقيم الدراما التليفزيونية.. وإذا كان الأمر كذلك فكيف تظهر بين الحين والآخر من أهل الفن أنفسهم مثل تلك الدعوات المتراجعة حضاريًا؟!