
عاطف بشاى
الانتصار بالضحك
إذا كنا شعب التناقضات.. حيث نعانى من الازدواجية فى الأفكار والمعتقدات والأفعال والسلوكيات.. ويتزاوج لدينا المعقول باللامعقول والجدية بالهزل.. والفرح بالأسى واللذة بالألم.. والصدق بالزيف.. والحزن بالضحك.. فالحقيقة أن عنصر المفارقة فى رأى الفلاسفة والعلماء منذ «أفلاطون» و«سقراط» و«فرويد» و«أرسطو» و«برجون» و«شوبنهاور» و«نيتشه» هى روح الوجود.. ومن ثم إذا كانت الفكاهة والسخرية والتهكم والكوميديا وفنون الإضحاك تعتمد اعتماداً كبيراً على المفارقة فإن جذورها تمتد فى أعماق النفس البشرية والنشاط الإنسانى منذ فجر التاريخ وحتى الآن.
وإذا تناولنا المفارقة والتى نلمسها من خلال أحوال المصريين باعتبارهم مثالاً واضحاً وبارزاً وساطعاً كشعب ضاحك وحزين فى نفس الوقت، حيث تتزاوج لديه انفعالات الضحك بالبكاء.. فإنه مما يسترعى الانتباه ويستوجب التحليل والدراسة والتأمل – ولنتخذ من وسائل التواصل الاجتماعى معياراً للقياس – فإنه يمكننا أن نلمح تلك الازدواجية فى التعليقات والآراء وسرد الحقائق البشعة والمفزعة واليائسة التى تغطى مساحات شاسعة من صفحات الفيسبوك.. تصدرها معلومات صادمة عن ازدياد حالات الاصابة بفيروس كورونا وتكاثر أعداد الوفيات وعدم القدرة على السيطرة على تفشى الوباء.. وأخبار تعسة ومؤلمة عن الحالات فى الحجر الصحى.. وصور فوتوغرافية مؤثرة ومؤلمة منشورة للفنانة الكبيرة «رجاء الجداوى» وهى تصارع الجائحة.. ولا أحد يدرى الدافع النفسى المريض الذى يدعو أحداً إلى نشر تلك الصورة الموجعة.. فهل يعتقد هذا الذى قام بتصويرها إنه سبق صحفى سوف يحقق له مجداً مأمولاً.
والحقيقة أن تصدير الفزع الإنسانى من الآثار المدمرة «للفيروس» من المؤسف أنه شمل الكثيرين – أو فلنقل أنه يبدأ من تصريحات المسئولين .. فقد أعلن مؤخراً وزير التعليم العالى أن حالات الإصابة بالفيروس من المتوقع أن تصل إلى 100 ألف حالة ونسبة الوفاة إلى 680، مما دعا د. خليل فاضل الطبيب النفسى إلى التصريح أن اصطياد الأخبار والأفكار والتوقعات السلبية والمتشائمة من شأنها أن تعكر كيمياء المخ العصبية بسبب حالات الاكتئاب الناتجة عن الفزع من الإصابة بـ«كورونا»، حيث تتسبب فى شيوع مزاج سوداوى، مما يؤدى إلى تدمير الجهاز المناعى الذى يتأثر تأثراً كبيراً ومباشراً بالجهاز النفسى.
على الجانب الآخر من المفارقة فى المعنى وفى السلوك الإنسانى يبرز الضحك والنكتة والسخرية والتهكم والفكاهة التى تنبع من إدراكنا لنوعين من المشاعر المتضاربة أو المتصارعة أو المتنافرة، حيث نلاحظ سيولاً متدفقة من النكات والقفشات والممازحات والطرائف على صفحات التواصل الاجتماعى متصلة بالجائحة الملعونة فمثلاً يستعير واحد من الظرفاء لقطة من فيلم «بين القصرين» المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ تصور السيد أحمد عبد الجواد جالساً فى منزله يصيح فى زوجته «أمينة» قانطاً متذمراً ساخطاً طالباً منها فنجاناً ثانياً من القهوة.. مردداً: هاتيلى زفت..
فتعاتبه: ماكفاياك زفت يا سى السيد.
والمعنى واضح يتصل بتضرره من المكوث رغم أنفه فى المنزل بسبب حظر التجول المفروض فى الماضى بسبب المظاهرات ويسقطه على الحاضر بسبب «الكورونا».. وهو الذى تعود على السهرات الماجنة مع العوالم والراقصات.. وتنشأ المفارقة الضاحكة هنا نتيجة التناقض المفاجئ بين ما كان عليه الحال فى الماضى القريب وبين الواقع الجديد الذى فرض نفسه فى الحاضر.
والضحك والسخرية من الكوارث ليس شيئاً غريباً.. وتفسيره النفسى واضح.. فالمضحك يشعر دائماً أنه بسخريته وتهكمه أقوى من موضوع السخرية.. سواء كان ممثلاً فى أشخاص أو قيمة أو معنى.. لأن الضحك سلاح يسعى من خلاله أن ينتصر على خصومه ويتخلص منهم.. ويمثل أسلوباً للمواجهة يستعين به الإنسان ضد الأزمات والمصائب.
وإذا كان الضحك ينشأ نتيجة الشعور بالتفوق المعنوى إزاء الآخرين الذين يتصاغرون فى مواجهته بفعل العدوان التهكمى.. فلا بأس أن يتصور المضحك أنه قادر على الانتصار ضد أحداث مفاجئة قدرية تحدد مصيره.