
عاطف بشاى
«الكورونا» بين السعادة والتعاسة
تجتاح فوضى التعليقات وردود الأفعال المختلفة التى تحتشد بها صفحات التواصل الاجتماعى المتصلة بوباء «كورونا» والتى تتباين وتتداخل وتتناقض وتتفاعل فى صخب وتشابك وجلبة.. تختلط فيها الآراء والتكهنات بحقائق وادعاءات.. ونبرات تشاؤمية بأخرى ساخرة.. وأنباء مزعجة وصادمة فى مقابل تصورات هلامية أو هلاوس تشى بغيبيات مسيطرة.. وأدعية متبتلة وتسليماً بالقدر والمكتوب فى مواجهة حقائق علمية يقينية أو غير مؤكدة.. أقول إن تلك الفوضى «الفسبوكية» تحتاج إلى دراسات نفسية واجتماعية يقوم بها علماء النفس والاجتماع لرصد أحوال الناس وكشف نزعاتهم وأغوارهم واختلاف مشاعرهم ودخائل نفوسهم وغموض ما تنطوى عليه سرائرهم.. وتحليل واستنباط واستقراء طبائعهم ودراسة لمؤشرات واتجاهات أفكارهم.. على أنه – من باب الاجتهاد البحت – أعتقد أن هناك سمتين يمكن تصنيفهما وسط هذه الفوضى يمثلان اتجاهين واضحين فى السلوك الاجتماعى والنفسى يبرزان بجلاء.. ويقودنا إليهما إعادة قراءة الكتاب الشهير للفيلسوف «برتراند راسل» (انتصار السعادة) والذى ينقسم إلى جزءين هما: مسببات التعاسة ومسببات السعادة.. وترشدنا عبارة حاسمة تحت عنوان «الإنسان السعيد» يؤكد فيها راسل أن الشخص غير السعيد – كقاعدة عامة – يتبنى عقيدة غير سعيدة.. والشخص السعيد يتبنى عقيدة سعيدة.. وكل منهما يرجع سعادته أو تعاسته إلى معتقداته.. بينما يكون السبب الحقيقى هو عكس ذلك.
لو طبقنا ذلك على ردود الأفعال للجزء الأول وهو «مسببات التعاسة» يتضح ذلك من خلال التعليقات والأنباء عن تزايد حالات الإصابة بالفيروس.. ورصد يومى لعدد الوفيات فى مصر بل فى جميع أنحاء العالم .. وتشييع جثامين شهداء «الكورونا» وغلق محكمة بعد ظهور حالة إصابة.. وهكذا.. وهى حالة تؤدى إلى التوتر العنيف والقلق البالغ والاكتئاب.. ويصدر صاحبها طاقة سلبية لنفسه وللآخرين.. فينعكس ذلك على حياته بكل تفاصيلها تعاسة مؤكدة وفزعاً مقيماً.. وتتداعى فى المخيلة صور كابوسية تتصل بالموت.. بل بفناء البشرية كلها.
على النقيض من ذلك، فإن الذين يأخذون بأسباب السعادة تتجه كتابتهم وآرائهم وتعليقاتهم ومحاوراتهم على الفيس بوك إما إلى الكتابات المتفائلة عن ثمة آمال قريبة عن بروتوكولات العلاج الجديدة للفيروس.. وحجز مصر لدفعة أولى من دواء «ريميسيفر» الذى تم اعتماده من منظمة الغذاء والدواء الأمريكية وأنه جار استخدام بلازما المتعافين لعلاج المصابين بالفيروس.. وتشمل مناقشتهم طرق زيادة المناعة للوقاية من الأعراض والسيطرة على الوضع عن طريق استخدام الحية السوداء والليمون والعسل الأبيض والشاى الأخضر والخضار والفاكهة.. والمعادن والملح الرشيدى.. والفيتامينات والتعرض للشمس وممارسة الرياضة.. وبينهم من يعارضون توقف الحياه مثلما ينادى بعض المتخصصين فى الشأن الصحى بضرورة الاتجاه إلى الحظر الكامل فى الفترة القادمة للحد من زيادة حالات الإصابة بالمرض.. وتعتبر د.دينا عبدالكريم – فى مقالها الأخير بالمصرى اليوم – والتى أعتبرها من المنضمين إلى أسباب السعادة – أن ذلك بمثابة أن نقول للشمس خذى إجازة من الدوران .. أو للكواكب اهدئى قليلاً فنحن فى حالة حظر.. وأن هناك تبريرا نفسيا لحالة التمرد على الحظر والسخرية منها.. فالملل من انتظار الخطر جعل الناس يواجهونه بالحياة وتجاهل التردى فى دوامة أن نتنفس فى كل لحظة مشاعر الخوف والفزع والكآبة.
أما اتخاذ موقف السخرية من الفيروس.. هذا الموقف الذى يثير الكثير من التعليقات الضاحكة.. فإن معظمه يحمل روح الشعب المصرى الساخرة عبر تاريخه فى مواجهة الكوارث.. وقديماً كسلاح لمقاومة الطغاة والمستعمرين.. وهو نوع من الاستعلاء على الحزن والكآبة والتعاسة الإنسانية بالضحك.