
محمد جمال الدين
ثقافة المنع.. ليست حلًا!!
فى ظل ثورة المعلومات التى تميز عالمنا الآن، لم يعد من المجدى أو المستحب أن نعتمد ثقافة قائمة فقط على افعل هذا ولا تفعل ذاك، خصوصًا فى هذا العصر الذى أصبح فيه جل شيء فى متناول اليد، فتربية أولادنا والحفاظ على قيم المجتمع ونواهيه وذوقه، لم ولن تجد آذانًا صاغية إذا اعتمدنا مبدأ المنع، الذى أعتبره من وجهة نظرى أسهل الحلول لمواجهة أى عقبة، رغم أن التوعية والتنوير والبحث عن الإيجابيات وتوضيح السلبيات، واعتماد التوصية لا الوصاية أفضل بكثير، ولكنها تتطلب جهدًا وإقناعًا، فالمنع هنا مجرد إجراء وقائى لا يسمن ولا يغنى من جوع، وفى غالب الأحيان لا يخدم سوى من تم إجراء المنع فى حقهم.
أقول هذا بمناسبة قرار منع من يطلق عليهم مطربو المهرجانات الصادر من نقابة المهن الموسيقية، حماية للذوق العام، والذى كاد أن يصدر البرلمان قانونًا بشأنه، القرار لقى تأييدًا وكذلك لقى اعتراضًا من قبل البعض، رغم أنه جارٍ تنفيذه بدقة حسب مصادر قيادات نقابة الموسيقيين، ولكن لا نعلم حتى الآن ما هى النتائج المترتبة عليه.. بداية أنا لا أعرف بيكا أو شاكوش أو شطة أو حتى أنتيكا، ولا أسعى لمعرفتهم أو الاستماع إليهم، ولكنى أدافع عن حق من يستمعون إليهم وهم كًُثُر (حسب ما أظهرته الإحصائيات) لأننى على يقين أن زمن الوصاية قد ولى وذهب مع الريح، صحيح أن بعض كلمات أغانى هؤلاء وكذلك أصواتهم وألحانهم لا تعجبنى، ولكنها فى نفس الوقت تعجب آخرين، وكان من الأولى على مسئولى نقابة الموسيقيين، أن يراجعوا مثل هذا المحتوى بجميع عناصره قبل تقديمه للناس، ورفضه فى حالة مخالفته للذوق العام (المفترى عليه)، أو أن تساهم النقابة فى تقديم أعمال هادفة تجذب من خلالها جموع المستمعين لتنافس بها مثل هذه الأعمال، خاصة أن هناك عوالم افتراضية كثيرة الآن وتتزايد يوميًا.
من المؤكد سيلجأ إليها من يستمعون لهؤلاء المطربين، والتى من خلالها سيدخلون جل بيت وحارة، وقتها لن يكون لمثل هذه القرارات التى تعتمد منهج المنع أى تأثير يذكر (طبقا لنظرية الممنوع دائما مرغوب)، وهنا وجب على المتخصصين سواء فى عالم الموسيقى أو الاجتماع أو علم النفس، دراسة الأسباب التى جعلت العديد من أولادنا يستمعون لهؤلاء المطربين وأغانيهم، حتى نستطيع أن نحتوى أولادنا وتوجيههم وإتقان الحوار معهم، حتى يعرفوا الحسن من القبيح، مع ضرورة توفير بدائل عن الممنوعات التى نحاول إقناعهم بالابتعاد عنها، بعيدًا عن أسلوب فرض الوصاية واستعراض القوة الذى تم اتباعه؛ سواء من النقابة أو من قبل بعض المعترضين على مثل هذا النوع من الأغانى؛ حيث كشف مدى التخبط الذى يعانى منه المجتمع الذى يضم قطاعات كبيرة تستمع لبيكا وشطة وعمر وشاكوش وغيرهم ولا يمكن تجاهلهم، وكذلك كشف قرار المنع التخبط الواضح الذى يعيشه مجتمع النقابة صاحبة القرار، التى رفضت عضوية بيكا فى نفس الوقت الذى وافقت على منح العضوية لشاكوش، والأدهى أن نقيب الموسيقيين بذات نفسه (هانى شاكر) تعاون مع عمر كمال وغنى له أغنية من ألحانه.. ولهذا لن يكون قرار المنع حلًا للمشكلة، ولن يمنع انتشار هذا النوع من الغناء، ولكن وضع ضوابط من قبل النقابة المعنية، وقيام الرقابة على المصنفات بدورها سيتم ضبط هذا المحتوى الفنى، بعيدا عن حكاية الذوق العام والحفاظ على تراث مصر الغنائى، التى أكدت أن هناك جهات عديدة فى مصر لا تقوم بأداء واجبها على الوجه الأمثل، على رأسها نقابة المهن الموسيقية وجهاز الرقابة على المصنفات، وإلى حين تحقيق ذلك سيظل الحكم على مثل هذه النوعية من الأغانى للجمهور، صاحب الحق الأصيل فى رفض أو قبول أى عمل يقدم له.