الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
زينب والعرش.. من كوكب تانى

زينب والعرش.. من كوكب تانى


من بين كل مسلسلات التليفزيون التى لا تستهوينى عامة لأسباب لها علاقة بطبيعة التليفزيون نفسه وطبيعة المشاهدة المتقطعة والإيقاع «الواقع» للدراما المصرية عموما، هناك القليل جدا من الأعمال التى استمتعت بمشاهدتها، وعلى استعداد لمشاهدتها مرات أخرى كلما سنحت الفرصة.

على رأس هذه الأعمال مسلسل «زينب والعرش»، ولأسباب كثيرة أحاول هنا أن أوجز بعضها.
 العمل توفر له نص رائع عن عمل أدبى رائع للأديب فتحى غانم، الذى لم ينل للأسف ما يستحقه من تقدير ودراسة، وشارك فى تحويله لمسلسل واحد من أهم الصحفيين المصريين، هو صلاح حافظ، الذى لم يحظ أيضا بما يستحقه من تقدير واعتراف بأفضاله على المهنة، كما توفر له مخرج تليفزيونى متميز، خاصة فى الأعمال المأخوذة عن نصوص أدبية، هو يحيى العلمى، وكتيبة من الممثلين الكبار، على رأسهم محمود مرسى وكمال الشناوى، وبجانبهما حسن يوسف وصلاح قابيل وعبدالمنعم إبراهيم وحسن مصطفى وهدى سلطان، وبطلة العمل سهير رمزى، فى أفضل أدوارها على الإطلاق، سواء فى التليفزيون أو السينما.
والنتيجة دراما شيقة عميقة وفريدة من نوعها، وشخصيات من لحم ودم وأعصاب، من فرط مصداقيتها تكاد تصبح نماذج أساسية لدراما وشخصيات عالم الصحافة فى مصر.
كان فتحى غانم صحفيا فى مؤسسة «روزاليوسف» وعايش فترات تاريخية مهمة من عمر الصحافة المصرية، قبل ثورة يوليو وبعدها، وحتى وفاته فى منتصف التسعينيات، وقد كتب عن كواليس الصحافة فى عدد من أعماله، وخصص لها اثنتين من أهم رواياته هما: «الرجل الذى فقد ظله» و«زينب والعرش»، وتعتبر الأخيرة أهم نص كتب عن هذا العالم، لدقة تصويرها لتاريخ المهنة على مدى ربع قرن، منذ قيام ثورة يوليو وحتى الاستعداد لحرب أكتوبر. وقد قيل أيضا إنها تتناول بعض الشخصيات الحقيقية الشهيرة، وبالتحديد قورنت شخصية عبدالهادى التى أداها محمود مرسى بمصطفى أمين وشخصية دياب التى أداها كمال الشناوى بمحمد حسنين هيكل، كما قورنت بأسماء أخرى فى عدد من المؤسسات الصحفية آنذاك. من ناحية ثانية فإن زينب هى إحدى صور مصر التى طالما قدمها الأدباء والشعراء، والتى يمكن مقارنتها بـ«دنيا» نجيب محفوظ، و«فؤادة» ثروت أباظة و«بهية» أحمد فؤاد نجم، و«بهية» يوسف شاهين... وغيرهن.
زينب امرأة من أصول مختلطة، نصف مصرية ريفية والنصف الآخر تركى، تتزوج فى سن مبكرة من شخص يكبرها، بخيل، جشع، يعاملها كحيوانة فى الفراش، تسعى للطلاق منه، وتتعلق عواطفها ببعض الرجال الآخرين، منهم رئيس تحرير مؤسسة صحفية، صديق لزوجها على مائدة القمار، يزعم مساعدتها ويطمع فيها. وهذه المؤسسة الصحفية تشهد صراعا حادا على السلطة بين رجال الحرس القديم، الذى أدارها قبل ثورة يوليو، يمثلهم عبد الهادى رئيس التحرير، والحرس الجديد القادم مع الثورة، يمثلهم دياب رئيس مجلس الإدارة. ومن بين صحفيى المؤسسة هناك أيضا حسن زيدان، صلاح قابيل، الذى تظل شخصيته نموذجا للصحفى الانتهازى على مر العصور. وعلى النقيض يوسف، الشاب المثالى، الوطنى عن حق، الذى يعشق زينب ويتزوجها، ولكن الحرب ضدهما وحولهما تتواصل، بينما يسقط البلد كله فى مستنقع الهزيمة.
 يتسم «زينب والعرش» بميزة قلما نجدها فى الدراما التليفزيونية، وهى وجود طاقة من الشعر الذى يصعب تفسيره، تجعله منفتحا دائما على مشاهدات وقراءات جديدة. ورغم أن العمل يتناول عالم الصحافة، لكن يمكن قراءته كتعبير عن تاريخ مصر، أو عن الصراع على السلطة فى أى مجال، أو مجرد قصة إنسانية لامرأة حائرة تبحث عن ذاتها.
يقال، خطأ، أن المحلية طريق العالمية، والصحيح أنه كلما استغرق العمل الفنى فى تصوير موضوع بعينه واهتم بدقة التفاصيل، كلما استطاع هذا العمل أن يعبر عن موضوعات وعوالم أخرى. ووسط تاريخ الدراما المصرية الذى يدور فى فلك موضوعات وشخصيات مكررة، مجردة، يبدو «زينب والعرش»، بفرادة موضوعه وحيوية شخصياته وخصوصية الصراع الدرامى الذى يصوره، وكأنه قادم من كوكب درامى آخر.
«زينب والعرش» يملك حياة فى حد ذاته، منفصلة عن المعنى المباشر الذى يشير إليه، ومتجاوزة له، وهذه واحدة من مقومات أى عمل فنى حقيقى.>