كيف يحمى الجيش الديمقراطية ؟
فى كل مرحلة تحول يجريها المجتمع يقوم الجيش المصرى بدور مؤثر، فهو وفقا للتصنيفات الدولية للجيوش يصنف على أنه من جيوش «القاعدة الشعبية» هذا ما يحدث فى مختلف المراحل منذ تأسيس الجيش الحديث من أبناء مصر فى عهد محمد على والذى بدأه بنواة قوامها ألف ضابط تم تدريبهم على دفعتين ليصبحوا بعد ذلك معلمين وضباطا للجيش المصرى الذى انخرط فى صفوفه متطوعا للتجنيد خيرة الشباب فى ذلك الوقت من أبناء جميع طبقات وفئات الشعب، ومنذ ذلك الحين يتمتع الجيش المصرى بالصفة القومية وتستمد المؤسسة العسكرية ثقافتها الفرعية من الثقافة الكلية للمجتمع .
الجيش منذ نشأته الحديثة وهو يضع نفسه تحت الطلب الشعبى فى أى وقت وأى زمان ومشاركا فى الحياة السياسية جنبا إلى جنب مع كل فئات الشعب وهذا ليس وليد الساعة ولكنه بدا مع عام 1879 حين أعد أعضاء مجلس شورى النواب والأعيان وضباط الجيش والموظفون والتجار مشروع «لائحة وطنية» ورفعوها للخديوى «إسماعيل» يطلبون فيها تنقيح لائحة النواب الأساسية النظامية، بما يمنح مجلس النواب الحقوق التى تتمتع بها المجالس المثيلة فى أوروبا، وقد استجاب إسماعيل وتم تقديم الوزارة الوطنية التى كان يرأسها «شريف باشا» للمجلس، وهو ما اعتبر تاريخيا أول مشروع لدستور نيابى كامل إلا أن ذلك التطور لم يكتب له النجاح بسبب الوصاية الأجنبية، حينئذ إذ خافت على مصالحها وهو ما جعلها تقوم بخلع «إسماعيل» وتولية «توفيق» الذى قرر إيقاف الدستور .
وتوالت الأحداث والثورات فمن ثورة عرابى إلى ثورة يوليو ٥٢ كانت هناك دساتير أعوام 23 و 30 ثم بعد ذلك دساتير 54و56و58 و61 و 71 ، ونجد أن إبان ثورة يوليو فإن الدستور ظل متغيرا لأربع مرات متتالية بين كل تغيير وآخر عامان فقط وكان ذلك نتيجة التطبيق لأول جمهورية فى مصر وما أفرزته التجربة لجعل التغيير فى الدستور بشكل مستمر حتى ثبت عند عام 61، ليأتى التغيير التالى بعد عشر سنوات فى بداية الجمهورية الثانية التى ترأسها السادات ليكون دستور 71 الذى ظل حتى عام 80 لإدخال بعض التعديلات ، ثم جاء التعديل فى الجمهورية الثالثة التى ترأسها مبارك وكان ذلك عام 2005 وتلاه تعديل آخر فى عام 2008 للمواد الخاصة بالجيش والتى تم نسيانها فى خضم تفصيل دستور سياسى على مقاس الرئيس الذى كان مأمولا والذى كان مرفوضا شعبيا ومن أجله تم تأييد الشعب والجيش لثورة 25 يناير التى سرعان ما انقلبت تلك الثورة على الداعمين أصحاب الحق وظهر وجهها الباطن الذى أعلنه من سرقوها ودمروا البلاد والعباد وكانت النتيجة إعلانات دستورية مؤقتة لتسيير أحوال الوطن وانتهت بالدستور الإخوانى عام 2012 والذى دعمه الإخوانى مرسى بالإعلان دستورى يجعله هو وجماعته متناطحين للذات الإلهية معاذ الله،ليعلن الشعب رفضه التام لحكم الإخوان وما يصدر عنه، وننتقل إلى فترة انتقالية بإعلان دستورى تضمن خارطة طريق كان من أولوياتها وضع دستور على وجه السرعة بواسطة تشكيل لجنه أطلق عليه «لجنه الخمسين» لم يشترك الشعب فى اختيارهم بل اختارهم من كانوا مهيمنين على المشهد السياسى وقتذاك «النخبة» التى أعطت نفسها حق الإنابة عن الشعب فى كل شيء على الرغم من أن الشعب لم يستدعهم ولم يطلب منهم ذلك، وهم الآن الذين يدافعون عن دستورهم الملغم 2014 ويطلقون أبواقهم مستنكرة أى تعديل على دستورهم وليس دستور الشعب الذى نزل للاستفتاء عليه لكى نمر بخارطة الطريق وندعم أركان دولتنا المصرية لتمارس فاعلياتها وأدوارها الدولية ثم بعد ذلك نعدل كما نشاء فى ظل دولة وليس شبه دولة .
فى التعديلات الحالية والتى نحن بصددها والتى يعترض البعض عليها دون إبداء أسباب مقنعة وخاصة فى تعديل المادة «200» الفقرة الأولى والتى تقول «القوات المسلحة ملك للشعب مهمتها حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها وصون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد، والدولة وحدها هى التى تنشيء هذه القوات ويحظر على أى فرد أو جهة أو هيئة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية» الاعتراض عما ورد بهذه المادة حدده البعض فى أن الجيش ليس من واجبه حماية «الديمقراطية أو المدنية» على هؤلاء الإجابة عندما طلبوا من الجيش حماية الانتخابات سواء كانت البرلمانية أو الرئاسية ليطمئن الشعب وينزل للاقتراع واختيار من يريده أو ينوب عنه أليس حماية المقار الانتخابية هى حماية للديمقراطية التى ينادون بها، وعندما رفض الشعب حكم الإخوان الذى جاء بالتزوير والترغيب والعنف فأنتج لنا نتوءا سياسىا اسمه «حكم المرشد» من الذى عاد بالوضع الديمقراطى إلى مساره السليم أليس الجيش الذى طالبناه بالنزول واسترداد مدنية الدولة المصرية وهويتها، كل هذا لم تتذكره الأفواه التى تتندر الآن وتقول ما دخل الجيش والديمقراطية والمدنية ليقوم بحمايتها ، إن الجيش هو من استردها بعد الضياع والتنكيل بهم على يد الجماعة الإرهابية التى كان يدعمها من يطلقون على أنفسهم ساسة وأحزابا وأصحاب رؤى سياسية .
ترسيخ الديمقراطية دون حماية يتطلب سنوات عدة لأن الديمقراطية فى الدول ذات الخبرة العريقة والتاريخ الطويل، هى ديمقراطية النفس الطويل تعالج قضايا ومعانى كثيرة مترسخة عبر عقود وأجيال، ولذا فإن من أهم مميزات الديمقراطية الصبر إلى تغيير إرادة الناس واتجاهاتهم وطرق تفكيرهم والاقتناع بنشوء ظروف خاصة مصاحبة لكل تغيير وإصلاح فى المجتمع ، لذا وجب حمايتهم بما يثق فيهم الشعب إنه الجيش وليس هناك بديل حتى إشعار آخر .