
عصام زكريا
السادات ممثلا.. من مسرح المدرسة إلى مسرح مصر
السياسة هى فن الخطابة وإقناع الجماهير بأى شيء، والسياسى الجيد هو ممثل بارع، والسادات كان سياسيًا بارعًا وممثلًا موهوبًا بالفطرة، حلم يومًا أن يصبح كوميديانًا فى السينما، فأعطته الدنيا مسرح مصر كلها ليمارس هوايته، ووصل للعالمية فى فن التمثيل السياسى مثلما وصل عمر الشريف إلى العالمية فى مجال التمثيل السينمائى. ولا عجب أن الاثنين كانت تربطهما صداقة وتعاون سياسى، حتى إن السادات استعان بالشريف كما هو معروف ليلعب دور الوسيط فى «مسرحية السلام» التى كتبها ولعب بطولتها السادات!
من المعروف علاقة السادات الوطيدة بالفنانين قبل وبعد أن أصبح رئيسًا، وعشقه للأفلام حتى إن السينما كانت جزءًا من برنامجه اليومى، حيث كانت هناك قاعة للعرض فى أماكن إقامته.
وعلاقة السادات بالتمثيل قديمة، تعود إلى أيام المدرسة، التى كانت تنتشر فيها فرق الخطابة والمسرح المدرسى وبقية الفنون على عكس مدارس اليوم القاحلة! وقد لعب الصبى محمد أنور السادات عددًا من الأدوار فى مسرحيات المدرسة، وقد روى الناقد الفنى الراحل حسن إمام عمر أنه زامل السادات فى بعض مسرحيات المدرسة. والسادات نفسه لم يخف ولعه بالتمثيل ولا محاولات احترافه وحكى عنها فى مقالاته ومذكراته أكثر من مرة.
فى مقال كتبه السادات حينما كان رئيسًا لتحرير الجمهورية فى 28 نوفمبر 1955 كتب:
«أمضيت أكثر من سنتين (فى السجن) ثم هربت من المعتقل، وكان علىّ أن أمثل فعلًا أدوارًا حقيقية على مسرح الحياة وأنا هارب حتى لا يقبض علىّ البوليس، فكان علىّ أن أمثل كل شيء وكل دور إلا الحقيقة.. مثلت دور سائق لورى وجلست مع السواقين فى ندواتهم، ضحكت معهم كما يضحكون، وتحدثت إليهم بما يحبون.. ومثلت دور الشيال، وفى كل هذه الأدوار كنت أكيف نفسى حسب الدور وأعمل المكياج اللازم».
فى هذا المقال حكى السادات عشقه للتمثيل وتفكيره فى أن يصبح ممثلَا، وعن انضمامه فى سن الثامنة عشرة إلى إحدى الفرق المسرحية بالمدرسة الثانوية، وعن قيامه بالذهاب إلى مقر إحدى شركات الإنتاج السينمائى بوسط البلد، وبالتحديد شارع «إبراهيم باشا»، «حيث جاءت الفنانة أمينة محمد التى كانت تقوم بعمل اختيار ممثلين لفيلمها «تيتا وونج» وذلك عام 1937. ويقول السادات فى مقاله: «استعرضتنا (السيدة أمينة) جيئة وذهابًا وكنا أكثر من عشرين شابًا واختارت منهم اثنين، وطلبت من الباقين أن يرسلوا لها صورتين»، مستطردًا فى مقاله: «بعد ذلك أقلعت عن هذه الهواية فقد دخلت الكلية الحربية وكنت أحس فى نفسى الفخر».
هذه الحكاية ذكرها محمد حسنين هيكل بطريقة مختلفة فى فصل بعنوان «السادات ممثلا» فى كتابه «خريف الغضب»، فى إطار هجومه الشخصى والمبالغ فيه على السادات، وأشار إلى أن السيدة المشار إليها هى عزيزة أمير، كما أشار أيضًا إلى الإعلان الذى نشره السادات عن نفسه فى إحدى المجلات الفنية كهاوٍ للتمثيل، زاعمًا أن الصفحة التى تحمل الإعلان انتزعت من النسخة المحفوظة فى دار الكتب، موحيًا أن السادات أراد محوها ليحكى القصة بطريقة أخرى، لكن المعروف أن السادات لم يسع أبدا لإخفاء ولعه بالتمثيل، ولا محاولاته لاحترافه، كما رأينا فى مقاله بـ«الجمهورية»، وتصريحاته الأخرى. والحقيقة أن المجلة هى «فصول» والعدد المشار إليه يحمل تاريخ مايو 1935، عندما كان عمرالسادات 17 عامًا، وفى هذا العدد نشرت المجلة بعض صور للقراء الشباب من هواة التمثيل ومنها صورة للسادات وخطابه للمجلة الذى يقول فيه:
«أنور السادات أفندى.. أنا شاب متقدّم للبكالوريا هذا العام. طويل. وسطى رفيع جدا وصدرى مناسب وسيقانى قوية مناسبة. لونى ليس كما فى الصورة، لأننى أغمق من الصورة قليلا. والآن أصف لكم الجزء العملى.. أنا متحكم فى صوتى بمعنى الكلمة فتارة تجدنى أقلد صوت يوسف وهبى وتارة تجدنى أقلد صوت أم كلثوم وهذه خاصة أظنها نادرة. لى أذن موسيقية محضة.. لى شعر أسود ومجعّد ولكنه خشن. وبقية أعضاء وجههى ما فى الصورة طيه».
لقد استغل خصوم السادات هذه الحكايات ليتهموه بأنه كان «ممثلا» فى الحياة، فقال عنه هيكل فى «خريف الغضب»: «السادات الهارب أصبح السادات الحالم والسادات الحالم أصبح السادات الممثل..فى معظم حياته كان السادات يمثل دورا فى كل مرحلة». وقال أيضا: «كانت مشكلة السادات أنه ابن عصر التليفزيون، لم يستطع مقاومة إغراء الإفراط فى استغلاله، لقد كان أول فرعون فى تاريخ مصر جاء إلى شعبه مسلحًا بكاميرا. وكان أيضًا أول فرعون يقتله شعبه.. وعندما اختفى وجهه عن الظهور على شاشات التليفزيون بدا وكأن أحد عشر عامًا من حكمه قد تلاشت بلمسة على زر». وقد حكى هيكل أيضًا عن قيام السادات بارتداء البذلة العسكرية فى لقاء مع وزير دفاع الاتحاد السوفيتى، وتقليده لشخصية الديكتاتور السوفيتى ستالين الذى يأمر فيطاع، كنوع من التهديد لدفع السوفييت لتزويده بالسلاح المطلوب قبل حرب أكتوبر 1973.
وقال عنه الناقد غالى شكرى فى كتابه «الثورة المضادة فى مصر»: «لم يكن يعشق السينما فقط وإنما كان يتمنى أن يصبح يومًا من نجومها. ومنذ فجر شبابه وهو يحلم بالوقوف أمام الكاميرا، ورغم احترافه السياسة فإنه ظل أسيرًا لهوايته».
هناك الكثير من العبارات التى قيلت عن علاقة السادات بالكاميرات والتمثيل والممثلين، وحتى المحللين والإعلاميين الأجانب لاحظوا ولع السادات بالكاميرات والتأنق، رغم أن ذلك كان غالبًا فى إطار المديح أو الوصف المحايد على عكس التعليقات العربية، وقد اختير عام 1977 ضمن أكثر عشرة رجال أناقة فى العالم ضمن استطلاع أُجرى فى إيطاليا، وهو الأمر الذى علق عليه السادات فى مؤتمر صحفى عالمى أنه شيء يسعده، وفقا لتقرير نشرته صحيفة «واشنطون بوست» بتاريخ 26 ديسمبر 1977 تحت عنوان «رجل لكل الأدوار»!>