الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
فى «كارما» خالد يوسف: العدالة الاجتماعية أو الجحيم!

فى «كارما» خالد يوسف: العدالة الاجتماعية أو الجحيم!


اتفقت أو اعترضت، شئت أم أبيت، خالد يوسف هو واحد من أبرز السينمائيين على ساحة السينما المصرية خلال الربع قرن الأخير، منذ أن عمل مع الراحل يوسف شاهين كمساعد فى كتابة وإخراج كل أفلامه منذ «المهاجر»، 1993، ثم «المصير» و«الآخر» و«إسكندرية نيويورك»، وحتى آخر أفلامه «هى فوضى»، 2007، ومن خلال أعماله المنفردة التى بدأت بفيلم «العاصفة»، 2001، وضمت عددًا من الأفلام مثل «حين ميسرة»، «دكان شحاتة»، و«كلمنى شكرًا».
 
 معظم هذه الأعمال أثارت جدلاً كبيرًا بسبب مضمونها السياسى الاجتماعى وموقف صانعها النقدى، والتحريضى أحيانًا، وكذلك بسبب نبرتها الفنية العالية، المباشرة، وجنوحها إلى الأحداث والمواقف الميلودرامية الصارخة أحيانًا.
استطاع خالد يوسف أن يصنع اسمًا وأسلوبًا، يحبه الكثيرون، ويكرهه آخرون، وتميز عن أقرانه بتحوله إلى شخصية «سياسية» عامة، خاصة بعد ثورة 25 يناير، من خلال نشاطه الجماهيرى والحزبى والبرلمانى.
توقفت مسيرة خالد يوسف الفنية بعد عام 2011 مع فيلم «كف القمر»  بسبب انشغالاته السياسية من ناحية، وربما بحثًا عن أفكار جديدة تتناسب مع مجتمع ما بعد 25 يناير، قبل أن يعود أخيرًا بفيلم «كارما» الذى يعمل عليه منذ عدة سنوات. وكالعادة، حتى قبل أن يبدأ عرض الفيلم أثار ضجة بسبب القرارات المتضاربة حول التصريح بعرضه دون ملاحظات، ثم سحب ترخيص العرض بناء على تعليمات عليا، ثم إلغاء سحب الترخيص، أى السماح بعرضه مجددًا، بناء على تعليمات عليا!
بعض الذين يميلون لنظريات المؤامرة أعلنوا على الفور أن هذا الجدل مفتعل بهدف ترويج اسم الفيلم والدعاية له وسط أفلام العيد.. والحقيقة التى أعرفها من كواليس الوسط أنه لا توجد مؤامرة ولا يحزنون، وأن الحكاية كلها «لخبطة» سلطات ومخالفة صريحة لتعليمات القيادة السياسية التى أكدت أننا «بلد مؤسسات» لا بلد «تعليمات عليا».
بعيدًا عن هذا الجدل، ها هو خالد يوسف يعود لجمهوره بعد سبع سنوات «عجاف»، فى لقاء من المؤكد أنه سيكون حاسمًا بالنسبة للطرفين: خالد يوسف وجمهور السينما المصرية. هذه العودة التى تطرح بالضرورة أسئلة من نوعية: هل لا يزال السينمائى خالد يوسف محتفظًا بلياقته الإبداعية؟ هل يحمل جديدًا بعد كل هذه السنوات والتغيرات التى حدثت فى مصر وطبيعة الموضوعات التى كان يناقشها فى أعماله؟ هل تغير الجمهور نفسه وهل سيقبل على أفلام خالد يوسف بالدرجة نفسها؟ وهل فقد خالد بعض جمهوره أم أضاف شرائح جديدة له؟ وكيف سيكون استقبال النقاد للعمل؟
كل هذه الأسئلة ستسمعون إجاباتها داخل قاعات عرض الفيلم وخارجها خلال الأيام القادمة، ولكن هنا قراءة أولية للعمل بعيدًا عن الجدل المثار.
مبدئيًا «كارما» امتداد طبيعى لأعمال خالد يوسف السابقة، فى المضمون والشكل. من ناحية الموضوع يناقش «كارما» قضية الهوة الطبقية الهائلة التى تفصل بين المصريين، والتى سبق أن تناولها فى عمله الأنجح «حين ميسرة».
بإيجاز يدور «كارما» حول رجل أعمال ملياردير اسمه أدهم المصرى يملك أبراجًا على النيل، وصعلوك اسمه وطنى مينا يعيش فى أحد الأحياء العشوائية المجاورة لأبراج الملياردير. كل منهما يلعب دوره ممثل واحد هو عمرو سعد، وكل منهما تطارده كوابيس وأحلام يصبح فيها الشخص الآخر..إلى أن يتداخل العالمان فى صدام درامى مدو، ويركز خالد يوسف على تصوير مظاهر الثراء الفاحش من ناحية، والفقر المدقع من ناحية ثانية، ويجيد عمرو سعد تجسيد الشخصيتين بإتقان، خاصة دور الصعلوك، الذى يعيش مع أمه وزوجته وابنته كارما فى بيوت من صفيح، غارقة فى مياه الصرف الصحى والبؤس والعنف.
 ويهتم خالد يوسف فى «كارما» كما فى أعماله السابقة بعلاقة هذه الهوة الطبقية بالسياسة والسلطة ومؤسسات السلطة المختلفة فى بعض الإشارات العابرة مثل قول أحد أمناء الشرطة: «كبيرنا قالها زمان، اللى مالوش خير فى حاتم ما لوش خير فى مصر»، أو فى المفاوضات التى تدور بين الملياردير بطل الفيلم وأحد ممثلى السلطة حول تبادل الدعم بينهما.
يعتمد خالد يوسف على التعبير الصريح عن أفكار عمله، وعلى جمل الحوار المباشرة التى تفسر المشاهد، وعلى أداء الممثلين «الخارجى» الذى يعتمد على الصوت وحركات الوجه والجسم والضحكات العالية والدموع، وهو يستعين بكتيبته المفضلة من الممثلين مضيفًا إليهم ممثلين ينتمون لنفس «المدرسة التعبيرية»: عمرو سعد، دلال عبد العزيز، ماجد المصرى، خالد الصاوى، زينة، غادة عبد الرازق، وفاء عامر، مجدى كامل، والوجه الجديد التونسية سارة التونسى.
ربما يكون الموضوع عاديًا، والأسلوب الفنى تقليديًا، ولكن ألمع ما فى سيناريو «كارما» الذى كتبه محمد رفيع وخالد يوسف هو لحظة التحول التى يتداخل فيها العالمان على طريقة أفلام الخيال العلمى والفانتازيا، والتى يمكن قراءتها على أكثر من مستوى تعبيرى وفنى.
فكرة تبادل الأدوار بين الغنى والفقير سبق تقديمها فى أعمال كثيرة من أيام نجيب الريحانى، كذلك فكرة المعجزة التى تحول المرء إلى شخصية أخرى، ولكن هذا لا يقلل من طزاجة استخدامها فى فيلم «كارما» لأنها تبدو «طبيعية» ونابعة من الدراما نفسها، ومتسقة مع معنى العمل ورسالته السياسية وهى أن هذا المجتمع الواحد، بفقرائه وأثريائه، بمسلميه ومسيحييه، بكل أطيافه لا يمكن له أن يتحول إلى جزر و«كمباوندات» وطوائف منفصلة، وأن الصدام أو الاندماج سيأتى لا محالة، وبدلاً من أن يكون مدمرًا، يستحسن أن نديره بتعقل ليصبح مثمرًا، وأن العدالة الاجتماعية ليست خيارًا، ولكنها فرض بدونه يمكن أن تنفتح بوابات الجحيم.
يجيد السيناريو رسم شخصياته ودلالاتها عندما يجعل من «وطنى» فقيرًا مسيحيًا صعيديًا، فى إشارة إلى أن الصراع الطبقى يحمل فى طياته الصراعات الطائفية والعرقية أيضًا.
على مستوى ثانٍ يساهم «تكنيك» الاعتماد على ممثل واحد فى أداء الشخصيتين إلى تحميل العمل بمعانٍ أخرى نفسية وإنسانية، فليس فقط المجتمعات، ولكن الأفراد أيضًا، مهما وصلت درجة ثرائهم وانعزاليتهم الطبقية لن يمكنهم أن يكونوا أسوياء نفسيًا وروحيًا وهم يتجاهلون بقية الإنسانية المعذبة، وهو المعنى الذى يعبر عنه عنوان الفيلم.
على المستوى السينمائى يتسم «كارما» بثرائه  البصرى وباتساع المجال والرؤية التى تنظر من خلالها عدسة الكاميرا، خاصة فى المشاهد التى تصور حياة أدهم، بينما تهبط الكاميرا وتضيق مساحة حركتها وتقل إضاءتها فى الحى العشوائى الذى يسكنه وطنى، ويستغل خالد يوسف بعض التقنيات الحديثة فى السينما المصرية فى مشاهد المطاردات والمعارك والمؤثرات الخاصة عامة، وكعادته يجيد التعامل مع الممثلين والممثلات الذين يحبهم، وإن كان لم يزل يواجه مشكلة فى توجيه الممثلين الثانويين أو الذين لا توجد مساحة عاطفة وتفاهم شخصى معهم، لذلك يتراوح أداء الممثلين فى العمل من البراعة إلى البلادة ومن الأداء السينمائى الراقى إلى الصخب التليفزيونى والمسرحى. ■