الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
« الفهد الأسود».. أفكار عميقة وسينما ساذجة

« الفهد الأسود».. أفكار عميقة وسينما ساذجة


غريب هذا النجاح الجماهيرى الهائل الذى حققه فيلم «الفهد الأسود» Black Panther خلال أيام قليلة من بدء عرضه، حتى أصبح واحدًا من أكثر الأفلام جلبًا للإيرادات على مر التاريخ، بالرغم من كونه فيلم «أبطال خارقين» عاديًا على المستوى التجارى سبق أن شاهدنا أعمالًا تحفل أكثر منه بالخيال والأكشن والتشويق.

الأغرب حتى من نجاحه الجماهيرى هو هذا الاحتفاء النقدى به، لحد الإجماع تقريبًا، واعتباره عملاً فنيًا فريدًا وعميقًا، بالرغم من كونه فيلمًا عاديًا حتى على مستوى أفلام «الأبطال الخارقين» التى يحفل بعضها بأفكار أعمق، وتعبير فنى أرقى.
لا يمكن فهم هذه النجاحات دون النظر إلى السياق العام الذى خرج منه الفيلم والتوقيت الذى بدأ عرضه فيه، ثقافيًا وسياسيًا، محليًا، داخل الولايات المتحدة وعالميًا.
«الفهد الأسود» هو أحد أبطال مجلات القصص المصورة، المعروفة بـ «الكوميكس»، والتى تصدر عن دار نشر «مارفيل»، وتضم أسماء مثل «سوبرمان»، «باتمان»، «سبايدرمان»، «ايرون مان»، «كابتن أمريكا»..وعشرات غيرها.
الفارق أن «الفهد الأسود» أسود...تقريبًا هو البطل الخارق الأسود الوحيد باستثناء «رجل الجليد»، أحد الشخصيات الثانوية فى قصص «غير المعقولين» Incredibles، وربما يكون هناك واحد أو اثنان آخران فى قصص أخرى...لكن «الفهد الأسود» هو أشهرها وهو الوحيد الذى توجد سلسلة تحمل اسمه ينفرد ببطولتها.
فيلم «الفهد الأسود» هو أول فيلم أبطال خارقين يقوم ببطولته ممثل أسود، أو حسب التعبير السياسى السائد الآن ممثل أفروأمريكان...ولهذا معناه ومغزاه طبعًا، ولكن فيما يتعلق بالسينما الأمريكية فالأمر لا يقتصر على هذا. «الفهد الأسود» هو أول فيلم ضخم الإنتاج من نوعية «البلوكباستر» التجارية، وصلت تكلفته لأكثر من 200 مليون دولار، يصنعه مخرج أفروأمريكى هو رايان كوجلر ويلعب بطولته من الألف للياء ممـثـلـون أفــروأمريـكـان...بـاسـتـثنـاء شخصيتين ثانويتين لواحد شرير والثانى عميل للمخابرات الأمريكية لا حول له ولا قوة...كما أن القسط الأكبر من الأحداث يدور فى أفريقيا، فى بلدة خيالية صغيرة تدعى «واكاندا» تملك من العلم والتكنولوجيا ما لا يملكه العالم المتقدم كله!
يلعب دور «الفهد الأسود» الممثل شادويك بوزمان، الذى سبق أن لعب دور «الفهد الأسود» فى فيلمى «المنتقمون: حرب الأبدية» و «كابتن أمريكا: الحرب الأهلية» اللذين يضمان معظم الأبطال الخارقين، كما يلعب دور «البطل المضاد» شاب أسود آخر هو مايكل بى جوردان لا يقل وسامة أو قوة عن البطل نفسه، إن لم يزد..وبجانب الاثنين هناك فريق كامل من الممثلات والممثلين الأفروأمريكان على رأسهم أنجيلا باسيت وفورست ويتيكر ولوبيتا نيونجو وداناى جوريرا ودانيل كالويا وليتيتا رايت...
يبدأ الفيلم، كعادة قصص الأبطال الخارقين، بمقدمة أسطورية عن بلدة «واكاندا» غير المرئية والتى تزرع فيها نبتة سحرية تدعى «فيبرانيوم»، يمكنها شفاء المرضى  والمصابين بطلقات النار والذين  يعانون من «الكوما»، كما يستخدمها أهل البلدة، وخاصة نساءها، فى إنتاج تكنولوجيا فائقة أرقى مما يملكه العالم.
تى شادا أو «الفهد الأسود» هو ابن ملك هذه القبيلة، وهو يترك مغامراته الأمريكية ليعود إلى قريته  لينصب ملكًا بعد وفاة والده...وفى الوقت نفسه يسعى لمنع بعض تجار السلاح من الوصول إلى الفيبرانيوم، كما يتصدى لفهد أسود شاب طامع فى العرش.
باختصار...قصة ساذجة أخرى مستوحاة من عشرات بل مئات من قصص الأطفال والأبطال الخارقين الأخرى...لكن مخرج ومؤلف الفيلم رايان كوجلر، ومساعده فى الكتابة جون روبرت كول، يستطيعان أن يحملاه بالعديد من الأفكار التى تشغل بال الأمريكيين والعالم اليوم، مثل التفرقة العنصرية، والتى كانت محور أعمال كوجلر السابقة، وهوية الأمريكان السود، وانتمائهم، وأسلحة الدمار الشامل، وقوة النساء، وقوة «العالم الثالث» المجهولة...وهو يعرض  فى الوقت نفسه بعض مظاهر الحياة فى أفريقيا والشعوب القديمة المماثلة، مثل طقوس التتويج والمعارك الشعائرية، وكل هذه الأفكار والشخصيات والجمل الحوارية تم توليفها ببراعة داخل حبكة ومغامرة واحدة، ولكن كل هذه البراعة التقنية التى يحتويها الفيلم، على مستوى الكتابة والصورة، لا يمكنها أن تخفى الخواء الفنى ولا السطحية التى تعالج بها هذه الأفكار...حتى لو كانت تنجح فى مغازلة ملايين العقول البسيطة التى تستهلك وتدمن هذه الأفلام.
وليس معنى كلامى السابق أن أفلام الأبطال الخارقين لا تصلح لمناقشة الأفكار السياسية والثقافية المهمة، بل على العكس هذه النوعيات تطرح دائمًا أفكارًا خطيرة، سلبًا أو إيجابًا، لكن فيما يتعلق بـ«الفهد الأسود» فإن هذه الأفكار مغلفة داخل أفكار أخرى تروج للعنف كوسيلة لحسم هذه المناقشات ولاعتماد القوة البدنية سبيلاً إلى السلطة، وللترويج بأن زهرة سحرية فى بلد متخلف يمكنها أن تكون ندًا للعلم والمعرفة والديموقراطية والنظام فى البلاد القوية.
ومن الأمثلة على الطريقة التى تكتب بها هذه الأفلام «المتثاقفة» أن اسم «واكاندا» ليس أفريقيًا ولكن مأخوذ من كلمة من لغة السكان الأصليين لأمريكا، الهنود الحمر، كما أن زهرة الفيبرانيوم مأخوذة بوضوح عن عنصر اليورانيوم الذى عثر عليه فى أفريقيا بالفعل، ولكن لم يستفد منه سوى البلاد «المتقدمة» التى تسعى للاستيلاء عليه لاستخدامه فى سباق التسلح النووى.>