
هناء فتحى
يا حسين فهمى: معلش.. ادفع النفقة
ولأننا لا نرى.. أو ربما لا نحب أن نرى.. كل تلك الأوجه والماسكات والشخوص التى يرتديها الفنان يوماً بعد يوم وفيلماً بعد فيلم.. غالباً نحن لا نرى سوى وجه واحد فقط.. وجه نرسمه نحن له على حوائط مخيلتنا الرحبة.. ثم يتكشف لنا أن ذاك الوجه المتخيل الذى ألفناه ليس واحدا من كل تلك الأوجه التى غلفت قسمات وجهه وروحه بعجائن وألوان ذات طبقة سميكة.. ولا يشبه حتى ملامح وجهه الأول..
لذا يصبح خبر «احتمالية سجن النجم الوسيم الباشا حسين فهمى لامتناعه عن دفع نفقة لطليقته لقاء سويدان ولا حتى لابنته منها» خبرا مروعا!!! خاصة أن أحد وجوهه الأخرى كان عمله سفيرا للنوايا الحسنة التابع للأمم المتحدة.. والصدمة بالنسبة لنا أن يتحول الفنان إلى إنسان ونحن لم نكن نعتقد ذلك.. ونفس القياس من الممكن أن نقيم به حكاية أحمد عز وزينة وإنكار وثبوت نسب الأولاد بعد محاكم وقضايا لا أحب الخوض أو الحكى فيها.
ملحوظة: بالتأكيد نحن لا يعنينا عدد زيجات وطلاقات الفنان أو الفنانة ولا قصص غرامهم اليومية.. ولكن يزعجنا أن يصبح هذا الفنان زميلا فى أحد عنابر السجون لرجال آخرين عاديين كده.. رجال يقومون بنفس الفعل المستهجن اجتماعيا ودينيا ويمتنعون عن تحمل مسئولياتهم.. رجال يملأون البيوت المصرية!!.. فأن ينتقل الفنان من خبر فنى إلى حوادث مرة واحدة.. يادى النيلة.
قد نقبل ونستوعب ونغفر للفنان قضاياه المرتبطة بالسياسة أو بالفنون وسلوكها المجنون، بدءا من الخروج على النص وحتى وسينما يوسف شاهين والكتابة الغرائبية وانتهاء بالمسرح التجريبى وحتى لوحات سلفادور دالى المجنونة وسلوكه - الشخصى جدا - المجنون لكن أن يخلع الفنان وجهه النبيل الذى ألبسناه إياه ويلقى به فى أقرب صندوق نفايات بلا اكتراث لمشاعرنا - نحن الذين صنعناه ورفعناه لبطن السماء الأولى نجما وقمرا - ثم يرتدى وجهه الكريه أو وجهه الإنسانى الذى خلق به.. هنا تتكون وتتشكل بيننا وبينه جبال من مشاعر مختلفة تباعد بيننا وبينه.. أتخيل: أنه وفى تلك اللحظة تحديداً ينتهى عمره الفنى بأن ينزوى الفنان أو يسقط من بطن السماء الأولى.. واسألوا أحمد الفيشاوى!! ياللقسوة!! قسوتنا.
فنانون كثر أجادوا التمثيل علينا أكثر من إجادتهم التمثيل على الشاشة فكان أن ظلوا مرتدين وجها واحدا يخفى مئات الوشوش تحته فأحببناهم لأننا صدقناهم.. وهناك فنانون وجوههم كلها طيبة بالفعل فأحببناهم أيضا.. أحببنا الذى تمسك بوجهه المستعار أو الذى لم يكن يمتلك إلا وجهه الطيب.
طيب إيه بقى فلتت منه؟ ممكن.. سقط عنه أحد أوجهه المتعددة خلسة أو دون وعى؟ ممكن.. لم نعد نعنيه؟ نحن جمهوره العريض؟ برضه ممكن.. أراد أن يقابلنا بوجهه العارى مرة أخيرة وقد مل وسئم ارتداء الوشوش الزائفة؟ أعتقد.
فى المسافة الملتبسة والمضللة التى تفصل بيننا - كمواطنين - وبين السياسى أو رجل الدين لا تتكون بيننا وبينهم تلك العلاقة المحببة كالتى تنشأ بيننا وبين الممثل بالذات وتحديداً.. ونعرف أن السياسى ورجل الدين يرتدى كلاهما منذ البداية وجهه الزائف.. كلاهما يبحث عن السلطة.. كل بطريقته.. لكن الممثل لا يبحث عن الكرسى إياه إنه فنان.. خيالى.. يجلس فى البراح الممدود من وجهه الأول حتى تخوم قلوبنا.. يجلس فى السماء نجمة وقمرا وكوكبا.. لذا يصبح سقوطه غالباً هو نهاية حتفه.∎