
محمد جمال الدين
الدروس المستفادة من أزمة البرلمان
أخيرا انتهت أزمة عودة البرلمان التى بدورها أضاعت الكثير من الوقت الذى نسابقه جميعا حتى تمر مصر من مرحلة عنق الزجاجة التى نحاول الخروج منها منذ قيام ثورة 52 يناير التى أطاحت بنظام مبارك.. انتهت الأزمة بعد أن انتصر الرئيس محمد مرسى للقانون عقب تأكيد المحكمة الدستورية العليا لحكمها الذى سبق وأن أصدرته من قبل والذى يحول دون أن يستكمل البرلمان مهامه.
تلك الأزمة تحديدا حاول فيها البعض أن يزين للرئيس أنه من الممكن أن يقرر عودة المجلس للانعقاد مرة أخرى بنصيحة غير أمينة وصادقة فوضعت البلاد بدورها فى أزمة نحن فى غنى عنها، ولكن احتكام الرئيس لصوت العقل والقانون الذى أقسم على احترامه وضع حدا لها، وظهر هذا جليا فى بيان رئاسة الجمهورية الذى أكد على احترام مؤسسة الرئاسة للدستور والقانون ولرجال القضاء وللسلطة القضائية.. وكذلك أكد البيان على احترام الأحكام القضائية ومنع أى صدام بين مؤسسات الدولة.
بالطبع هناك دروس مستفادة مما حدث، ولكن أعتقد أن الدرس الأكبر الذى يجب أن يعيه جيدا من نالتهم هذه الأزمة يأتى فى مقدمتهم قيادات وأعضاء ونواب حزب «الحرية والعدالة» فهؤلاء هم أول من أصابهم الأذى، ويكفى أن نعرف أن الدكتور سعد الكتاتنى يعد أول رئيس برلمان فى مصر يفقد منصبه مرتين فى خلال أقل من شهر ولهذا على أعضاء حزب الحرية والعدالة ونوابه الذين كانوا يخرجون علينا ليل نهار فى الفضائيات ليشيدوا بقرار الرئيس بعودة مجلس الشعب، عليهم أن يدرسوا جيدا السبب الذى جعل قطاعا كبيرا من الشعب المصرى ينقلب عليهم بعد أن أفاضوا وشرحوا محاسن وقانونية قرار الرئيس مما انعكس بالسلب على الاتجاه العام للشعب فوصل الأمر إلى الهتاف ضد الرئيس شخصيا وهز صورته أمام الرأى العام، بل ونادى البعض بسقوط دولة المرشد وجماعته وجماعات الإسلام السياسى «التى اشترك بعضها فى جريمة قتل شهيد السويس» وساهمت بشكل أو بآخر فى زيادة العداء بين مؤسسات الدولة.
ولأول مرة نجد أن هناك من يرفض انفراد أكبر مؤسسة دينية وسطية فى العالم وهى الأزهر بالأمور الدينية، ووصل الحال ببعض هذه الجماعات إلى انتقاد شيخ الأزهر والمفتى وكل ما يصدر عن هذه المؤسسة من آراء وفتاوى فى الدين.
محاولات ومؤامرات مستمرة تحاك ضد الأزهر بغرض هدم هذه المؤسسة التى تعد ركناً من أركان الدولة لتحقيق غرض ما فى أنفس هؤلاء لا نعلمه نحن وإنما هم يخططون لهذه المحاولات لتحقيق مرجعية دينية تخدم مصالحهم لا مصالح الوطن.
التدخل فى عمل المؤسسات لم يقف أو ينته عند الأزهر وإنما تخطاه حينما شن نواب الحرية والعدالة التابعون لهم من قوى التيار الإسلامى هجوما حادا على مؤسسة القضاء وخرج بعضهم ليصرح بأنه يجب تطهير القضاء حتى وصلنا إلى اتهام أعضاء المحكمة الدستورية العليا بالتزوير «وبالمناسبة مؤسسة القضاء المتهمة بالتزوير هى نفسها المؤسسة التى أشرفت على انتخابات مجلسى الشعب والشورى ثم الرئاسة وأشاد بها الإخوان وبنزاهتها وبوطنية رجالها عندما كانت الانتخابات فى صالحهم».. وطالب بعضهم الرئيس بإقالة أعضاء المحكمة الدستورية وتعيين أعضاء جدد مع الحد من صلاحيتها.
ومن مؤسسة الأزهر إلى مؤسسة القضاء نصل إلى مؤسسة الرئاسة نفسها التى يحاول الآن رجال الحرية والعدالة انتزاع ما لديها من سلطات فبدأ البعض يتحدث باسمها وفرض آراء واشتراطات علينا نحن الشعب، فتارة يطالبون الرئيس بضرورة إجراء استفتاء على حكم الدستورية وتارة أخرى يحددون نسبة المقاعد التى ستكون من نصيبهم فى أول حكومة فى الجمهورية الثانية وكأن البلد ليس بها رئيس يحدد ويقرر ما يريده على اعتبار أنه سيكون المسئول أمام الشعب عند وقت الحساب.
واستمرارا لسياسة العناد والصلف والتمسك بعضوية مجلس الشعب وامتيازاته كان غريبا أن يحيل الدكتور الكتاتنى حكم الدستورية الخاص بمجلس الشعب إلى محكمة النقض، رغم علمه التام بأن هذا الإجراء غير سليم أولاً لأن محكمة النقض ليست رقيبة على المحكمة الدستورية التى لا يجوز الطعن على أحكامها، وثانيًا محكمة النقض تنحصر ولايتها القضائية فقط على البحث فى صحة عضوية أعضاء المجلس، وبالتالى فهى غير معنية بقانون الانتخابات البرلمانية والذى من خلاله أجريت انتخابات مجلسى الشعب والشورى.
ونتيجة للتشكيك فى أحكام القضاء وعدم احترامها من قبل مسئولين كبار وأعضاء فى مجلس الشعب الذى تم حله، شهدت مصر أكثر من واقعة اعتداء بالضرب على رموز من قيادات العمل الوطنى من قبل بعض الشباب المغرر بهم من بعض التيارات الإسلامية لآرائهم التى لا تتفق مع اتجاهات هذه التيارات فتم الاعتداء بالضرب على المهندس حمدى الفخرانى والناشط الحقوقى نجاد البرعى، هذا بخلاف محاولات الاعتداء على أبوالعز الحريرى والدكتور إيهاب رمزى أعضاء مجلس الشعب السابق لاعتراضهم على استئناف المجلس لأعماله بقرار من رئيس الجمهورية أثبتت المحكمة أنه قرار مخالف لحكم المحكمة الذى لا يقبل الطعن عليه من أى جهة والقاضى بإيقاف عمل المجلس.
وبما أن كل فعل له رد فعل، رأينا وللمرة الأولى تحطيم أثاث مقر حزب الحرية والعدالة فى قرية ميت كنانة التابعة لمحافظة القليوبية من قبل أهالى القرية لعدم موافقتهم ورضاهم عن سياسة وأداء الحزب ووجود مقر له داخل قريتهم.
وبتحليل سريع لهذا الاعتداء المرفوض أيضا مثلما رفضنا الاعتداء من قبل على مقر حملة الفريق شفيق وقت الانتخابات ورفضنا أيضا الاعتداء على رموز العمل الوطنى نؤكد أن الشعبية التى نالتها جماعة الإخوان وحزبها أخذت تتآكل وجعلت البعض يبتعد عنهم ويرفض ما يصدر منهم من أداء ينعكس بالتبعية على العمل السياسى وعلى قرارات القائمين عليه، وما تصريحات بعض قادة الإخوان وتعليقاتهم وتدخلهم دون وجه حق فى عمل مؤسسات الدولة سوى دليل وتأكيد لما نقوله، فهذه التصريحات وحالة الغزو الإعلامى المكثف الذى تملك بعض قادة الجماعة جعل هناك رد فعل عكسيا فأصبح ما يصرحون به لا يلقى قبولا لدى العامة.
بالتأكيد هناك دروس مستفادة أخرى من أزمة البرلمان ويأتى فى مقدمتها ضرورة مراجعة السماح بإنشاء الأحزاب الدينية لخوض معترك السياسة.. كما أن الضعف الواضح للأحزاب الليبرالية وتأثيرها المحدود على المصريين لا يستطيع أحد أن ينكره، بعد أن تفرغ قادتها لأمور أخرى يأتى فى مقدمتها الظهور فى الفضائيات والإعلام والنضال من خلالها وترك الملعب بكامله للأحزاب الدينية لتصول وتجول فيه لوحدها دون مشاركة من أحد، فعدنا جميعا لنتحدث عن الأحزاب الكرتونية التى لا حس لها ولا خبر.
نحن نعى ونعرف أننا مازلنا فى سنة أولى ديمقراطية، ولكن الأخذ بالديمقراطية الحقيقية وبقواعد العمل فيها يجب أن نستكمله بالطريقة الصحيحة، لأن الأخذ بمبدأ الانتقاء وتفضيل هذا وترك ذاك لتحقيق مصالح شخصية أو حزبية أو سياسية على حساب الوطن والشعب غير صحيح ومرفوض ولن نقبل به طالما ارتضينا الاحتكام إلى الصندوق الذى هو أساس الديمقراطية.