
طارق الشناوي
«بعد الموقعة» مبارك صنع البلطجية ودفع الثمن!!
هموم عديدة يطرحها المخرج يسرى نصرالله فى فيلمه «بعد الموقعة» تستطيع أن ترى فيها الانحياز للثورة والخوف أيضا من سيطرة التيار الإسلامى بعد الثورة، حيث يصبح كل شىء خاضعًا لرؤية تميل إلى التشدد الذى يلوى عنق كل شىء بدعوى أن هذا هو الدين.
البلطجى نتاج عهد مبارك 30 عاما وهؤلاء البلطجية يتم الاستعانة بهم لتحقيق أهداف سياسية، وهكذا كانت موقعة الجمل واحدة من تلك التى رأى فيها النظام البائد أنه من الممكن أن يفرض على الواقع ما يريده ولكن كانت إرادة الشعب هى الغالبة.
«يسرى» شارك فى الثورة كمصرى أولا، ولكن عينه كسينمائى احتفظت لا شعوريا بقدرتها على الالتقاط حيث شارك فى العام الماضى بإخراج واحد من تلك الأفلام العشرة القصيرة تحت عنوان «18 يوم» التى شاركت فى احتفال مهرجان كان بالثورة، وبالمناسبة كانت فى معظمها تخلو من اللمحة الإبداعية وبينها فيلم «نصر الله».
هذه المرة الرؤية أكثر هدوءاً الهدف هو السينما وليس فقط الثورة، السينما كما يريدها «يسرى» وبعيونه وإحساسه.. الثورة تحتاج إلى فترة زمنية قبل أن نشرع فى تناولها مقولة صحيحة لأن هناك أسرارًا لا تزال تحت السطح وحقائق سنكتشف بعد مرور زمن أنها لم تكن حقائق ولكن من حق السينمائى أن يقدم رؤيته فى أى لحظة أو موقف يجد فيه رؤية أبعد من مجرد التأريخ والتوثيق.
اختار المخرج موقعة الجمل التى كانت هى الخط الفاصل للثورة كان مبارك قبلها بأقل من 24 ساعة قد ألقى الخطبة التى قال فيها سأدفن على أرضها لاستعطاف مشاعر المصريين وجاءت موقعة الجمل لتؤكد كم كان مراوغاً.
«يسرى نصر الله» كان دليله الفنى والفكرى أحد الخيالة الذى تحول الى بلطجى «باسم سمرة» ذهب إلى ميدان التحرير وتلقى علقة ساخنة هناك.. هل ذهب بعد أن استبد به الغضب مدافعا عن أكل عيشه أم إنه كان عميلاً لأعداء الثورة.. الفيلم يتعاطف معه ولكنه فى نفس الوقت لا يتعاطف مع موقفه والفرق واضح.. يصل فى لحظات إلى حدود تبرئته من الإدانة، فهو كان يدافع عن أكل عيشه، ولكنه سرعان ما يكتشف كم هو يروج لما كان يردده أعداء الثورة فيسارع بتأكيد الإدانة.
لا أحد من الممكن أن يصدق أن هؤلاء تحركوا من نزلة السمان حتى ميدان التحرير بدون أن يخطط ويدفع لهم أيضاً مقابل مجز لإجهاض الثورة، السيناريو يقدم لنا «منة شلبى» الناشطة السياسية التى كانت واحدة من الثوار وتذهب إلى نزلة السمان وتشعر بانجذاب إلى «باسم»، ولا أدرى لماذا أثقل المخرج فيلمه بتلك العلاقة العاطفية التى ظلت طوال السيناريو مثل حمل ثقيل المخرج غير قادر على التعامل معه لا دراميا أو فكريا علاقة تذكرنا ببعض الحكايات المشابهة التى كان يحلو ليوسف شاهين أن يزرعها فى أفلامه عندما يصبح الإنجذاب الجنسى هو الدافع الوحيد وتسقط فى سبيله كل الحواجز والحدود، الأحداث تنتقل إلى نزلة السمان لتصبح هى المسرح الحقيقى للفكر الذى يتبناه المخرج حيث تمتد لعنة الغضب التى حاصرت «باسم سمرة» إلى ابنه الذى يتحول إلى أداة للسخرية من الطلبة فى المدرسة لأنه ابن الخيال الذى تلقى علقة ساخنة فى الميدان.
«باسم سمرة» فى المشهد الأخير ينحاز للثورة يذهب إلى الميدان ويتلقى رصاصة قاتلة ثم نشاهده فى لقطة أقرب إلى الخيال يصعد إلى الهرم مؤكدا أن الثورة فى النهاية ستنتصر.
بالفيلم مزج بين الرؤية التسجيلية والدرامية نجح «نصر الله» فى الحفاظ على أن يظل حتى نجومه المحترفون أمثال «منة شلبى» و«باسم سمرة» و«ناهد السباعى» فى حالة من الانسيابية والطبيعية ولهذا كان يبدو «صلاح عبد الله» بأدائه الاحترافى خارج تلك المنظومة، أداؤه يخدش روح الفيلم!!
الفيلم لا يقدم تأريخاً للثورة ولكنه يلتقط حالة لواحد من هؤلاء، الذين تحولوا إلى بلطجية ولكنه فى النهاية ينضم للثوار، والحقيقة أنه لم يتغير فكرياً فهو يتوجه لميدان التحرير حماية لمنة شلبى وليس للثورة إنها حالة حب وتلك هى المشكلة التى أثقلته دراميا وعوقته فكريا!!
مصر فى مهرجان «كان» داخل المسابقة الرسمية بعد غياب دام 15 عاماً إنجاز سينمائى يسعدنا كثيراً والفيلم به ولاشك حالة سينمائية تحمل روح وفكر «يسرى نصرالله» إلا أننى كنت أنتظر قفزة سينمائية لم أجدها على الشاشة!!∎