
محمد جمال الدين
ملاحظات ودروس انتخابية
محمد جمال الدين روزاليوسف الأسبوعية : 10 - 12 - 2011
كالعادة حقق الشعب المصري معجزة من معجزاته التي لا تظهر إلا في وقت المحن والشدة حينما احتشد بكامل عناصره رجالا وشبابا ونساء وشابات وشيوخا وأطفالا ليشارك في المرحلة الأولي من الانتخابات لأول برلمان بعد ثورة 25 يناير دون أدني خوف من الانفلات الأمني وحالات الفوضي والبلطجة التي يمارسها البعض جهارا نهارا، وبعد أن حرمتهم النظم الاستبدادية السابقة من ممارسة حقهم في اختيار ممثليهم.
بالطبع هناك ملاحظات عديدة ودروس مستفادة من النتائج التي أفرزتها المرحلة الأولي للانتخابات، لعل القوي السياسية في مصر تحاول أن تأخذ منها العبرة والدرس لتحقق نتائج أفضل في المراحل التالية.
أولي هذه الملاحظات تمثلت في الاستخدام الزائد علي الحد والمخالف للقانون للدين والشعارات الدينية ليتحول التنافس السياسي بين أبناء الشعب الواحد إلي تنافس ديني يكرس الطائفية وانتشار الفتن وهي صورة لا يمكن أن يقبلها أحد، وللأسف الشديد حدث ذلك من قبل بعض القوي الإسلامية، ومثله أيضا حدث من قبل بعض المسيحيين سواء كان تصرفهم هذا كفعل أو كرد فعل، وهذا وذاك مرفوض لأن تأثيره علي النسيج الوطني والاجتماعي للشعب المصري سيكون مدمرا، خاصة بعد أن تم توظيف دور العبادة سواء كان جامعا أو كنيسة في مثل هذه الأمور في وقت لا تحتمل فيه مصر مثل هذه الخلافات بين أبناء الشعب الواحد والتي يزكيها بعض من لا يحبون الخير لمصر وأهلها.. فليفز من يفز وليخسر من يخسر ولكن تظل مصر هي الأبقي والأهم، لا فرق بين إسلامي أو علماني، فكلهم في النهاية إخوة في الوطن، وإذا كانت السياسة أو الانتخابات ستدمر هذه الأخوة وتفرق بين المسلم والمسيحي فنحن لا نريد هذه السياسة.
الملاحظة الثانية والتي أراها من وجهة نظري أشد خطورة، وهي بالمناسبة مرتبطة تماما بالملاحظة الأولي، والخاصة بعدم وقوف اللجنة العليا للانتخابات ضد هذه التجاوزات وضد من استغل الدين في السياسة بحجة أنه لم يأتها «أي اللجنة» شيء رسمي بهذه التجاوزات، وبالتالي لم تضطلع بالواجبات المكلفة بها حينما أهملت تطبيق القانون علي المخالفين سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين بداية من استخدام الشعارات الدينية والدعاية للمرشحين أمام اللجان حتي وصل الأمر ببعض ممثلي أحد المرشحين بمحاولة رشوة أحد القضاة لكي يساعده في التزوير وهي قضية معروضة أمام النيابة حاليا.
التجاوزات التي أغفلتها اللجنة العليا للانتخابات هي نفسها التي لم تغفلها جمعيات حقوق الإنسان، وكذلك المجلس القومي لحقوق الإنسان وبعض جمعيات المجتمع المدني التي شاركت في مراقبة انتخابات المرحلة الأولي التي رصدت بدورها التجاوزات والخلافات التي وقعت بين القوي الإسلامية نفسها بعد أن ظنت جماعة الإخوان أنها ستكون المتحدث الوحيد باسم هذا التيار، ولكن النتيجة التي حققها حزب النور في المرحلة الأولي والتنافس بين مرشحيه ومرشحي الإخوان، أفقد مرشحي الحرية والعدالة حكمتهم وظهر الخلاف علي حقيقته في توزيع «الغنائم».
أقصد المقاعد هذا الخلاف الذي وقع بين الاثنين، أعتقد أنه سيكون من وجهة نظري في صالح العملية الديمقراطية ولن يضرها، حيث سيكشف مرشحو كل تيار مخطط التيار الآخر أمام كل أعضاء المجلس.
الملاحظة الثالثة التي أثبتتها نتائج المرحلة الأولي خاصة بالأداء الضعيف، بل المتردي جدا للأحزاب التقليدية مثل الوفد والتجمع والناصري والأحرار وغيرها من الأحزاب التي نشأت بين أحضان النظام السابق التي سبق أن ارتضت أن تلعب دورا هامشيا لاستكمال الشكل الديمقراطي الذي حاول النظام السابق فرضه علينا، هذه الأحزاب لم تحقق شيئا يذكر في انتخابات هذه المرحلة، حيث اكتفي أغلب قادتها بالنضال من خلال الفضائيات بعد أن اختفي تأثيرهم علي الشارع الانتخابي، بل إنه اضمحل في الوقت الذي بسطت فيه التيارات الإسلامية يدها ونفوذها علي الشارع فعرفت ماذا يريد ووفرته له، ويكفي أن حزب الوفد أقدم الأحزاب المصرية الموجودة علي الساحة السياسية لم يعد له وجود يذكر ونال هزيمة قاسية في انتخابات هذه المرحلة، هذا تحديدا ما سبق أن حذر منه أغلب المتابعين لأداء الحزب الذي بسط عليه رئيسه «السيد البدوي» يده ليصبح الحزب وكأنه فرع في شركة من شركات «البدوي» أو مشروع في أحد مشاريعه التجارية المتعددة، مما أدي إلي تقدم أحزاب جديدة عليه رغم أنها مازالت تستكمل كوادرها حتي الآن، وهذا ما اعترف به عدد كبير من أعضاء الحزب ومن أعضاء هيئته العليا. الملاحظة الرابعة تمثلت في الأداء السيئ لبعض الفضائيات والصحف التي حاولت التأثير علي الناخبين قبل الإدلاء بأصواتهم، وهذا ما تجلي وظهر بوضوح في بعض الفضائيات التي قامت بالتخديم علي من تؤيدهم سواء كانوا من الإسلاميين أو الليبراليين رغم محاولة أغلب هذه القنوات للظهور بمظهر الحياد واتباع المهنية في سماع الرأي والرأي الآخر دون التأثير علي المشاهد، إلا أن هذا لم يحدث لأن لغة المصالح والمال هي التي تحكمت في المحتوي الذي يظهر علي الشاشة.
الملاحظة الخامسة وهي الخاصة بتشتت ائتلافات وقوي الشباب الذي فجر ثورة 25 يناير بعد أن توزعت علي أحزاب عديدة لم تتمكن من إثبات وجودها علي الساحة السياسية بعد نظرا لعدم خبرة القائمين علي هذه الأحزاب من ناحية، ولعدم استعدادها الكافي لدخول عالم السياسة ودروبها من ناحية أخري، فضاعفت الجهود والآمال التي كانوا يسعون لتحقيقها ففاز بالغنيمة أهل السياسة والعالمون ببواطن أمورها.
هذه الملاحظات التي سبق أن ذكرناها قد لا تكون شديدة الخطورة كما يراها البعض، لكنها في مجملها تنذر بالخطر إذا لم يتم تداركه، ولهذا علي الجميع أن يسعي لعدم تكرارها وعلي اللجنة العليا للانتخابات أن تتحمل مسئولياتها وألا تسمح بحدوثها مرة أخري، وكذلك علي الأحزاب التقليدية مثل الوفد وغيره من الأحزاب القديمة أن تدرس سبب النتائج المخيبة للآمال التي منيت بها لأن الانتخابات الحالية تعد فاصلة في الحياة السياسية المصرية وإلا لن تقوم لها قائمة مرة أخري، ولهذا عليهم النزول إلي الشارع كما يفعل الآخرون بدلا من التلميع الفضائي الذي يسعون إليه في الوقت الذي لا يفوت فيه غيرهم أدني فرصة للتقرب من الشارع ومعرفة احتياجاته.
إن استكمال الصورة الجيدة التي شاهدها العالم عن الانتخابات المصرية لابد أن نسعي جميعا إلي تحقيقها، وكما سبق أن قلت ليفز من يفز، المهم في النهاية الأداء الذي ستشهده قاعة مجلس الشعب الذي نتمني أن يتحقق في صورة عمل وإنتاج علي أرض الواقع.