
محمد جمال الدين
اشترِ هديتك من مصر
محمد جمال الدين روزاليوسف الأسبوعية : 21 - 05 - 2011
في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد والانخفاض الحاد في تدفق الاستثمارات الأجنبية، وكذلك الانخفاض الملحوظ في الاحتياطي المركزي بالنسبة للنقد.. لم أشعر أو أسمع شيئًا يعيد لي التفاؤل الذي افتقدته مؤخرا، فالتحذيرات المتتالية من قبل المسئولين عن المشاكل التي يمكن أن تتعرض لها مصر لا تنقطع، في الوقت الذي لم تتوقف فيه المطالب الفئوية والاعتصامات، وأضيف إليها مؤخرا العديد من أحداث الفتنة الطائفية التي يعاني منها المجتمع.
أمر واحد أعاد لي قدرا ولو بسيطا من هذا التفاؤل المفقود، وهو الخاص بالمبادرة المحترمة والجديرة بالدراسة والتعميم نظرا لأهميتها رغم بساطتها المتناهية إلا أن مدلولها كبير والتي أعلن عنها في وقت سابق الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء عندما اجتمع ومعه عدد من الوزراء مع رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف المصرية.. وهي الخاصة باتفاق أعضاء الجالية المصرية في المملكة العربية السعودية فيما بينهم علي ضرورة شراء هداياهم لذويهم وأقاربهم أثناء عودتهم لقضاء الإجازة الصيفية في وطنهم الأم من الأسواق المصرية بدلا من شرائها من الأسواق السعودية والتي تم تقديرها بأربعة ملايين دولار.. وذلك تشجيعا منهم وتدعيما للاقتصاد المصري الذي يعاني بوجه عام من العديد من التأثيرات السلبية التي بالتأكيد أثرت علي أدائه، مما أدي بدوره إلي انخفاض معدلات ومؤشرات النمو في المجتمع، وبالتالي تأثرت خطط التنمية المستهدفة التي كان من المتوقع أن تزيد معدلاتها خلال هذه الفترة من السنة لو صارت الأمور في طريقها الصحيح.
مبادرة الجالية المصرية في السعودية تحديدا أعادت لي الأمل مرة أخري في عودة الاقتصاد المصري إلي سابق عهده، وهذا ما أجمع عليه خبراء الاقتصاد، وأكده كل من له علاقة بالاقتصاد خارج مصر أيضا، دليلي علي ذلك النمو الذي حدث في الاقتصاد المصري الذي أكده تقرير المنتدي الاقتصادي العالمي في مؤشر التنافسية عن عام 2009/2010 الذي أظهر فيه تحسن مركز مصر واقتصادها بتسع نقاط، إلا أن هذا التحسن تراجع في العام الحالي لتعود مصر إلي المرتبة 81 من بين 139 دولة نظرا لانتشار الرشوة وارتفاع معدل التضخم، هذا بخلاف الأيدي العاملة غير المؤهلة تعليميا، فضلا عن تضارب السياسات الضريبية وعدم استقرار السياسات التي تمارسها الحكومة.
ورغم هذه الصعوبات إلا أن الوضع ليس سيئا، وهذا ما حرص عليه تقرير المنتدي، حيث يري أن مصر لديها العديد من مواطن القوة التي يمكن أن تدفع اقتصادها وعجلة النمو في المجتمع إلي الأمام والتي يأتي في مقدمتها اتساع حجم السوق وتنوعها، إلي جانب تمتع مصر بشبكة طرق لا بأس بها، يضاف إلي ذلك استقرار الأوضاع في البلاد بشكل عام عقب تولي المجلس العسكري إدارة البلاد، كما أن هناك طلبات عديدة علي الاستثمار في مصر، ولكن هناك تخوفا من الحالة الأمنية التي بدأ علاجها بشكل جذري حاليا.. عموما كل هذه عناصر تعد من عناصر قوة الاقتصاد المصري الذي نتمني أن يسترد عافيته حتي نخرج من فترة عنق الزجاجة التي لابد ألا تطول، خاصة أن البنية الاقتصادية لم يصبها أي سوء، وهذا يؤكد أن اقتصادنا واعد نتيجة لهذا التنوع والعمق البشري المهم لأي اقتصاد.
ولكن الخوف كل الخوف، ورغم حالة الاستقرار النسبي وظهور العديد من مؤشرات مواطن القوة إلا أن وضع سوق العمل مازال يزيد القلق، خاصة أن الاعتصامات المقترنة بالمطالب الفئوية مازالت مستمرة وتلقي بظلالها علي المجتمع في جميع القطاعات التي حرص كل مسئول في مصر علي التأكيد علي أنها مطالب مشروعة ويجب تحقيقها لأنها جميعا مطالب متعلقة بتحسين مستويات المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية التي لم تتحقق في الفترة الماضية.. ورغم مشروعية هذه المطالب، وبصراحة وبدون لف أو دوران، فإنه يجب علي الجميع الآن وليس غدا تحكيم العقل والهدوء والتوقف بسرعة ودون إبطاء عن التظاهر والاعتصامات والتركيز في العمل والإنتاج في جميع مؤسساتنا.. فمن خلال العمل والإنتاج ستتحقق المطالب المشروعة التي افتقدها الجميع في وقت سابق، لأنه لو استمر الحال علي ما هو عليه الآن فلن يكون هناك تحقيق لأي شيء وسنعاني جميعا من سوءات انهيار اقتصادنا.. ويكفي أن نعلم أن البنك المركزي يفقد ثلاثة مليارات دولار شهريا من جراء توقف الإنتاج، بالإضافة إلي تدمير قطاع كامل مثل السياحة وما يرتبط بهذا القطاع من قطاعات أخري تقدم له خدمات سواء مباشرة أو غير مباشرة. وبما أن الإنسان المصري يظهر معدنه الحقيقي وقت الشدائد، فإنني أعتقد أنه لن يمر علي مجتمعنا شدة أكثر مما نعانيها الآن، فمن انفلات أمني إلي تدهور في الاقتصاد مرورا بظهور نعرات طائفية متزايدة لم يشهدها مجتمعنا من قبل، فإن معدن المصري الأصيل سيظهر جليا في هذه الفترة بالذات، وسيعمل الجميع علي استعادة دوره المفقود الذي سيعود بالتبعية علي دور بلاده الذي لا يستطيع أن ينكره إلا جاحد، فكما أعطي هذا الوطن لأبنائه فعليهم أيضا أن يقفوا إلي جواره عندما يحتاجهم.
ولهذا أطالب ليس فقط الجالية المصرية في السعودية، وإنما جميع المصريين سواء في الخارج أو الداخل بأن يحذوا حذو أبناء مصر في السعودية، وأنا علي يقين بأنهم لن يتأخروا عن تلبية نداء الوطن، فهذه المبادرات أو ما سيتبعها من مبادرات تعد جهودا لابد من الإشادة بها وبمن فكر فيها لأن مصر تنتظر الكثير، وهي بالفعل تستحق ذلك حتي إن كانت البداية بأربعة ملايين دولار.