
هناء فتحى
كلام على ورق.. مقايضة ذنوب الجسد ببراءة القلوب
فى المسافة الفاصلة ما بين ميلاد الروح وبين إزهاقها، وما بين وهج الحب وبين تبديده، وما بين رحابة الصحارى الناعمة اللانهائية وبين ضيق الصدر والوجع المعربد فيه تدور أحداث مسلسل «كلام على ورق» تحديداً فى تلك المسافة المرتبكة بين متضادين - بشخوصه الاستثنائية العصية المرسومة جميعاً بدقة مذهلة.
الشخوص التى تتحرك على الشاشة أمامنا وكأنها تطفو عائمة فى الغيوم التى فى الأعالى فلا هى لامست أرضاً ولا اتكأت على حقيقة، لهذا يبدو المسلسل منذ الوهلة الأولى والمشهد الأول متشبهاً باللوحة وبالقصيدة وبالقص الغرائبى أكثر منه اقتراباً من الشكل الدرامى التليفزيونى الذى ألفناه. إنه المخرج «محمد سامى» إذن نعم.. وإنها «هيفاء وهبى» كذلك فعلاً وبكل تأكيد.. ومعهما ورشة الكتابة الذين أبدعوا صياغة القصة والسيناريو والحوار.
في حكايا القص الشعبى الموغل فى الزمان القديم أو حتى الحديث تتخلق فى حكاياته وعلى أفواه رواته بعض النسوة. نسوة من نسيج خاص.. لهن ملمح وطابع وشكل استثنائى ويؤثرن بشدة فى أحداث زمانهن وفى الرجال، وهذا قدرهن ولا حيلة لهن فيه، نساء مثل «شهر زاد» و«مارلين مونرو» و«هيفاء وهبى» مثلاً يعنى نسوة يجمعن رجاحة العقل وحلاوة الروح وتضاريس الأنثى كما ينبغى أن تكون.
فى هذا المسلسل تبدو هيفاء وهبى مختلفة - فنانة جامدة - هى البطلة وهى رواية الأحداث فى المسلسل - ومعها آخرون يقومون بدور الرأى أيضاً - واستطاعت هيفاء وهبى بسهولة أن تطوع طبقات صوتها ومخارج ألفاظها دون أخطاء نحوية ولا لغوية وضبطت لهجتها المصرية، واستطاعت أن تتنازل وبسهولة عن دلع وعذوبة وأنوثة صوتها القديم الذي صدرته لنا طويلاً ولم نسمع منها سواه - غناء أوحديثاً - تماماً مثلما كانت «مارلين مونرو» تفعل قبل أن تلتقى وتتزوج الكاتب الأمريكى الأشهر «آرثر ميلر» وقبل أن تصبح أيضاً فنانة جامدة جداً وليست مجرد حيوان جميل كما كانوا يطلقون عليها فى بداية مشوارها الفنى.. وأيضاً كما فعلت شهر زاد مع شهريار وفى أحداث الليالى1001.
من شاهد العام الماضى مسلسل «حكاية حياة» كان يتناول علاقات زنا المحارم، وفى «كلام على ورق» يخوض المخرج ومعه كتاب القصة علاقات الحب الحرام والدعارة، تلك العوالم التى لا يصلح معالجتها درامياً بالصورة التقليدية بل بأدوات فنية بليغة تنتصر فيها الصورة الحلوة والكادر البديع على رداءة الواقع، وتنتصر فيها اللغة الأدبية الأقرب للشعر على قاموس الشخصيات المنحطة فى المسلسل، وينتصر فيها الضعف الإنسانى بعذابات ومصائر الأبطال على واضعى وكل منظرى الأخلاق والفلسفات وأصحاب ومحتكرى الحقيقة المطلقة.
ملحوظة: أردت أن أسجل إعجابى الشديد بالفنان «أحمد زاهر» فى أدائه المبهر لدور - فرج - دور يجمع فى ضفيرة محكمة بين المجذوب والمجرم فى جسد واحد، أظن أن الفنان «أحمد زاهر» سوف يحصل بآدائه البديع المحسوبة خلجاته وانفالاته وهمساته وصرخاته - واستعباطاته - أيضاً بدقة بالغة، سوف يحصل على أفضل ممثل لأفضل عمل لأفضل مخرج، وأظن أن مسلسل «السبع وصايا» أيضاً سوف يحوز على ذات المكانة والتقدير داخل سباق دراما رمضان 2014.