هيكل بين الدراويش والخصوم.. الحكم للتاريخ
ابتسام عبد الفتاح
أثارت «الرسالة الجامعية»، التى (انفردت روزاليوسف) بنشرها، الأسبوع الماضى، حول الأخطاء التاريخية بكتابات ومؤلفات الكاتب الشهير «محمد حسنين هيكل» حالة ساخنة من الجدل بين مؤيد ومعارض. هل كتب هيكل التاريخ بحيادية؟ هل ما كتبه هيكل يعد تأريخا؟
لماذا احتفظ هيكل بكل هذا التناقض، بين ناصريين ودراويش، يبجلون الرجل، ويعدون كتبه الفيصل الحاسم فى فهم قضايا المنطقة العربية، وسجلا مهما لتاريخ مصر.
وبين خصوم، أو معارضين للسياسة الناصرية، لا يرون فيما كتبه هيكل سوى «وجهة نظر» تحتمل الخطأ كما تحتمل الصواب. وأنه انحاز، وتغافل، ومحا وقائع بعينها، وأنه فى كل هذا لم يكن أبدا مؤرخا، ولم يدع ذلك، وإن تعامل الجميع معه بوصفه مؤرخا.
الموقف الوحيد الذى يجدر تبنيه فى هذه اللحظة، أن كتابات محمد حسنين هيكل، هى تاريخ، وللتاريخ. وأنها ملك للجميع، من حق أى باحث، فى أى مجال، الرجوع إليها بوصفها «مراجع» ليست دليلا قاطعا على الأحداث. لكنها تساعد على الفهم، وتمرير الأحكام.
الكاتب والأديب يوسف القعيد اعتبر الأمر «هراءً»، «كلام ليس دقيق وغير صحيح على الإطلاق». لقد عد القعيد فى تعليقه لروزاليوسف الرسالة الجامعية المحكمة مجرد «أقاويل وادعاءات»، لا يهم الانشغال بإثبات صحتها من عدمه. يقتنع القعيد بأنه بعد وفاة هيكل «هناك كثيرون احترفوا الهجوم على هيكل». أما هو - أى هيكل - فما يزال «حيا ومؤثرا فى المشهد الشعبى المصري».
لا يبدو من كلام القعيد اطلاعه على الدراسة، لكنه عاد ليقول إن من حق باحث التاريخ، دراسة مدى «التوثيق» فى كتابات هيكل، على أن يكون الحكم بعدم استناد هيكل للتوثيق، مستندًا إلى أدوات علمية بحتة.
الكاتب والسياسى الناصرى أمين إسكندر قال إن هيكل نفسه لم يكن يرى فى نفسه مؤرخا. وإن ما كان يقوم به هو «تقديم قراءة للأحداث التى عاشها بنفسه، وكان قريبا منها». ومن وجهة نظر اسكندر، فإن هيكل لم يكن يقرب موضوعا أو حدثا فى التاريخ، إلا الذى امتلك بخصوصه وثائق ومستندات تدعم أقاويله أو رؤيته. يقول اسكندر: «كتابات محمد حسنين هيكل قراءة للأحداث من منظوره، بالتالى لا يجوز لباحث أن يستنتج أن كتابات هيكل ليست تاريخًا لأن هيكل لم يكن يعتبر نفسه مؤرخا ولم يصرح بأنه مؤرخ، ونسبة التوثيق تتوقف على كون الكاتب مؤرخًا أم لا، فالمؤرخ هو الذى يعتمد على الوثائق، أما غير المؤرخ فليس مجبرا على تقديم وثائق».
المؤكد بحسب أمين اسكندر أن هيكل استطاع أن يقدم رؤيته للأحداث من خلال مشاركته فيها ومذكراته عنها، وما تحصل عليه من وثائق تفيد رؤيته، بينما رؤية الباحث فى رسالته، واستنتاجاته، لا تستند إلى وثائق! فى النهاية؛ يقول اسكندر، رأى الباحث ورأى هيكل «مجرد رؤى ووجهات نظر».
أما بخصوص ما زعمته الرسالة الجامعية من أن عبد الناصر وهيكل لم يلتقيا سوى مرة واحدة قبل ثورة يوليو 52، فيكذب أمين إسكندر هذا الادعاء، ويحكى فى تعليقه لـ«روزاليوسف» أن الرجلين تقابلا أكثر من مرة، مرات هامشية رآها هيكل فيما بعد أنها ذات أهمية فذكرها مؤخرا. وعلى أية حال، تظل كتابات هيكل «جزءًا مهمًا من المكتبة العربية والسياسية»، و«مكونًا أصيلاً لفهم قضايا المنطقة».
للكاتب أحمد الجمال رأى آخر، يقول: كل ما كتبه هيكل ونشر فى كتاب يصبح فى عرف التاريخ «مرجعًا». وبالتالى من حق الباحثين فى مختلف مجالات العلوم المتصلة بموضوع الكتاب سواء تاريخ أو سياسة أو اقتصاد أو إعلام أو اجتماع، العودة لكتابات هيكل كمرجع، ومناقشة ما جاء فيها، على أسس المنهج العلمى للبحث الأكاديمى.
فى اعتقاد الجمال، أن فى بعض كتابات هيكل، بعض المغالطات التاريخية، وأن هذا أمر طبيعى، أن تختلط الأوراق على مؤرخ ما، أو أن يتعمد إخفاء وقائع بعينها، وهو ما فعله هيكل عدة مرات. انتقاد هيكل فى وجهة نظر الجمال لا علاقة له بوجود الكاتب على قيد الحياة أو موته. ويعلق: تكلم هيكل بكثير من الجمل الخبرية التى تحتمل الصدق والكذب.
الدكتور عاصم الدسوقى، المؤرخ وأستاذ التاريخ، يرى أن هيكل محرر صحفى وليس مؤرخا، وافتراض البحث الأكاديمى باستطلاع صورة مصر وتحليل التاريخ المصرى فى كتابات هيكل، افتراض مغالط من البدء. يقول الدسوقى إن التاريخ الذى كتبه هيكل، هو «وقائع منسوبة لأصحابها». لذلك يصلح الاستناد إلى كتابات هيكل بوصفها «مصادر للدراسة».
أمر طبيعى، من وجهة نظر عاصم الدسوقى أن تحتوى كتابات «كاتب صحفي» أخطاءً، لذلك فالوعى مهم بأن ما قدمه هيكل من كتابات فى التاريخ، هى كتابات صحفى، وليس مؤرخا، بالتالى لا تستوجب دراسة كتاباته الاستناد إلى منظور الكتابة التاريخية، وأدواتها. «هيكل كان ينقل خبرا ولا يكتب تاريخا» يقول د. الدسوقى وهو يتذكر فى هذا السياق، مقاله بالأهرام الذى أغضب هيكل وقتها، وكان عنوانه «هيكل وكتابة التاريخ خارج المنهج». وفيه فند تحليلاته بخصوص كتابات هيكل بأنها «التاريخ من موضع السلطة».







