الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عباس محمود العقاد 59 عامًا على رحيل صاحب (العبقريات)

يحمل شهر مارس.. ذكرى رحيل واحد من عمالقة الأدب.. متفرد فى مشوار حياته وأعماله.. ولذلك استحق أن تكون سيرته متعاقبة بين الأجيال ليس فى مصر فقط ولكن فى الوطن العربى كله.. إنه الأديب الكبير عباس محمود العقاد الذى يأتى يوم 12 مارس هذا العام ليحمل الذكرى الـ59 على رحيله.



ورغم رحيل الجسد.. إلا أن استثنائية (العقاد) تجبرنا دومًا على أن نتذكر سيرته الشخصية والأدبية لما فيها من أحداث مختلفة فى كل شىء، وُلِدَ عباس محمود العقاد فى يوم الجمعة الموافق 28 من يونيو عام 1889، ونشأ فى أسرة كريمة، وتلقى تعليمه الابتدائى بمدرسة أسوان الأميرية، وحصل منها على الشهادة الابتدائية سنة 1903 وهو فى الرابعة عشرة من عمره.

 مجلس الشيخ الجداوى

 وفى أثناء دراسته كان يتردد مع أبيه على مجلس الشيخ أحمد الجداوى، وهو من علماء الأزهر الذين لزموا جمال الدين الأفغانى، وكان مجلسه مجلس أدب وعلم، فأحب الفتى الصغير القراءة والاطلاع، فكان مما قرأه فى هذه الفترة «المُسْتَطْرَف فى كل فن مستظرف» للأبشيهى، و«قصص ألف ليلة وليلة»، وديوان البهاء زهير وغيرها، وصادف هذا هوى فى نفسه، ما زاد إقباله على مطالعة الكتب العربية والإفرنجية، وبدأ فى نظم الشعر.

ولم يكمل العقاد تعليمه بعد حصوله على الشهادة الابتدائية، بل عمل موظفًا فى الحكومة بمدينة قنا سنة 1905، ثم نُقِلَ إلى الزقازيق سنة 1907، وعمل فى القسم المالى بمديرية الشرقية، وفى هذه السنة توفى أبوه، فانتقل إلى القاهرة واستقر بها. 

 ترك الوظيفة

ضاق عباس محمود العقاد بحياة الوظيفة وقيودها، ولم يكن له أمل فى الحياة غير صناعة القلم، وهذه الصناعة ميدانها الصحافة، فاتجه إليها، وكان أول اتصاله بها فى سنة 1907، حين عمل مع محمد فريد وجدى فى جريدة الدستور اليومية التى كان يصدرها، وتحمل معه أعباء التحرير والترجمة والتصحيح من العدد الأول حتى العدد الأخير، فلم يكن معهما أحد يساعدهما فى التحرير، وبعد توقف الجريدة عاد العقاد سنة1912 إلى الوظيفة بديوان الأوقاف، لكنه ضاق بها أيضًا، فتركها، واشترك فى تحرير جريدة المؤيد التى كان يصدرها الشيخ على يوسف.

سرعان ما اصطدم بسياسة الجريدة، التى كانت تؤيد الخديوى عباس حلمى، فتركها وعمل بالتدريس فترة مع الكاتب الكبير إبراهيم عبدالقادر المازنى، ثم عاد إلى الاشتغال بالصحافة فى جريدة الأهالى سنة 1917، وكانت تَصْدُر بالإسكندرية، ثم تركها وعمل بجريدة الأهرام سنة 1919، واشتغل بالحركة الوطنية بعد ثورة 1919، وصار من كُتَّابها الكبار مدافعًا عن حقوق الوطن فى الحرية والاستقلال، وأصبح الكاتب الأول لحزب الوفد، المدافع عنه أمام خصومه من الأحزاب الأخرى.

 معارك العقاد

ودخل العقاد فى معارك حامية مع منتقدى سعد زغلول زعيم الأمة حول سياسة المفاوضات مع الإنجليز بعد الثورة. وبعد فترة انتقل للعمل مع عبدالقادر حمزة سنة 1923 فى جريدة البلاغ، وارتبط اسمه بتلك الجريدة، وملحقها الأدبى الأسبوعى لسنوات طويلة، ولمع اسمه، وذاع صيته وانتُخب عضوًا بمجلس النواب، ولن يَنسى له التاريخ وقفته الشجاعة حين أراد الملك فؤاد إسقاط عبارتين من الدستور، تنص إحداهما على أن الأمة مصدر السلطات، والأخرى أن الوزارة مسئولة أمام البرلمان، فارتفع صوت العقاد من تحت قبة البرلمان على رؤوس الأشهاد من أعضائه قائلا: «إن الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس فى البلاد يخون الدستور ولا يصونه»، وقد كلفته هذه الكلمة الشجاعة تسعة أشهر من السجن سنة 1930 بتهمة العيب فى الذات الملكية. 

وظل عباس محمود العقاد منتميًا لحزب الوفد حتى اصطدم بسياسته تحت زعامة مصطفى النحاس باشا فى سنة 1935، فانسحب من العمل السياسى، وبدأ نشاطُه الصحفى يقل بالتدريج وينتقل إلى مجال التأليف، وإن كانت مساهماته بالمقالات لم تنقطع إلى الصحف، فشارك فى تحرير صحف روزاليوسف، والهلال، وأخبار اليوم، ومجلة الأزهر. 

 حب القراءة

وعُرف العقاد منذ صغره بنهمه الشديد فى القراءة، وإنفاقه الساعات الطوال فى البحث والدرس، وقدرته الفائقة على الفهم والاستيعاب، وشملت قراءاته الأدب العربى والآداب العالمية فلم ينقطع يومًا عن الاتصال بهما، لا يحوله مانع عن قراءة عيونهما ومتابعة الجديد الذى يصدر منهما، وبلغ من شغفه بالقراءة أنه يطالع كتبًا كثيرة لا ينوى الكتابة فى موضوعاتها حتى إن أديبًا زاره يومًا، فوجد على مكتبه بعض المجلدات عن غرائز الحشرات وسلوكها، فسأله عنها، فأجابه بأنه يقرأ ذلك توسيعًا لنهمه وإدراكه، حتى ينفذ إلى بواطن الطبائع وأصولها الأولى، ويقيس عليها دنيا الناس والسياسة. 

 مؤلفاته الأدبية

وكتب عباس محمود العقاد عشرات الكتب فى موضوعات مختلفة، فكتب فى الأدب والتاريخ والاجتماع مثل: مطالعات فى الكتب والحياة، ومراجعات فى الأدب والفنون، وأشتات مجتمعة فى اللغة والأدب، وساعات بين الكتب، وعقائد المفكرين فى القرن العشرين، وجحا الضاحك المضحك، وبين الكتب والناس، والفصول، واليد القوية فى مصر. ووضع فى الدراسات النقدية واللغوية مؤلفات كثيرة، أشهرها كتاب «الديوان فى النقد والأدب» بالاشتراك مع المازنى، وأصبح اسم الكتاب عنوانًا على مدرسة شعرية عُرفت بمدرسة الديوان، وكتاب «ابن الرومى حياته من شعره»، وشعراء مصر وبيئاتهم فى الجيل الماضى، ورجعة أبى العلاء، وأبو نواس الحسن بن هانئ، واللغة الشاعرية، والتعريف بشكسبير. 

كتب سياسية

وله فى السياسة عدة كتب يأتى فى مقدمتها: «الحكم المطلق فى القرن العشرين»، و«هتلر فى الميزان»، وأفيون الشعوب»، و«فلاسفة الحكم فى العصر الحديث»، و«الشيوعية والإسلام»، و«النازية والأديان»، و«لا شيوعية ولا استعمار». وهو فى هذه الكتب يحارب الشيوعية والنظم الاستبدادية، ويمجد الديمقراطية التى تكفل حرية الفرد، الذى يشعر بأنه صاحب رأى فى حكومة بلاده، وبغير ذلك لا تتحقق له مزية، وهو يُعِدُّ الشيوعية مذهبًا هدَّامًا يقضى على جهود الإنسانية فى تاريخها القديم والحديث، ولا سيما الجهود التى بذلها الإنسان للارتفاع بنفسه من الإباحية الحيوانية إلى مرتبة المخلوق الذى يعرف حرية الفكر وحرية الضمير. 

وله تراجم عميقة لأعلام من الشرق والغرب، مثل «سعد زغلول، وغاندى وبنيامين فرانكلين، ومحمد على جناح، وعبدالرحمن الكواكبى، وابن رشد، والفارابى، ومحمد عبده، وبرناردشو، والشيخ الرئيس ابن سينا». وأسهم فى الترجمة عن الإنجليزية بكتابين هما «عرائس وشياطين، وألوان من القصة القصيرة فى الأدب الأمريكي».

 عبقريات العقاد

وتجاوزت مؤلفات العقاد فى الدين الإسلامى أربعين كتابًا، شملت جوانب مختلفة من الثقافة الإسلامية، فتناول أعلام الإسلام فى كتب ذائعة، عرف كثير منها باسم العبقريات، استهلها بعبقرية محمد، ثم توالت باقى السلسلة التى ضمت عبقرية الصديق، وعبقرية عمر، وعبقرية على، وعبقرية خالد، وداعى السماء بلال، وذو النورين عثمان، والصديقة بنت الصديق، وأبو الشهداء وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبى سفيان، وفاطمة الزهراء والفاطميون.

وهو فى هذه الكتب لا يهتم بسرد الحوادث، وترتيب الوقائع، وإنما يعنى برسم صورة للشخصية تُعرِّفنا به، وتجلو لنا خلائقه وبواعث أعماله، مثلما تجلو الصورة ملامح من تراه بالعين. وقد ذاعت عبقرياته واشتُهرت بين الناس، وكان بعضها موضوع دراسة الطلاب فى المدارس الثانوية فى مصر، وحظيت من التقدير والاحتفاء بما لم تحظ به كتب العقاد الأخرى. وألَّف العقاد فى مجال الدفاع عن الإسلام عدة كتب، يأتى فى مقدمتها: حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، والفلسفة القرآنية، والتفكير فريضة إسلامية، ومطلع النور، والديمقراطية فى الإسلام، والإنسان فى القرآن الكريم، والإسلام فى القرن العشرين وما يقال عن الإسلام. 

العقاد شاعرًا

ولم يكن عباس محمود العقاد كاتبًا فذًا وباحثًا دؤوبًا ومفكرًا عميقًا، ومؤرخًا دقيقًا فحسب، بل كان شاعرًا مجددًا، له عشرة دواوين، هى: يقظة الصباح، ووهج الظهيرة، وأشباح الأصيل، وأعاصير مغرب، وبعد الأعاصير، وأشجان الليل، ووحى الأربعين، وهدية الكروان، وعابر سبيل، وديوان من دواوين، وهذه الدواوين العشرة هى ثمرة ما يزيد على خمسين عامًا من التجربة الشعرية. ومن أطرف دواوين العقاد ديوانه «عابر سبيل» أراد به أن يبتدع طريقة فى الشعر العربى، ولا يجعل الشعر مقصورًا على غرض دون غرض، فأمور الحياة كلها تصلح موضوعًا للشعر.

 صالون العقاد

اخْتير العقاد عضوًا فى مجمع اللغة العربية بمصر سنة 1940 فهو من الرعيل الأول من أبناء المجمع، واخْتير عضوًا مراسلًا فى مجمع اللغة العربية بدمشق، ونظيره فى العراق، وحصل على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب سنة 1959، وتُرجمت بعض كتبه إلى اللغات الأخرى، واشْتُهر العقاد بصالونه الأدبى الذى كان يعقد فى صباح كل جمعة، يؤمه تلامذته ومحبوه، يلتقون حول أساتذتهم، ويعرضون لمسائل من العلم والأدب والتاريخ دون الإعداد لها أو ترتيب، وإنما كانت تُطْرح بينهم ويُدلى كل منهم بدلوه، وعن هذه الجلسات الشهيرة أخرج الأستاذ أنيس منصور كتابه البديع «فى صالون العقاد». 

ظل عباس محمود العقاد عظيم الإنتاج، لا يمر عام دون أن يسهم فيه بكتاب أو عدة كتب، حتى تجاوزت كتُبُه مائةَ كتاب، بالإضافة إلى مقالاته العديدة التى تبلغ الآلاف فى بطون الصحف والدوريات، ووقف حياته كلها على خدمة الفكر الأدبى حتى رحل فى 12 مارس من عام 1964.