الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من أوراق روزاليوسف

«من أوراق روزاليوسف» باب جديد نقدم من خلاله أبرز وأهم المقالات والتحقيقات الصحفية التى نشرت على صفحات مجلة «روزاليوسف» على مدار أكثر من 98 عامًا.



ولن نجد أبلغ مما كتبت السيدة العظيمة «فاطمة اليوسف» وهى تصف المجلة قائلة: إن حياتى كلها فى هذه الصفحات التى تؤلف مجموعة «روزاليوسف» خلال ثلاثين عامًا ..

أرى نفسى فى كل هذه الصفحات ثائرة لم أكف أبدًا عن الثورة ولم أسترح أبدًا ولا أظن أنى تمنيت يومًا الراحة أو سعيت لها ..

والقصة ليست قصتى.. إنها قصة مصر منعكسة على الصفحات لم تضطهد مصر يومًا إلا واضطهدت «روزاليوسف» ولم تثر مصر إلا ومهدت لثورتها «روزاليوسف» .. إنه التاريخ نفسه سجلته الأقلام على هذه الصفحات.

 

(فاطمة اليوسف)..

 

 

«الوطن» أولا..

لم نجد أجمل من أن نفتتح هذا الباب بأن ننشر مقالا للسيدة صاحبة الفضل الكبير على مؤسسة «روزاليوسف» من يوم صدورها حتى يومنا هذا.

بل لن نبالغ إذا قلنا إن فضل تلك السيدة العظيمة لم يكن على مؤسستنا فقط ولكن فضلها أيضا على الصحافة المصرية والعربية على حد سواء.

حيث قدمت «روزاليوسف» إلى بلاط صاحبة الجلالة الكثير من الكتاب والأدباء فى كل فروع العمل الصحفى. ابتداءً من كتابة المقالات والتحقيقات الصحفية وحتى الروايات والقصص القصيرة ورسامى الكاريكاتير والشعراء والمصورين، فإذا بحثت ودققت البحث فإنك لن تجد فرعا من فروع العمل الصحفى إلا وقدمت المجلة العديد من الأسماء اللامعة الذين أبدعوا وتميزوا وانطلقوا من خلال صفحات «روزاليوسف».

حتى أطلق عليها المبدعون والقراء لقب مدرسة روزاليوسف الصحفية من كثرة المبدعين الذين تخرجوا فى أروقة مجلتها. 

وإذا كانت «روزاليوسف» هى المدرسة فإن «فاطمة اليوسف» هى بحق «ناظرة» المدرسة الصحفية العريقة.

هذه السيدة التى انطلقت بحلمها فى زمن كان لا يعترف بدور المرأة فى العمل والقدرة على التميز بل والتفوق على الرجل أحيانا. تلك السيدة التى كانت لها معاركها الخاصة سواء على المستوى الاجتماعى أو على المستوى السياسى والتى استطاعت أن تثبت نجاحها وتفوقها.

وبالرغم من صدام «فاطمة اليوسف» المتكرر ومعاركها التى لم تنتهِ مع الحكومة آنذاك، فإنها كانت صاحبة مواقف وطنية نبيلة وكانت دائما ما تغلب مصلحة الوطن على أى مصلحة أخرى.

والأدلة على ذلك كثيرة وعلى سبيل المثال مقالها فى هذا العدد.

فما أشبه اليوم بالبارحة، ففى منتصف 1940 وكانت وقتها الحرب العالمية الثانية على أشدها وكان الوضع الاقتصادى فى العالم كله أشبه بالوضع الاقتصادى فى أيامنا هذه.

فكانت مصر تعانى وقتها من أزمة اقتصادية طاحنة وكانت البطالة منتشرة بشكل كبير جراء تلك الحرب وبالرغم من معارضة السيدة العظيمة للحكومة فى تلك الفترة ومشاغبتها الصحفية العديدة مع الحكومة، فإنها لم تجد غضاضة أبدا فى أن تطلق صيحة نداء من خلال مجلتها الكبيرة إلى مجلس النواب آنذاك وإلى جموع الشعب المصرى بتقديم التضحيات سواء بالأبناء أو بالمال والوقوف إلى جانب الوطن حتى نستطيع أن نعبر المحنة وأن نخرج ببلادنا من تلك الأزمة.

وإلى نص المقال الذى يجسد بحق أحد مبادئ سيدة الصحافة الأولى وأحد مبادئ مؤسساتها والتى نحيا عليها حتى يومنا هذا.

 

مصر تنادى فلنجب نداءها بالروح والمال

فى ثلاث ساعات مَر فى البرلمان البريطانى قانون يجعل عمل الفرد ورأس ماله، وربحه، وحياته وكل شيء فى الدولة، ملكًا للدولة تتصرف فيه كيف تشاء. مَرَّ هذا القانون فى ثلاث ساعات، فلم يرتفع لمعارضته صوت، ولم تقم فى سبيله عُثرة، ونسى العامل البريطانى فى سبيل بلاده دلاله وراحته، ونسى المالك البريطانى جاهه ورفاهيته، وجاد الكل بالكل، فتألبت فى هذا الزمن القصير، قوى الفرد والجماعة طواعية واختيارًا، لحماية الوطن من نوازع الشر والسوء.

 

ما أحوجنا فى مصر المهددة بالخطر فى كل لحظة، إلى قبس من هذا اللظا الوطنى المشبوب، ليصهر الثروات المكنوزة فى الخزائن، بلا عمل فتصليها سعيرًا على الباغين! فى نطاق ميزانيتنا المحدودة، فعلت الوزارة الحاضرة ما يمكن أن يُعد فوق طاقة البشر لتخلق جيشًا من غير شيء، ولتحيط البلاد بسلسلة من الحديد والنار، ولكن من حق هذا الوطن، فى مثل ظروفه الحالية الحرجة، أن يطلب من بنيه تضحيات أكثر، وإنكارًا للذات، بهز الشجر المُحمل بالثمر فى هذه البلاد، لقد عرضت الحكومة فى الأسبوع الماضى على مجلس الشيوخ قانونًا يفرض ضريبة جديدة للدفاع الوطنى على أصحاب الثروات، توازى واحدًا فى المائة من مجموع الضرائب الحالية التى يدفعها هؤلاء، وعلى جلال الطالب، وهوان المطلوب، فقد ظل القانون أسبوعين حتى ووفق عليه فى مجلس الشيوخ.

إنا نعتقد اعتقادًا لا ريب فيه، أنه ليس الحرص على المال ما كان سببًا فى بطء سير هذا القانون، وإنما هو الظن فى أن الخطر مازال بعيدًا عن الأبواب، فأما وقد أصبح هذا التفاؤل تحت صوت المطارق الحاضرة لا محل له، فإنا نربأ بأى مصرى أن يضع أمام مصر فى الميزان أقل من آخر قرش فى جيبه، وآخر قطرة من دمه، وأسمى أمل من آماله فى الحرية والمجد والحياة، إنا نتوسل إلى الله ألا يُلجئنا إلى إجراءات أكثر من الإجراءات العادية فى مواجهة الظروف الحاضرة، ولكنا مع ذلك نرجو أن يكون لنا من أنفسنا وازع وطنى،لا علاقة له بالضرائب والقوانين، وازع يجعل كلامنا جديرًا بالوطن الذى له سفير فى كل ذرة من ذرات جسمه العريض الطويل.

زعموا أن ثلاث سمكات أدركهن الصياد فى غدير، فوثبت أكيسهن من الغدير قبل أن يدركها الشرك فنجت من الخطر، وتماوتت الأخرى حين وقعت فى الشرك فرماها الصياد، وأما الثالثة فلم تعمل عملاً، ولم تحتل حيلة، فكان مصيرها النار، فهلا أيقظتنا النذر..؟! وهلا وعظتنا الحوادث؟!

ما قيمة الحال، وما قيمة الجاه، وما قيمة المتاع والضياع، وما قيمة الحياة نفسها، إذ لا قدر الله وجد العدو الطاغية منفذًا من شحنا واتكالنا، إلى هذه البلاد!! مصر تنادى،فلنجب نداءها - وفى الوقت متسع- بالمال والبنين، والروح والحياة، مصر تنادى،فلا كنا، ولا كان النيل، إن ذهب نداؤها هباءً.

«روزاليوسف» أول يونيه 1940