الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المؤشر العالمى للفتوى بالإفتاء يحلل 400 ألف فتوى فى 23 دولة عربية وأجنبية قضايا الشباب فتاوى «الإلحاد» و«الانتحار» فى صدارة الخطاب الإفتائى على مدار عام

أصدر المؤشر العالمى للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم «تقريره السنوى لعام 2022م»، والذى خرج فى (200 صفحة) تحت عنوان: «اجتهادٌ إفتائى فى القضايا المستجدة وتصدٍّ حثيث للتطرف»، كشف فيه سيطرة القضايا الاجتماعية على مستجدات الخطاب الإفتائى عربيًّا بنسبة بلغت (48%)، والتى جاءت نتيجة لظواهر داهمت تلك المجتمعات كالانتحار والإلحاد وإدمان المخدرات والمثلية الجنسية والهجرة غير المشروعة، وتفشى عدد من ظواهر العنف ضد المرأة التى وصلت حد القتل، مشيرًا إلى أن هذه القضايا ألقت الضوء على أهمية الاستباق الإفتائى للحدث، والذى يتحقق بتوثيق عُرى التعاون مع المؤسسات الاجتماعية لعلاج تلك الظواهر.



وفى الوقت نفسه لفت مؤشر الفتوى النظر إلى حضور المستجدات الطبية والاقتصادية والتكنولوجية بقوة خلال العام، فالقضايا الطبية الحديثة مثل التبرع بالأعضاء ونقلها وزراعتها جاءت بنسبة (13 %) عربيًّا، وبنسبة (12 %) جاءت القضايا المرتبطة بدعم الاقتصادات الوطنية والمعاملات البنكية الحديثة، ورغم أهمية المستجدات التكنولوجية؛ فإنها جاءت بنسبة (10 %) عربيًّا لتدق ناقوس الخطر على أهمية منحها مزيدًا من الاهتمام الإفتائى.

وقد قام برصد وتحليل ما يقرب من 400 ألف فتوى متنوعة المصادر فى 23 دولــــــة عربية وأجنبية خلال العام، بالإضافة إلى رصد فتاوى الجماعات والتنظيمات المتطرفة.

واعتمد المؤشر فى العينة المرصودة على (500) دار إفتاء وهيئات رسمية (عربية وأجنبية) ومراكز وهيئات إسلامية رسمية وغير رسمية، و(1500) موقع متخصص فى الفتاوى، و(2000) صحيفة وموقع إخبارى تنشر فتاوى، و(100) قناة تليفزيونية تتضمن برامج إفتائية، فضلًا عن (20.000) حساب على مواقع التواصل الاجتماعى، بالإضافة إلى محرك بحث المؤشر وبعض الإصدارات المرئية. إلخ.

 أبرز القضايا الإفتائية عربيًّا 

وأوضح مؤشر الفتوى فى قسمه الأول أنه قام بتحليل 7 قضايا إفتائية رئيسية، وخرج بعدة استنتاجات وتحليلات أهمها تصدر فتاوى الزواج والطلاق جملة القضايا الإفتائية لعام 2022م بنسبة بلغت (23 %) على المستويين الرسمى وغير الرسمى، وكان أغلبها فى المعتاد حول أسئلة الزواج والطلاق بالإضافة إلى الأسئلة المتعلقة بـ«زواج التجربة»، و«زواج المحلل»، و«تعدد الزوجات»، و«زواج القاصرات»، وموضوع «تحديد أو تنظيم النسل».

وقد توصل مؤشر الفتوى إلى أن (60 %) من فتاوى الطلاق فى الدول العربية صدرت عن مؤسسات وهيئات الفتوى الرسمية؛ وبرّر ذلك بامتلاك تلك المؤسسات رصيدًا من الخبرة، واستحداث وسائل جديدة كالإرشاد والتوعية كطريق للعلاج بجانب الفتوى، مما أهلها لكى تكون القِبلة الآمنة للمستفتى.

وأوضح مؤشر الفتوى أن فتاوى المرأة جاءت فى المرتبة الثانية بنسبة (17 %) بين جميع القضايا الإفتائية خلال العام، مشيرًا إلى أن مصر والسعودية والإمارات كانت أكثر الدول العربية إصدارًا لفتاوى المرأة.

واهتمت الفتاوى المصرية فى هذا الإطار بالجانب الاجتماعى الخاص بالمرأة، مثل العنف الأسرى، وحوادث قتل النساء، أو حقوق المرأة العاملة وحقوق الزوجة وواجباتها، فى حين استأثرت فتاوى المرأة فى السعودية بالجانب الشرعى وخاصة فتاوى العبادات، فيما تنوعت فتاوى المرأة فى الإمارات بين فتاوى العبادات والقضايا الاجتماعية، كالاختلاط وعمل المرأة.

 الفتاوى البيئية والطبية

وذكر المؤشر فى تقريره أن الفتاوى المتعلقة بالبيئة والخاصة بالجانب الطبى حلَّت فى المرتبة الثالثة بين جملة القضايا الإفتائية خلال عام 2022، وجاءت فتاوى «الحفاظ على المياه» فى صدارة موضوعات فتاوى البيئة بنسبة (41 %)؛ وذلك لتعدد قضايا المياه التى تناولتها الفتوى، لا سيما الرسمية منها، وهو ما يُشير إلى اهتمام المؤسسات الدينية بمعالجة الإشكاليات الخاصة بقضية المياه كأحد أهم المحاور البيئية والتنمية المستدامة.

كما كشف المؤشر أن قضية التبرع بالأعضاء ونقلها وزراعتها، كانت الأكثر حضورًا بين الفتاوى الطبية على المستوى العربى بنسبة (50 %)، ويرجع ذلك إلى الجدل الواسع الذى انتشر حولها، حيث دائمًا ما يرافق طرح القضية خلاف حول إباحة التبرع أو النقل بضوابط معينة.

وجاءت فتاوى المعاملات المالية الحديثة فى الترتيب الرابع بين القضايا الإفتائية خلال عام 2022، وقد راعت الفتوى الرسمية بأن تكون كل فتاويها فى هذا الإطار داعمة لاقتصادها الوطنى، وذلك من خلال جانبين: الأول: فى مجالات الاستثمارات البنكية والودائع المصرفية، وتشجيع السياحة الدينية، والحث على دفع الضرائب وغيرها.

أما الجانب الثانى، فكان محاربة الفتوى الرسمية للمعاملات الاقتصادية الهادفة لهدم اقتصاد الدول والحكومات، مثل موضوعات الاحتكار والعملات الافتراضية وغسيل الأموال وبيع العملات فى السوق السوداء والفوركس والتسوق الشبكى..إلخ.

وجاءت الفتاوى المتعلقة بالتكنولوجيا فى الترتيب الخامس بين القضايا الإفتائية عربيًّا خلال عام 2022، وقد بيّنت التساؤلات المختلفة حولها تصاعد وتيرة الاهتمام بالألعاب الإلكترونية وتطبيقات الهواتف، فى حين انعكست التطورات التكنولوجية والتحول الرقمى على المؤسسات الإفتائية بشكل إيجابى لما أحدثه من تطور فى شكل الفتوى وتعدد منافذها وسرعة إصدارها ومحاولة القضاء على الأفكار الهدامة.

ورصد مؤشر الفتوى أبرز الإشكاليات التى تواجه فتاوى الألعاب الإلكترونية تحديدًا، مبينًا أن أهمها التزايد المستمر للألعاب الإلكترونية ومن ثم صعوبة حصرها ومتابعة محتواها لإصدار فتاوى حولها، ودسّ الكثير من التقاليد والعادات الغربية التى لا تتلاءم مع المجتمعات العربية، وتزايد عدد التطبيقات والتحديات التى تنطوى على أفكار عنيفة ومتطرفة.

 فتاوى الشباب والفتاوى السياسية 

ووفق تقرير مؤشر الفتوى بدار الإفتاء جاءت الفتاوى المتعلقة بالشباب من الجنسين فى المرتبة السادسة بين جملة القضايا الإفتائية العربية خلال العام بنسبة (8 %)، وأظهر مؤشر الفتوى عبر التساؤلات المختلفة وقوع الكثير من الشباب العربى فريسة لطرفين متناقضين: الأول الدعاة المتطرفون الذين يتحدثون باسم الدين، والثانى: متطرفو العلمانية الذين لم يراعوا أهمية كون الدين طاقة روحية فاعلة فى حياة الشباب؛ وفى النهاية فإن كلا الخطابين يوجّه خطابًا محبطًا ويائسًا ينعكس على الشباب.

وتوصل مؤشر الفتوى إلى أن أكثر القضايا الإفتائية الخاصة بالشباب كانت على الترتيب: الإلحاد والانتحار والإدمان والمثلية الجنسية والهجرة غير المشروعة.

وأخيرًا جاءت الفتاوى ذات الملمح السياسى بنسبة (7 %) بين أبرز القضايا الإفتائية عربيًّا خلال العام، حيث كان أبرزها القضية الفلسطينية وإشكاليات التطبيع، والتى شكّلت (25 %) من إجمالى القضايا السياسية، وقضية الشائعات وتأثيرها على الأمن القومى للمجتمعات وجاءت بنسبة (20 %).

وفيما يخص القضية الفلسطينية كشف المؤشر أنها مرت بعدة مسارات خلال عام 2022، ومنها الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى والمواطنين، وأبرزها مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، بالإضافة إلى إشكاليات التطبيع والتى دائمًا ما تُثير الجدل، بالإضافة إلى قضايا التهويد وبيع العقارات.

وحذر المؤشر من خلال تناوله وتحليله لفتاوى الشائعات وتأثيرها على الأمن القومى للمجتمعات، من الخطورة البالغة التى تنتج من استخدام الفتوى كأداة لتشكيل الرأى العام والتأليب ضد الدول والحكومات، خاصة من قِبل جماعات وتنظيمات «الإسلام السياسى».

 الفتوى فى الغرب

وفى تحليله الخاصة بدور الفتوى فى دعم تعايش المسلمين فى المجتمعات الغربية، كشف المؤشر العالمى للفتوى أن الفتاوى المتعلقة بفقه المواطنة وقضايا الاندماج شكّلت نسبة (12 %) فقط من إجمالى عينة الفتاوى الصادرة فى الغرب خلال عام 2022م.

واعتبر المؤشر أن النسبة السابقة ضئيلة مقارنةً بحجم الآراء والحوادث المتداولة حول اضطهاد وتمييز المسلمين، وهذا يعد دليلًا واضحًا على أن «الاندماج الإيجابى» الذى يعنى مشاركة المسلم فى المجتمعات ذات الثقافات المختلفة دون الشعور بالتهميش والعزلة ليس هدفًا أساسيًّا من أهداف المؤسسات الدينية فى الغرب، كما يُثبت غياب مرجعية مؤهلة وموحدة للإفتاء ما يتسبب فى اضطراب الحياة الدينية للأقليات المسلمة.

وأشار مؤشر الفتوى فى تقريره إلى سيطرة الفتاوى والآراء الخاصة بظاهرة اضطهاد المسلمين وتمييزهم فى الغرب على إجمالى فتاوى الاندماج، حيث جاءت بنسبة (42 %)، وتناول أغلبها التضييق على المسلمين فى ممارسة شعائرهم الدينية بحرية وحوادث إحراق القرآن الكريم والرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم.

وأضاف المؤشر أن الفتاوى والحوادث الخاصة بحظر الحجاب فى الدول الأوروبية والتضييق على النساء المحجبات فى المرافق العامة وأماكن العمل جاءت فى المرتبة الثانية بنسبة (25 %)، وحلّت فى المرتبة الثالثة الآراء والحوادث والفتاوى الخاصة بحظر الذبح الحلال فى الغرب بنسبة (18 %)، وكان من أبرزها على مدار العام «إجبار مسلمى ألمانيا على الذهاب إلى بولندا من أجل نحر الأضاحى بسبب القيود التى تفرضها السلطات الألمانية بخصوص حظر ذبح الحيوانات دون صعق».

 الخطاب الإفتائى للإخوان فى الغرب

وعرج مؤشر الفتوى إلى تناول الخطاب الإفتائى لجماعة الإخوان الإرهابية فى الغرب خلال عام 2022، مفيدًا بأن فتاوى الجماعة الإرهابية سيطرت على نسبة (34 %) من إجمالى فتاوى اندماج المسلمين فى الغرب، وأنها نجحت فى اللعب على جانبين: جانب الرأى العام العربى والغربى، من خلال الإيحاء للمسلمين بأنها المُدافع الأول عن ملف حقوق الإنسان، كما ابتعدت بشكل كبير عن الانتقاد المباشر لحوادث الإسلاموفوبيا والكراهية ضد المسلمين.

وأكد المؤشر أن الجماعة الإرهابية استغلت الفتاوى بزعم أنها الجهة المعتدلة المعنية بحث المسلمين على التسامح وحُسن التعامل مع غير المسلمين، فكانت لهجة الفتاوى الصادرة عن (المجلس الأوروبى للإفتاء والبحوث ولجنة الفتوى بألمانيا) مُنضبطة إلى حد كبير وحريصة على نشر القيم والمبادئ التى يؤمن بها المواطن الغربى، وعلى رأسها: الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والاندماج السلمى، والتعايش الدولى، ومن أبرزها جواز تهنئة غير المسلمين فى أعيادهم، وجواز حضور المسلم جنازة غير المسلم.. إلخ.

فتاوى التنظيمات المتطرفة

وعلى مدار عام من رصد الفتاوى والإصدارات الخاصة بالتنظيمات المتطرفة أكد مؤشر الفتوى أنه قام برصد وتحليل (5000) فتوى من إجمالى (300) إصدار للتنظيمات الإرهابية الفاعلة على الساحة الدولية شملت إصدارات مكتوبة ومرئية وصوتية وأناشيد، كانت موضوعاتها ساعية لتحقيق أهداف هذه التنظيمات على مدار العام فتضمنت التحريض على تهريب السجناء لتحقيق الزيادة العددية، واستهداف المدنيين المسلمين وغير المسلمين لنشر الفوضى والفتن فى المجتمعات الآمنة، واستغلال التواجد الإعلامى للانتشار والبقاء على قيد الحياة.

وكشف مؤشر الفتوى عن تصدر تنظيم داعش مختلف التنظيمات بالنسبة للكثافة الإفتائية لهذا للعام 2022 على خلاف السنوات السابقة، حيث مثلت فتاوى داعش (33 %) من جملة فتاوى التنظيمات خلال العام، فى مقابل (27 %) لتنظيم القاعدة، بسبب الحالة السيئة التى مر بها داعش طول العام وحاجته للفتوى لتحقيق مصالحه، وتفاقم الأزمات الداخلية لتنظيم القاعدة والتى انتهت بمقتل زعيمه «أيمن الظواهرى» يوليو 2022، واختفاء زعيم التنظيم فى الجزيرة العربية «خالد باطرفى» وانقطاع دروسه الدعوية، وتركيز حركة الشباب المجاهدين وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين على التفخيخ والتدمير وليس الفتوى والدعوة.

كما كشف مؤشر الفتوى تصدر داعش أيضًا أكثر التنظيمات تحريضًا وتنفيذًا للعمليات الإرهابية المستهدفة للمدنيين مسلمين وغير مسلمين، مع التركيز على المسيحيين بصورة أكبر، لأسباب خفية مرتبطة بانحسار التنظيم وحاجته لبث الفوضى لإعادة التواجد، وأسباب أعلن عنها فى خطابه الإفتائى المرتبط باستهداف المسيحيين، وهى الترويج لفساد عقيدة المسيحيين وبالتالى تكفيرهم وذلك بنسبة (45 %) من هذا الخطاب، واتهام المسيحيين بتهديد الإسلام والمسلمين بنسبة (35 %)، مع الاستمرار فى توجهه القائم على الاستعلاء بالإيمان وبالتالى اضطهاد الغير وذلك بنسبة (20 %).

فيما أكد مؤشر الفتوى فى تقريره السنوى على استمرار استغلال التنظيمات للدعاية الإعلامية، والتى تفوق فيها داعش وتنوع القاعدة فى استغلالها.

كاشفًا قيام تنظيم القاعدة بإعادة التعريف والترويج لنفسه عقب مقتل زعيمه «الظواهرى»، مستغلًّا خطابًا إفتائيًّا دعويًّا هدف لتأسيس مؤسسات إعلامية جديدة بنسبة (65 %) من خطابه حققها بإطلاق مؤسسة (النصرة للإنتاج الإعلامى)، وتحفيز الأتباع على تكثيف النشاط الإعلامى بنسبة (25 %) عبر مجلات التنظيم مثل مجلة (أمة واحدة)، ونكثيف النشاط الإعلامى بنسبة محدودة بلغت (10  %).

 إفريقيا الساحة الواعدة للنشاط الإرهابى

وكنتيجة لتحليله حذر مؤشر الفتوى من انتشار التنظيمات الإرهابية فى بعض الدول لتعويض انحسارها فى سوريا والعراق، والتى استشرفها فى قارة إفريقيا خاصة دول شرق ووسط وغرب إفريقيا، وبعض الدول الآسيوية خاصة باكستان وأفغانستان وإندونيسيا والفلبين.

وبالنظر لانتشار التنظيم فى إفريقيا، كشف مؤشر الفتوى عن عدة أدوات استغلتها التنظيمات الإرهابية لتثبيت أقدامها فى القارة، وهى التحريض على العنف تجاه المسيحيين والقوات الحكومية والعسكرية وهو ما بلغت كثافته (30 %) من إجمالى إصدارات التنظيمات المعنية بالتوسع فى إفريقيا، والتمادى فى إطلاق أحكام التكفير بنسبة (27 %)، والترويج لإفريقيا باعتبارها وجهة لنشر الإسلام بنسبة (23 %)، والاعتماد على أدوات القوة الناعمة أو ما يسمى (الرعوية الشعبية) بنسبة (20 %) بهدف التقارب مع الشعوب اجتماعيًّا ودينيًّا.