الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد احتدام أزمة الدبابات بين الحلفاء كيف عملت الحرب الأوكرانية على تغيير استراتيجية الأمن الأوروبى؟

فيما أوشكت الأزمة الأوكرانية على إتمام عامها الأول دون أن تضع أوزارها بعد، وسط خطوط أمامية «ملتهبة»، وغياب أفق السلام، كذلك احتدام الخلاف بين حلفاء الغرب بعد رفض ألمانيا فى البداية إرسال دبابات ليوبارد إلى الحكومة الأوكرانية للمساعدة فى صد الهجمات الروسية، ولتتخذ كييف استراتيجية الهجوم بدلًا من الدفاع.. لكن للقصة زاوية أخرى، فبعد إعلان باريس عن رفع ميزانيتها العسكرية، بداية الأسبوع الجارى، والتى سبقتها إلى هذا القرار برلين أيضًا.. ظهرت إلى الأفق كيف تحاول دول أوروبا تغيير استراتيجيتها العسكرية وتقوية جيوشها.. وهو الأمر الذى يؤكد أن أوروبا بدأت تسلك طريقًا جديدًا بعد الحرب الروسية الأوكرانية.



 

 تصاعد التسليح

أوضح وزير الدفاع الألمانى بوريس بيستوريوس، إن ألمانيا ستدعم أوكرانيا طالما كان ذلك ضروريا، ولكن دون أن تصبح طرفا فى الحرب، وذلك فى تصريحات أعقبت إعلان برلين الموافقة على توريد دبابات ليوبارد 2 إلى أوكرانيا.

وكان المستشار الألمانى أولاف شولتز، قد قرر ارسال دبابات ليوبارد-2 القتالية إلى أوكرانيا بعد أشهر من المناقشات ورفض برلين تصعيد وتيرة الحرب.

ومن المتوقع إرسال 10 دبابات قتالية من طراز «ليوبارد-2 إيه 6»، من طرف برلين، فى حين، كشفت تقارير صحفية أن النرويج تدرس إرسال 8 دبابات ليوبارد إلى أوكرانيا من أصل 36 تمتلكها.

ووفقًا لصحيفة «ديل شبيجل» الألمانية، أنه سيتم إرسال دبابات «ليوبارد-2» إلى أوكرانيا من مخزون القوات المسلحة الألمانية، على المدى المتوسط والطويل، كما يمكن تجهيز دبابات قتالية أخرى من الاحتياط العسكرى الألمانى للاستخدام فى هذا المجال.

إلى ذلك، أفادت صحيفة «بيلد»، أن شولتز سيعلن عن قراره بإرسال دبابات ليوبارد إلى أوكرانيا أمام البرلمان الألمانى.

فى تحول عن موقفها السابق، أعلنت مصادر أمريكية عن عزم الولايات المتحدة إرسال دبابات «أبرامز إم 1»  إلى أوكرانيا فى وقت وافقت فيه ألمانيا على تزويد أوكرانيا بدبابات ثقيلة كانت كييف تطالب بها منذ عدة أشهر.

وبحسب شبكة «سى إن إن» الإخبارية، فإن الدبابات تمثل «أقوى سلاح هجومى مباشر تم توفيره لأوكرانيا حتى الآن»، وهو نظام مدجج بالذخائر مصمم لمواجهة العدو وجها لوجه بدلا من إطلاق النار من مسافة بعيدة.

وفى حال استخدامها بشكل صحيح مع التدريب اللازم، فقد تسمح الدبابات الثقيلة لأوكرانيا باستعادة الأراضى من القوات الروسية التى كان لديها الوقت لحفر خطوط دفاعية، بحسب الشبكة الأمريكية.

وربط خبراء ومحللون تأثير هذا النوع من الأسلحة فى ساحة المعركة بالنسبة لأوكرانيا، بعدة عوامل أبرزها عدد الدبابات التى ستحصل عليها كييف، بالإضافة إلى الوقت الذى تستغرقه عملية تسليم هذه الأسلحة الثقيلة.

وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن إرسال دبابات «أبرامز» إلى أوكرانيا سيكون «جزءا من تفاهم دبلوماسى أوسع مع ألمانيا حيث توافق برلين على إرسال دبابات «ليوبارد 2» الخاصة بها وتوافق على تسليم المزيد من الدبابات الألمانية الصنع من قبل بولندا ودول أخرى.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين أنه من المتوقع أن ترسل واشنطن 30 دبابة من طراز «أبرامز إم 1» إلى أوكرانيا دون أن تحدد موعد التسليم.

وهنا تساءل الجنرال المتقاعد من الجيش الأمريكى، روبرت أبرامز، عن الوقت الذى يستغرق فى عملية التسليم، موضحا أن الأمر «شاق»، لكنه ليس مستحيلا.

ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن ضابط المدرعات المتقاعد الخبير فى استخدام دبابات «أبرامز» الجنرال كريتون أبرامز، قوله إن «بناء مخزونات الإمدادات وتسليم المركبات وتدريب الأطقم والميكانيكيين يستغرق وقتا».

وفى هذا الإطار، قال مسؤول فى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» فى تصريحات صحفية، إن «عملية التدريب على أبرامز تستغرق شهورا وأوكرانيا لن تستلم تلك الدبابات على الأرجح قبل عام».

 انسحاب تكتيكى

وفى خطوة جديدة لعمليات سير الحرب، أعلن الجيش الأوكرانى بالانسحاب من سوليدار فى شرق البلاد، بعد إعلان موسكو قبل أسبوعين الاستيلاء عليها.

وأعلن المتحدث العسكرى فى شرق أوكرانيا، سيرجى تشيريفاتى، «بعد معارك صعبة لأشهر (...) انسحبت القوات الأوكرانية من المدينة إلى مواقع مجهزة»، رافضا تحديد تاريخ الانسحاب.

وعاشت البلدة الشرقية على وقع معارك عنيفة بين القوات الروسية ونظيرتها الأوكرانية، خلال الأسابيع الأخيرة، فى قتال يعد «الأكثر دموية» بين موسكو وكييف منذ بداية الحرب الروسية- الأوكرانية فى فبراير من العام الماضى.

وقالت وزارة الدفاع الروسية، فى 13 يناير الجارى، إن قواتها سيطرت على بلدية سوليدار الأوكرانية، الأمر الذى نفته أوكرانيا آنذاك، مؤكدة استمرار «المعارك الشرسة».

وتقع سوليدار المعروفة سابقا بمناجم الملح فى وسط منطقة دونباس، وعلى بعد حوالى عشرة كلم شمال شرق باخموت التى يدافع الأوكرانيون عنها بضراوة منذ عدة أشهر، فى مواجهة سلسلة هجمات تشنها القوات الروسية.

وتبقى أهمية سوليدار من الناحية العسكرية «ضئيلة»، لكن الاستيلاء عليها سيمنح الأفضلية للقوات الروسية فى ظل قتالها للسيطرة على مدينة باخموت، على بعد عدة كيلومترات إلى الجنوب الغربى.

ومن شأن سوليدار أن تصبح أيضا نقطة انطلاق فى توجه موسكو، للسيطرة على منطقة دونباس الصناعية الشرقية بأكملها.

وكانت الولايات المتحدة قد طالبت القوات الأوكرانية بالانسحاب من باخموت استعدادًا «للهجوم الكبير»، ووفق ما ذكر محللون، فإن القلق الأمريكى ينبع من أن الهجوم الروسى سيعود بالسلب على الأوكران، فالأفضل لهم فى هذه المرحلة أن ينسحبوا من باخموت، وإلا فإن انسحابهم الجبرى، سيكون ذا خسائر مضاعفة بشدة.

ووفق تصريحات لمسئول أمريكى فى إدارة الرئيس جو بايدن، أن «الأولوية المعطاة للقتال فى باخموت تعرقل أوكرانيا فى مهمتها الأساسية المتمثلة فى التحضير لهجوم استراتيجى ضد الروس فى جنوب البلاد خلال الربيع».

الدروس المستفادة

ومع احتدام الثراع الروسى الأوكرانى القائم بدأت دول الغرب فى رفع ميزانيتها العسكرية وتغير استراتيجية الجيوش الأوروبية، حيث أعلن الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون بداية الأسبوع الماضى، أنّ الموازنة العسكرية الجديدة لبلاده سترتفع إلى 400 مليار يورو، وذلك فى إطار خطة لزيادة الإنفاق العسكرى من أجل تحديث الجيش الفرنسى.

وقال ماكرون، فى كلمة له فى قاعدة مونت دى مارسان الجوية العسكرية، إنّه سيتم تخصيص 400 مليار يورو (433.16 مليار دولار) للجيش فى الفترة الواقعة بين عامى 2024 و2030، لترتفع من 295 مليار يورو فى الميزانية السابقة.

ووصف الرئيس الفرنسى ميزانية الفترة 2024-2030 الجديدة بأنها برنامج «تحول» لتجهيز الجيش، مع احتمال نشوب صراعات شديدة الحدة، وهو الأمر الذى أصبح أكثر إلحاحًا فى إثر الحرب فى أوكرانيا.

وأضاف ماكرون أنّ «فرنسا لديها، وستكون لديها جيوش جاهزة لتحديات القرن».

وشدد ماكرون على أنه يتعين على فرنسا أن تكون مستعدة لعصر جديد مع تراكم التهديدات، لافتًا إلى أنّ بعضها كان حروبًا قديمة، وبعضها الآخر غير مسبوق.

وقبل هذا التصريح، قال الجنرال بيير دى فيلييه، الرئيس السابق لهيئة أركان الدفاع الفرنسية، إنّ «الجيش الفرنسى غير قادر على شن حرب شديدة اليوم».

وأضاف أنّ «الجيش يحتاج إلى ميزانية أكبر كثيرًا مما توفره الحكومة الفرنسية حاليًا، من أجل تحديث الأسلحة والمعدات وتخزين الذخيرة وتحسين القدرات اللوجستية».

وكانت ألمانيا قد أعلنت بعد أيام من بدء العملية العسكرية الروسية إلى رفع الإنفاق العسكرى للجيش الألمانى إلى 100 مليار يورو (108 مليارات دولار) لتحديث القدرة العسكرية الألمانية.

كما تعهد المستشار الألمانى أولاف شولتس برفع انفاق برلين الدفاعى إلى 2% من الناتج المحلى الإجمالى، لتلبية الهدف الذى حدده حلف شمال الأطلسى، وإنهاء اعتمادها العميق على الطاقة الروسية، خاصة الغاز.

ومع تطور الأوضاع واحتدام الصراع الروسى الأوكرانى والبعد عن طاولت المفاوضات، بدأت التجهيزات الأوروبية فى الاتجاه لاتباع نهج جديد، زيادة تسليح أوكرانيا بالأسلحة الهجومية من جهه، ومن جهة أخرى رفع قدراتها العسكرية والدفاعيه لجيوشها خاصة مع تلويح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين كل فترة وأخرى بإمكانية استخدام السلاح النووى أو الصورايخ الباليستية فى حربه على أوكرانيا، وهو الأمر الذى يجعل المنطقة الروسية على حافة بركان قد ينفجر فى أى وقت، ومع تهديدات روسية الدائمة بأن حلفاء الغرب لا يسعون إلى تهدئة الأوضاع خاصة بعد إرسال الدبابات ليوبارد إلى ساحة المعركة وأن التصعيد سيستمر بهذه الوتيرة بسبب تعنت الغرب.. فإن الأيام القادمة بالتأكيد ستحمل المزيد من المفاجآت ربما تكون مدمرة وقد تأخذ مسار الحرب إلى طرق لا تزال غامضة ولا يعرف عقباها.