الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بسبب العادات والتقاليد تكلفة الزواج فى مصر الأعلى فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أن نسبة «العنوسة» فى مصر فى تزايُد مستمر كل عام، ولا شك أن بهذا التزايُدَ المستمر أصبحت العنوسة تشكل مَخاطر كبيرة على البنية السكانية للمجتمع المصرى، وأوضحت العديد من الدراسات أن تكلفة الزواج فى مصر تعد من أعلى تكاليف فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ حيث تتجاوز أجر العريس التراكمى لمدة 8 سنوات من العمل المتواصل، كما يشير المسح التتبعى فى مصر لعامى 2006، 2012.



 

فى عام 2006 بلغت تكلفة الزواج فى المتوسط 60.50 ألف جنيه مصرى، وصعد هذا الرقم إلى 200.61 ألف جنيه مصرى فى عام 2012، واليوم يتراوح إجمالى تكاليف الزواج من 300 إلى 500 ألف جنيه مصرى، مما يشكل عبئًا يتجاوز القدرات المادية للشباب ويضطرهم للانتظار سنوات طويلة أو العزوف عن الزواج.. هذا ما كشفته لنا د.منى بدير أستاذ الاجتماع المساعد بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية فى بحثها «الإنفاق الترفى على مراسم الزواج المظاهر والمخاطر».

 تحويل الحياة الزوجية إلى نشاط اقتصادى بحت

وأكدت د. منى بدير فى دراستها، أنه قد تحول كل ما يتعلق بالزفاف وتأسيس الحياة الزوجية من كونه نشاطا يهم المجتمع المحلى والجوار ليصبح نشاطا اقتصاديًا ذا نزعة تجارية بحتة، ووَلّد ما سُمّى بـ«صناعة الزفاف» التى ولّدت دوافع ومبررات الاستهلاك البذخى من ناحية، وفرضت أوجُه إنفاق لم تكن فى الحسبان فى الماضى القريب من ناحية أخرى، وكل ذلك خلق ما يمكن تسميته «أيديولوچية الاستهلاك» التى قوامها النظر إلى الاستهلاك بوصفه هدفًا فى حد ذاته، وربطه بأسلوب الحياة وبأشكال التميز الاجتماعى، الأمر الذى جعل الناس يتدافعون نحو الاستهلاك بصرف النظر عن حاجتهم الفعلية.

 المغالاة فى حفلات الزفاف

وعرضت أهم مظاهر الاستهلاك الترفى فى مراسم الزواج فى المجتمع المصرى والتى تتمثل فى المغالاة فى المهور، الخطبة وتكلفتها المادية، إعداد مسكن الزوجية، قائمة المنقولات الزوجية وأخيرًا المغالاة فى حفلات الزفاف.

وأكدت على مخاطر الاستهلاك الترفى فى مراسم الزواج من تأخر سن الزواج أو العزوف عنه، اللجوء للقروض الاستهلاكية التى تودى بهم إلى السجن، وفقدان الاستقرار النفسى والاجتماعى للشاب والفتاة، وأيضًا الانحدار الأخلاقى، ووجهت مختلف مؤسّسات الدولة لمواجهة ظاهرة الإنفاق الترفى وتوعية أفراد المجتمع بمخاطرها وعمل مبادرات تحث الأسر على تخفيض المهور بالتراضى بين العائلات.

وكشفت د.منى بدير لـ«روزاليوسف» عن تفاصيل الدراسة البحثية وأهميتها.

غرض الدولة الإصلاح

تقول د. منى بدير: كل شهر فى مركز البحوث الاجتماعية والجنائية نقدم موضوعات اجتماعية أو اقتصادية أو فى أى مجال نشعر أنه مُلح فى هذه الفترة، الفكرة جاءت لى من موضوع القائمة والتريندات التى نشرت عن القائمة والمناداة بسقوط القائمة وإلغاء عقوبة الحبس للزوج إذا بدد القائمة، أشعر أن هناك ظلمًا للزوج فى موضوع القائمة، فمَهما كان وضعه الاجتماعى تعتبر القائمة تبديدًا وخيانة للأمانة ويتم حبسه، أردت أن أصحح المفاهيم وأوضح أن هناك أشياءً أخرى غير القائمة تعمل على إعاقة الزواج.

فهناك مظاهر أخرى مثل حفلات الخطوبة والمهر وأشياء كثيرة تعوق الزواج.

وأضافت: إن قانون الأحوال الشخصية الجديد لم يبت فيه، فهو مجرد مشروع قانون ولكن هناك بنودًا كثيرة به ستكون فى صالح المرأة وصالح الرجل أيضًا، فغرض الدولة دائمًا الإصلاح؛ خصوصًا مع زيادة معدلات الطلاق بين الشباب، فمعظم الشباب الآن لا يتحمل ولا يعرف مسئولية الأسرة جيدًا وعملنا أبحاثًا سابقة فى أسباب زيادة معدلات الطلاق وتجارب الدول للحد من نسب الطلاق.

 

ولكن تبقى المشكلة الأساسية أن أى شىء تعمله الدولة الشعب يفرغه من مضمونه، فمثلاً الكشف الطبى للزوجين نجد أنه ورقة بيحضرها من أى مكان ولا يتم بالفعل الكشف الطبى، الشروط التى تحفظ حقوق المراة فى أى عقد زواج ولو لم تنفذ يعتبر العقد باطلاً، نجد لا أحد يضع شروطًا والغالبية لا يتبع علمًا معينًا ونظامًا معينًا، وهناك مخاوف فى الزواج، كما أن الأزمة الاقتصادية والبطالة أيضًا سترفع نسبة العنوسة.

 التقليد الأعمى

وأكدت د. بدير، على أهمية توعية وتدريب الشباب على طريقة الإنفاق وسُبل الإنفاق فى أى شىء، فأحيانًا يتم الإنفاق على مظاهر ليس لها أى قيمة، ونجد السوشيال ميديا هو ما زاد من حدة الأمر فهو عامل أساسى فى التقليد، ونجد ما يتم نشره عن الفنانات ورجال الأعمال والبزخ فى الأفراح ونجد البنت تريد تقليد ما تراه، فى حين نجد الأجانب لا يقومون بالإنفاق إلا فى ما يفيدهم ويحتاجون له فعليًا، فالثقافة والتوعية والتعليم تلعب أدوارًا رئيسية فى التقدم والتفكير السليم، ونحن لدينا نسب أمية كبيرة.

 تغيير الثقافة

وختمت د.بدير حديثها بأنها تبحث الآن فى موضوع الغارمين فى المجتمع المصرى، وهذا منتشر ليس فقط فى الطبقات المتوسطة أو العليا ولكن نجده فى الطبقات الدنيا، فثقافة لازم أجهز البنت بجهاز معين وعدد من الأطقم معينة، ولازم أجيب كذا ومفهوم عيب أنها تدخل من غير أشياء معينة، ونجد الزوج يجعل زوجته تكتب على نفسها شيكات على أساس أن الدولة تساعدها والجمعيات وغيره لسد الديون عنها، فأعلى نسبة للغارمين اللى بتجهز بناتها عشان أهل عريسها، لذا لا بد من تغيير العادات والتقاليد وبعض الموروثات الثقافية؛ خصوصًا فى ظل الظروف التى يمر بها العالم فى الوقت الحالى بعد أزمة كورونا وأزمة الحرب «الروسية-  الأوكرانية»، فالعالم كله يبحث عن خفض الإنفاق ليس فى الزواج فقط ولكن فى المعيشة عمومًا؛ الطاقة والكهرباء والمياه والغذاء، لا بد من تربية أولادنا على أن الشىء اللى مقدرش أشتريه أستغنى عنه، وهذا يحتاج إلى وقت طويل وتوعية كثيرة لتغيير الثقافة الخاطئة.

 الرضا والسعادة 

ومن جانبها، تقول الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: هناك نوع من الترف الجنونى أو المَرَضى، وهذا ليس بجديد ولكنه جديد على البسطاء، فمن القدم نجد الباشوات والأمراء ومستوى ماديًا معينًا، ولكن الآن مع السوشيال ميديا وزيادة عدد القنوات والوسائل الأمر أصبح صعبًا، فى الماضى كانت المستويات معروفة والطبقات موجودة ولكن لا ينظر أحد للآخر لم ينظر أحد ويقول ألبس مثل الملكة أو الأميرة أو الباشا، كل شخص يعرف وسطه، وكان هناك نوع من الرضا، كل شخص يرضى بما لديه، ولكن الآن الكل ينظر إلى غيره وعايز يعمل مثله وهذا مَرَض، فعندما يكون الإنسان بسيطا وراضيًا يشعر بالسعادة ولكن عندما ينظر لغيره يمرض ويتعب ومَهما أعطاه الله لا يشعر بالرضا، فالإشكالية الكبيرة هى من ينظر ويقارن نفسه بغيره.

 الإعلام المرئى

وأضافت خضر: لدينا 65 % شباب، والشباب يقوم بالتقليد، لا بد أن ننظر للمعقول، وننظر للسلوك الجيد الإيجابى، ولكن الآن نحن فى عالم مفتوح فأين نحن من هذه الأمواج المترامية من كل جبهة، أين القدوة التى ينظر إليها الشباب، كان الإعلام يعرض النماذج الإيجابية مثل سهير القلماوى وأمينة السعيد وغيرهما، ولكن الآن نجد السوشيال ميديا يركز على الجرائم مين قتلت زوجها ومين قتل مراته، الإعلام لا يهتم بالإيجابيات ولا يقدم القدوة، فلدينا الكثيرون من العظماء، فمصر مليئة بالكتّاب والشعراء والفنانين والأطباء ولكن الإعلام لا يلقى عليهم الضوء، ولدينا أيضًا نسبة أمية كبيرة لذا لا بد أن نركز على الإعلام المرئى ولا بد أن تهتم الدولة بالإعلام المرئى وما يقدم به.

 

 تنافس الشكليات

وفى السياق نفسه يوضح دكتور شحاتة زيان أستاذ علم النفس بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن هناك اتجاهًا نحو الإنفاق الترفى منذ الانفتاح الاقتصادى، وذلك نتيجة القيم السائدة فى المجتمع فى تلك الفترة فنجد المال يعلو قيمته والمظاهر تعلو قيمتها وفى نفس الوقت تكاليف المظاهر تعلو، فالأول كان البعض يقوم بتكاليف للفرح 50 ألف جنيه والآن وصلت إلى ملايين، وهذا لا يمر مرور الكرام على الطبقة التى تقلد الطبقة الغنية، كان فى الأول الطبقات الفقيرة لها أسلوب حياتها ولها ضبطية فى إنفاقها على الأفراح وعلى الأحزان، ولكن بدأت المعايير تختلف وينظر إلى العائلات التى لا تكلف تكاليف باهظة بنظرة دونية، فضلاً عن أن أغلب المؤسّسات أقامت قاعات للأفراح والمناسبات، فهذا سبب تنافس شديد فى اقتناص اللحظات سواء الفرح أو الحزن، فهناك إفراط شديد فى الشكليات لإثبات الذات واعتبار ذلك تقديرًا للأسرة.

وأكد زيان، أن هذا اتجاه ترفى غير ضرورى بالمرّة يمكن استبداله ببدائل أكثر إفادة لحياة الزوجين فيما بعد، فهناك نماذج فى السوشيال ميديا والدراما تعرض وتؤثر سلبيًا على المجتمع مثل المظاهر الترفيهية وحياة البذخ للنجوم وغيرهم التى تعرض على الشاشات وأصبحت القيم المادية هى المتحكمة فى الصورة كلها، وهذا لا يتوافق مع الحالة الاقتصادية الموجودة بمصر، نحن نحتاج إلى سياسات أكثر انضباطا بحيث إن الأسر لا تهتز ولا تزيد نسب الطلاق بسبب الشكليات، فهناك العديد من حالات الطلاق ترجع إلى أسباب تافهة وليس لها علاقة بالشخصيات أو سلوكها ولكن بسبب المظاهر التى قد تصل إلى معايرة اجتماعية.

 تأجيل الرغبات المُلحة

وأكد زيان، أن كل تلك المظاهر أدت إلى القلق الشديد للبعض والإحجام عن الزواج؛ خصوصًا للشباب، فالزواج يحتاج بعضًا من الاستقرار المادى والعمل وبعض المشاعر الإيجابية للطرفين مما يساعد على إنشاء بيت مستقر وسعيد. لا بد أن نرجع للقيم الأساسية للأسرة، والأسرة عبارة عن زوج وزوجة متفاهمين ومتوافقين حتى على النواقص لديهما ولا بد أن يكون لديهما طموح، فلو كل شىء موجود من البداية فما الذى ينظرون لتحقيقه فيما بعد، لا بد أن يعرف الجميع قيمة الإنسان نفسه وقيمة البقاء بين الأسر، ولكن القيم مهتزة بسبب الضغوط الاقتصادية الموجودة، ولا بد أن نعمل فيما هو متاح وأن نعمل على تأجيل الرغبات المُلحة وذلك لتنمية الشخصية وإصلاحها وقدرتها على التعامل فيما تواجه.