الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المؤشر العالمى للفتوى يحلل 1200 فتوى خاصة بالطلاق خلال عام

لا يزال ارتفاع نسب الطلاق فى مصر والعالم العربى من أكثر الأمور خطورة على تماسك المجتمع لا سيما مع تزايد وتعدد أسباب الطلاق، الأمر الذى أظهر خطورته أحدث تقرير لمؤشر الفتوى العالمى التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، ففى إطار تحليله لنحو (1200) فتوى رسمية وغير رسمية متعلقة بالطلاق فى العالم العربى خلال عام 2022، كشف المؤشر العالمى للفتوى أن تساؤلات المستفتين والإجابة عنها أظهرت أن أسباب الطلاق تمحورت حول عوامل ثلاثة: الأول: هو العامل الاقتصادى وجاء بنسبة (43 %)، وكان أبرز أمثلته الواردة فى الفتاوى: ارتفاع أعباء وتكاليف الزواج من الطرفين منذ البداية، وكذلك بطالة الزوج وعدم عمله، وأخيرًا إنفاق الزوجة على منزل الزوجية من ذمتها المالية الخاصة.



أما العامل الثانى، وفقا لتقرير مؤشر العالمى للفتوى، فكان اجتماعيًّا وأُسريًّا، وجاء بنسبة (37 %)، وأبرز أمثلته فى عينة الفتاوى المذكورة، تدخُّل الأهل فى حياة الزوجين أو أحدهما، والزواج المبكر، وإدمان المخدرات، والعنف الجسدى أو اللفظى بين الطرفين، والحملات الاجتماعية من جانب المؤسسات النسوية لتعزيز حقوق المرأة.

وأضاف مؤشر الفتوى أن العامل الثالث فى فتاوى الطلاق من خلال تحليل عينة الفتاوى، والذى جاء بنسبة (20 %)، كان خاصًّا بالوسائل التكنولوجية، وأهم أمثلته إدمان الإنترنت من جانب أحد الزوجين أو كليهما؛ مما يؤدى بدوره للعُزلة الأسرية؛ ومن ثَمّ الخيانة الزوجية فالطلاق.

 (25 %) فتوى طلاق للنساء 

وأشار مؤشر الفتوى إلى أن (60 %) من فتاوى الطلاق عربيًّا صدرت من مؤسسات وهيئات إفتائية رسمية، وأن (40 %) منها صدرت من دعاة غير رسميين ومواقع فتاوى، سواء كانت مواقع إلكترونية أم عبر مواقع التواصل الاجتماعى، كما لفت المؤشر إلى أن (58 %) من المستفتين فى فتاوى الطلاق كانوا من جنس الرجال، فى حين كان (25 %) من النساء، فيما صدرت فتاوى بنسبة (17 %) بدون مستفتٍ أو بمبادرة من المؤسسة الإفتائية أو الدعاة والشيوخ المفتين.

وعن نسب اعتدال وتشدد أو تساهل فتاوى الطلاق خلال عام 2022؛ أوضح المؤشر أن (70 %) من إجمالى فتاوى العيّنة اتسمت بالاعتدال من الناحية الشرعية، وراعت القواعد الفقهية المعتبرة فى هذا الباب، فى حين جاءت (26 %) منها متشددة من عدة جوانب؛ كان أهمها إجابة المستفتين مباشرة دون حضورهم أو مواجهتهم بكل جوانب المسألة، أو عدم خضوع الفتوى ذاتها لمراحل إفتائية تراعى كافة الأطراف، فى حين جاءت نسبة الفتاوى المتساهلة فى هذا الجانب (4 %).

وحول المنهجية الإفتائية المتبعة فى فتاوى الطلاق بين المؤسسات الرسمية العربية وفتاوى الدعاة غير الرسميين على مواقعهم الشخصية أو عبر السوشيال ميديا، أوضح مؤشر الفتوى أن غالبية الهيئات الإفتائية الرسمية تتّبع طريقة منظمة ومنضبطة تمر بثلاث مراحل؛ حيث تبدأ بتعامل أمين الفتوى معها، فإذا لم يتيسَّر الحل له بوجود شكٍّ فى وقوعه فإنها تُحال إلى لجنة مختصة مكونة من ثلاثة علماء؛ فإذا كانت هناك شبهة فى وقوع الطلاق، فإنها تحال إلى أعلى رتبة إفتائية فى المؤسسة، وقد يستضيف أطراف واقعة الطلاق للتأكد من وقوع الطلاق أو لإيجاد حل، وهذا من باب المحافظة على الأسرة التى هى نواة المجتمع.

وتابع المؤشر أن المؤسسات الإفتائية الرسمية لا تجيب عن أى فتوى إلكترونية خاصة بالطلاق، وتحيلها إلى الحضور فى الدار أو الاتصال الهاتفى، كما أنها تجيب على الزوج فقط فى الطلاق لأنه المالك له وتحقق معه ولا تجيب الزوجة بل تلزمها بحضور الزوج، هذا فضلا عن أنها تسأل فى لفظ الطلاق، هل وقع باللفظ الصريح فيحقق فى إدراكه وإملاكه، وإن وقع بالكناية فيسأل عن نيته حينئذ.. وهكذا..

وفى المقابل حلّل المؤشر فتاوى الطلاق الصادرة من الدعاة المستقلين أو مواقع الفتوى غير الرسمية، ووجد أن بها بعض أوجه القصور والخلل، منها أنها تجيب عن أى فتوى إلكترونية دون التحقيق مع مستفتيها وتحقّق وقوع الطلاق فيها، وتضع الفتوى عند التشكك فى شيء باختيار المستفتى بين الشيئين، كما أنها تصدر فتاوى الطلاق بناءً على طلب الرجال والنساء وحتى أقارب الزوجين، وهذا نوع من التساهل فى الفتوى فى هذا الباب.

هذا بالإضافة إلى أنها تعرض الفتاوى الإلكترونية الخاصة بالأشخاص وتعيد نشرها للعوام كل فترة، ويتم إيقاع الطلاق دون النظر إلى نية المستفتى وهو الزوج هنا وكشف حالاته من كل الجوانب.

 المساحة الإشكالية المتعلقة بفتاوى الطلاق بين المفتى والمستفتى

وحلّل مؤشر الفتوى بعض الإشكاليات التى تواجه كلًا من المفتى والمستفتى فى فتاوى الطلاق، منها أن المستفتى قد يسأل عددًا من العلماء حول فتوى خاصة بالطلاق حتى يأخذ فتوى مفصّلة له، وأن كثيرًا من المستفتين وكذلك المفتين لا يراعون خصوصية فتوى الطلاق؛ فيأخذون ويقيسون على فتوى أخرى فى غير مكانها أو محلها، ومنها أيضًا خطورة طلب فتوى الطلاق عبر الإنترنت، حيث لاحظ المؤشر وجود فتاوى خاصة بالطلاق عبر مواقع الإنترنت المتخصصة بالفتوى أو على مواقع بعض الشيوخ والعلماء غير الرسميين، وهو ما يثير الجدل بين الناس ممن يستسهل الأمر بدلًا من الذهاب للمؤسسة الرسمية المختصة بعملية الفتوى فى الدولة. ومن هنا اعتبر المؤشر أن المؤسسات الإفتائية الرسمية تملك خبرة كاملة وافية فى التعامل مع ملف فتاوى الطلاق، سواء من ناحية الفقه أو من خلال الواقع المعاش، فالحالات التى تأتى لتلك المؤسسات متعددة ومتشعبة ومتداخلة ومتشابكة فى الوقت نفسه، وهى تؤكد دومًا على مقولة أن «كل حالة طلاق قد تختلف عن الأخرى»، وهو ما يجب مراعاته قبل إخراج فتوى الطلاق التى قد تهدم أسرةً وتشرّد أطفالًا وتجعلهم بلا مأوى، فالطلاق كما هو معروف «ألفاظ ونوايا وقصود».

وأطلق المؤشر فى هذا الإطار صيحات التحذير، لا سيما بعد ارتفاع نسب الطلاق فى الدول العربية خلال هذا العام، بأن فتوى الطلاق تُعدّ أمانة فى عنق المفتى، فلا بد أن يكون عالماً بكل أحكام الطلاق، وحكمه، وعدد مرات الطلاق، والطلاق الرجعى والبائن بنوعَيه، وطلاق الصريح وطلاق الكناية وطلاق المنجز وطلاق المعلق وطلاق الغضبان، والفرق بينه وبين الظهار والخلع، وغير ذلك من أحكام الطلاق؛ فكل نوع من هذه الأمور له شروط وضوابط، فيجب على الذى يُفتى فى فتاوى الطلاق السماع لكلا الزوجين حتى تخرج الفتوى منضبطة من الناحية الشرعية ومؤسسة للاستقرار الأسرى والمجتمعى.

توصيات ومبادرات 

وأخيرًا قدم مؤشر الفتوى توصيات من خلال رصد وتحليل عينة الفتاوى المذكورة، ومبادرات من جانب بعض المؤسسات الرسمية التى هدفت لمواجهة ظاهرة الطلاق، كان أهم تلك التوصيات والمبادرات مواجهة تدهور الأوضاع الاقتصادية التى كانت فى غالب الأحيان سببًا للطلاق، من خلال تقديم الدول المنح المالية للمتزوجين، وتسهيلات السكن وعقود الأراضى، ما يحقق الاستقرار الزوجى ويقلل العبء المادى عن الأسرة.

كما أوصى بضرورة الدعم العربى والإسلامى والعالمى المادى والمعنوى للدول المتضررة سياسيًّا والتى تعانى من ارتفاع معدلات الطلاق نتيجة للنزوح أو تدهور الأوضاع الاقتصادية، مؤكدا أهمية فرض دورات علمية شرعية دينية، لا يتم عقد القران حتى اجتياز الدورة التى تبين حقوق الزوجين وواجباتهما.

كما طالب المؤشر بحملات للكشف عن إدمان المخدرات والتى أثرت على الأزواج المتعاطين لهذه المواد، وكانت من أهم الأسباب التى أدت إلى التفرقة بين العديد من الأزواج، بالإضافة إلى التوعية بشأن العلاقات غير الشرعية التى يقيمها أحد الزوجين مع أطراف أخرى من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، باعتبارها تمثل أهم أسباب الإشكاليات الزوجية.

وشدد مؤشر الفتوى فى معرض حديثه عن مواجهة أزمة الطلاق ضبط وتيرة الدعوات النسوية وتمكين المرأة بصورة غير منضبطة فى ظل قوانين الأحوال الشخصية الحالية لبعض الدول، والتى تسهّل الطلاق بجانب التعسف فى حقوق الرجل والزوج، وكذلك إعادة تشكيل وصياغة ثقافة المجتمع تجاه مسألة الزواج، مع دراسة أسباب (الطلاق المبكر) فى أكثر من دولة.

كما أوصى المؤشر بسن التشريعات الصارمة للحد من زواج القاصرات والذى يعتبر سببًا أساسيًا من أسباب انتشار الطلاق فى سن صغيرة، ووضع برامج توعوية تدريبية لزواج الناشئين لتوضيح فلسفة الزواج، وشرح أساس الشراكة والحكمة، ومعرفة الهدف من الزواج، وهى الأمور التى قطعت فيها دار الإفتاء شوطًا كبيرًا، ومنها:برنامج المقبلين على الزواج وهو برنامج يهدف إلى تدريب عدد من المقبلين على الزواج وإرشادهم وتأهيلهم لمهارات الحياة الزوجية وكيفية التعامل مع المشكلات والضغوط الحياتية التى يواجهها الزوجان.. إضافة إلى وحدة الإرشاد الأسرى وهى خدمة متخصصة فى حل المشكلات بين أفراد الأسرة الواحدة وخاصة مشكلة الطلاق. وتعمل على الحد من المشاكل الزوجية والاستقرار الأسرى وتوعية الشباب غير المتزوج ومساعدتهم على الاختيارات المناسبة وكيفية الارتباط للزواج وإقامة أسرة ناجحة؛ وذلك باستخدام الطرق التوعوية الحديثة من الإرشاد النفسى والشرعى، ووحدة فض المنازعات وهى إدارة فض المنازعات تعنى بالحكم والفصل فى كل المنازعات الاجتماعية والمالية وتقسيم التركات وقضايا الديات والجراح والإصابات وكل ما فيه خلاف بين الناس.