الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الكنيسة القبطية تحتفل بعيد الغطاس.. قلق شعبى حول صحة البابا تواضروس الثانى والكنيسة تطمئنهم «البابا بخير»

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الخميس المقبل بعيد الغطاس المجيد والذى يأتى فى ذكرى عماد المسيح على يد يوحنا المعمدان فى نهر الأردن.



وحتى كتابة هذه السطور، لم يتحدد بعد إذا ما كان سيصلى قداسة البابا تواضروس الثانى بطريرك الكرازة المرقسية صلوات ليلة العيد بالكاتدرائية المرقسية بالإسكندرية كما هو معتاد، أم سيصلى ليلة العيد بدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون وذلك نظرًا لظروفه الصحية الحالية؛ حيث طلب الأطباء منه الالتزام بالراحة التامة.

وكان البابا تواضروس الثانى شعر بالإعياء الشديد خلال صلوات عيد الميلاد المجيد والتى أقيمت فى كاتدرائية الميلاد بالعاصمة الإدارية الجديدة، مما أثر عليه بشكل كبير فلم يستطع إكمال العظة وهو واقف وطلب «كرسى»  ليستطيع استكمال عظته، إلا أنه فى النهاية لم يستطع إكمال القداس وطلب من الأنبا دانيال سكرتير المجمع المقدس ومطران إيبارشية المعادى وتوابعها استكمال الصلوات بدلًا منه، ثم عاد إلى المقر البابوى بالعباسية عقب انتهاء الصلوات مباشرة.

خضع البابا تواضروس لفحوصات طبية بعد انتهاء استقبال المهنئين صباح عيد الميلاد، حيث أكد الأطباء أن البابا بصحة جيدة إلا أنه أجهد بشكل كبير خاصة بعد قيامه بمجهود كبير خلال احتفالات الكنيسة بمرور عشر سنوات على تجليسه، وخلال الصوم المقدس وأخيرًا احتفالات عيد الميلاد المجيد.

البابا تواضروس حاليًا يخضع لفترة راحة مهمة ومشددة ونتمنى أن يتماثل الشفاء سريعًا، حتى تطمئن قلوب الجميع عليه وذلك بعد أن انتشرت رسائل القلق والخوف عليه على صفحات السوشيال ميديا عقب انتهاء صلوات قداس عيد الميلاد المجيد.

وعيد الغطاس هو تذكار معمودية المسيح فى نهر الأردن بيد يوحنا المعمدان، ويعرف أيضا بعيد الظهور الإلهى؛ حيث بدأ المسيح بعدها إعلان رسالته واختيار التلاميذ الذين أصبحوا امتدادًا لرسالته. 

وكانت مراسم الاحتفال بعيد الغطاس تتم قديمًا على شاطئ النيل؛ حيث يقوم المحتفلون بالغطس فى مياه النيل كما تعمد المسيح فى نهر الأردن الا أن تلك الاحتفالات أوقفها الحاكم بأمر الله.

وقديمًا كان يخرج الأطفال إلى الشوارع حاملين «البلابيصا» وهى كلمة هيروغليفية تعنى الشموع والتى تأخذ عدة أشكال منها عود القصب مع البرتقال أو اليوسفى والشموع ويصنعون منه قناديل منيرة مزينة بالصلبان.

وهناك طريقة أخرى أكثر انتشارا فى منازل الأقباط الآن، وتكون بتفريغ ثمرة برتقال من محتواها وتقشير القشرة الخارجية على شكل صلبان ووضع شمعة بالداخل ليحملها الأطفال وتظل مضاءة طوال ليلة الغطاس.

ويشهد هذا العيد طقسًا لا يتكرر سوى ثلاث مرات سنويا، وهو صلاة اللقان وتعنى فى المسيحية الاغتسال، حيث يقوم القس برسم جبهة الرجال بعد الصلاة كرمز للاغتسال من الخطيئة، ويتواصل الاحتفال بهذا العيد ثلاثة أيام تؤدى فيها الصلوات بالطقس الفرايحى، ويمنع فيها الصوم الجماعى.

ومن أبرز مظاهر العيد فى المجتمعات المسيحية التابعة إلى الطائفة الأرثوذكسية مثل روسيا وبلغاريا واليونان واسطنبول أن يُلقى صليب فى البحر ويقوم شاب بالغوص لاسترجاعه والغطس فى بِرك المياه المتجمدة، وكان أقباط مصر يحتفلون بعيد الغطاس فى العصور القديمة بإقامة احتفالًا كبيرًا وأداء طقوس الصلوات على ضفاف نهر النيل مع حمل المشاعل والغطس فى النهر بعد إتمام الصلوات، وإلقاء الصليب المقدس فى النهر، ثم فيما بعد يعودون إلى الكنائس لإتمام بقية طقوس الاحتفال بعيد الغطاس.

 استمر هذا الطقس حتى عصر الحاكم بأمر الله، ثم تحول الاحتفال بعيد الغطاس من شاطئ النيل إلى داخل الكنائس، وظهر عندئذ ما يُعرف بالمغطس أو اللقان كبديل عن نهر الأردن.

وتعتبر صلاة اللقان إحدى الصلوات المرتبطة بعيد الغطاس المجيد أيضًا، وكلمة «اللقان» اسم يونانى للإناء الذى يوضع فيه الماء للاغتسال، وتعنى وعاء، وتوجد نماذج له فى كنائس مصر القديمة على شكل وعاء من الحجر أو الرخام، مثبت فى أرضية الكنيسة، بينما توضع المياه فى الوقت الحالى فى وعاء عادى، ويصلى عليها الكاهن.

وتعتبر الكنيسة القبطية عيد الغطاس من الأعياد «السيدية» وهى الأعياد الخاصة بالمسيح وعددها 15 عيدًا، 7منها تصنف أنها كبرى وهى بالترتيب «بشارة الملاك للسيدة العذراء بميلاده، الميلاد، الغطاس، أحد الشعانين (دخول المسيح أورشليم)، عيد القيامة، عيد الصعود، عيد حلول الروح القدس»، أما الأعياد السيدية الصغرى فهى «الختان، عُرس قانا الجليل، دخول المسيح الهيكل، خميس العهد، عيد أحد توما، دخول المسيح مصر، عيد التجلى، عيد الصليب». 

وتحتفل الكنيسة دائمًا بعيد الغطاس فى موعد ثابت، وهو بعد عيد الميلاد المجيد بـ12 يومًا، ويطلق عليه عيد (الأبيفانيا) Epiphany (إيبيفاني) وتعنى «معمودية بالتغطيس» أو عيد العماد.

كما تطلق عليه الكنيسة «عيد الظهور الإلهى» وتعتبر الكنيسة الأرثوذكسية «التعميد بالتغطيس» أحد الخلافات البارزة مع الكنيسة الإنجيلية والكاثوليكية التى لم تكن تقوم بالتعميد بالتغطيس سابقا ويكتفون بالرش فقط.ولعيد الغطاس طقس خاص سواء على الناحية الكنسية أو الفلكلورية المصرية حيث يصلى فى ليلة الغطاس صلاة اللقان إشارة إلى معمودية المسيح فى نهر الأردن، أما فى المنازل فستجد بعض الأطعمة الضرورية والتى ارتبطت لدينا بأمثلة شعبية متداولة حيث الطبق الرئيسى هو القلقاس وهناك المثل الشعبى الشهير «اللى ما يكلش القلقاس فى الغطاس يصبح من غير عصب ولا رأس» وكذلك من أهم الفاكهة التى يجب أن تؤكل فى هذا اليوم أيضا قصب السكر واليوسفى لما فيهما من مياه كثيرة إشارة إلى مياة المعمودية.

واحتفالات الأقباط بالغطاس كانت منذ القديم حيث سجلها بعض المؤرخين الذين أتوا إلى مصر.

فيقول «المقريزى»، شيخ المؤرخين المصريين، إنه «على مدار التاريخ المصرى، اعتمد المحتفلون المصريون بعيد الغطاس طريقة بديعة فى الاحتفال، عن طريق تزيين صفحة نهر النيل بمئات الشموع والمشاعل المزخرفة، والخروج فى مواكب حاشدة كُبرى قاصدين النهر، فى حين يُعرب الخليفة المصرى عن سعادته غالبًا بتوزيع النارنج والليمون والسمك البورى والقصب».

وعلى الصعيد الكنسيّ، فإن  قداسًا يُعقد بعد المعمودية، تُصلى فيه صلاة تسمى «اللقان»، ويرجع اسمها إلى لفظ قبطى يعنى «الحوض أو جرن الماء»، فيما يعمد القساوسة لدهان جباه المُصلين بعلامة الصليب.

أما عن الأكلات الشعبية فيقول الأب لوقا سلامة، فى سياق كتاب «مقدمة فى الفلكلور القبطى» إن القلقاس نبات درينى ينبت تحت الأرض، يشق الأرض، فيما يشير لبعث جديد، أما القصب بعوده المصلوب، يرمز إلى الأمنيات السماوية التى تقصد السماء».

وهناك تفسير آخر منتشر له عن رمزية القلقاس والقصب أكثر ارتباطًا بطقس التعميد، يكمن فى دور الماء فى تنقية القلقاس من المادة اللزجة التى تُغلفه وتجعله مضرًا، وكذلك الماء بالنسبة للشخص الذى تم تعميده، فإنه يجعله نقيًا ومتطهرًا من سموم الخطيئة.

والقصب، يجسد الارتفاع والسمو فى القيم الروحية للشخص، وكل عقلة من عقلاته، تمثل فضيلة يكتسبها الإنسان ليسمو، كما أن القصب ينمو عائمًا فى الماء، كما يولد من جديد الشخص الذى يتم تعميده.

ومن الأمثال الشعبية المنتشرة «غطستم صيفتم ونورزتمم شتيتم»، فى إشارة لإقامة طقس عيد الغطاس فى عز شتاء «طوبة» الشهر القبطى، رغم برودة الماء.

ومن بينها أيضًا مثل زراعى «إذا غطس النصرانى، طلع الدفا الجواني» كناية عن اعتقاد سائد لدى الجماعة الشعبية أن احتفال الغطاس يبدأ فصلاً جديدًا من دفء الطقس، ومن ثم فيساعد على بداية نضوج المحاصيل، وتأخذ فى النمو وصولاً إلى ذروته فى برمهات» مارس.

عيد الغطاس: عادات وتقاليد

لقد كان مسيحيو الشرق يحتفلون بعيدى الميلاد والغطاس طوال الثلاثة قرون الأولى.. وحيث أن المسيح ولد ليلًا فكان الاحتفال بالعيدين معًا ليلًا. ولكن بعد اكتشاف موعد العماد منفصلًا عن موعد الميلاد والتى جمعهما تيطس الرومانى، ونقلهما من أورشليم إلى روما، جعلوهما عيدين يحتفلون بهما فى موعدين مختلفين، ولكن ليلًا كعادتهم قبل فصل العيدين. وهكذا أخذ الغرب عن الشرق هذه العادة، وذلك من خلال الانفتاح الذى حدث.. كما شهد كاتيانوس.. «وكان الغربيون ولا يزالون يقيمون فى هذا اليوم احتفالًا بسجود المجوس الذين بواسطتهم أعلن المسيح ذاته للأمم».

ولقد كان المسيحيون القدماء يعمدون الموعوظين فى هذا العيد.. ولا يزال بعض المؤمنين يعمدون أولادهم فيه أيضًا..

عيد الغطاس وسر القلقاس

وفى مصر يعمد المؤمنون فى عيد الغطاس على ملء البيوت «بالقلقاس» وليس عبثاً فى ذلك، يقول أحد الآباء إننا نأكل هذا الطعام بالذات فى عيد الغطاس، فهناك أطعمة كثيرة أشهى منه، لكننا فى الحقيقة نأكل القلقاس لأنه يقربنا من معمودية المسيح، ففى القلقاس مادة سامة ومضرة للحنجرة، وهى المادة الهلامية، إلا أن هذه المادة السامة إذا اختلطت بالماء تحولت إلى مادة نافعة، مغذية، ونحن من خلال الماء نتطهر من سموم الخطية كما يتطهر «القلقاس» من مادته السامة بواسطة الماء!

- والقلقاس يدفن فى الأرض ثم يصعد ليصير طعاماً، والمعمودية هى دفن أو موت وقيامة مع المسيح.

والقلقاس لا يؤكل إلا بعد خلع القشرة الخارجية، فدون تعريته يصير عديم الفائدة، فلابد أولًا من خلع القشرة الصلدة قبل أكله، ونحن فى المعمودية نخلع ثياب الخطية لكى نلبس بالمعمودية الثياب الجديدة الفاخرة، ثياب الطهارة والنقاوة، لنصير أبناء الله.

عادات عيد الغطاس وتقاليده

درجت العادات والتقاليد التى ورثها الآباء عن الأجداد عشية العيد، أن تهتم النسوة بإعداد حلويات العيد المتنوعة والخاصة بالمناسبة والتى تعتبر «بركة العيد».

توجد مأكولات خاصة فى هذا العيد وهى: عوامة، زلابية، أصابع العروس قطايف. وهى من عجين مصنوع بأشكال مختلفة ومقلى بالزيت ومحلى بالسكر. عندما نقلى العجين بأشكاله المختلفة بالزيت فإنه يغطس أولا ثم يعلو بشكله الجديد وهذه عبارة عن رموز الغطاس.

وقديما كان لليلة عيد الغطاس شأن عظيم عند المسيحيين، حيث لا ينام الناس، إلى لحظة مرور «الدايم دايم» عند منتصف الليل، لمباركة المنازل ومن فيها، فتبقى مضاءة بالأنوار والشبابيك مفتوحة ليدخلها «الدايم دايم»، كما تعمد سيدة البيت إلى تعليق عجينة فى الشجرة لكى يباركها وتختمر.

تبريك المياه

تقول الرواية، إن «الدايم دايم» أى المسيح يأتى ليلا وتسجد له كل الأشجار باستثناء شجرة التوت لذلك يعتبر وقدها فى المدفأة حلالاً وذلك لأنه ينسب إليها الكبرياء فينتقمون منها بتكسير حطبها وإشعاله فى تلك الليلة بنوع خاص. وفى اليوم التالى يجلب الناس زجاجات وأباريق المياه للصلاة عليها خلال قداس العيد والتبرك منها، عبر رش المنازل وشجرة ومغارة الميلاد، والحقول بالماء المقدس، لكى يطرح الرب البركة فيها.

وفى صباح العيد أيضًا يسارع الناس إلى استبدال عبارة صباح الخير بعبارة (دايم دايم أخدت شطارتك) أو (بسترنت عليك) وما زال معظم الأهالى فى القرى خصوصا يرددونها.

الزلابية فى عيد الغطاس

وعن العادات والتقاليد فى صنع حلوى الزلابية، يُرْوى أن القديس يوحنا المعمدان عندما جاء السيد المسيح ليعتمد على يديه فى نهر الأردن، أشار إليه بإصبعه وقال: «هذا هو حمل الله»، والزلابية تدل على شكل الإصبع، فى حين يروى فى السير الشعبية: «ليلة عيد الغطاس، مرّ المسيح على امرأة فقيرة لا تملك شيئا لتأكله، دون أن تعلم من هو وسألها، ماذا تفعلين؟ قالت أعمل على قلى العجين الممزوج بالماء، لأطعم أولادى، وخلال الحوار بدأ العجين يكثر فى الوعاء وفاض من كثرة اختماره... وكان الأهالى يقولون للبنات بأن يضعن عجينة غير مختمرة، على غصن شجرة، لكى يباركها «الدايم دايم» فالعجينة التى تضعها النساء على أغصان الأشجار ليباركها المسيح تصبح خميرة، يؤخذ منها جزء صغير فتخمّر كمية كبيرة من العجين.

تقاليد عيد الغطاس تراث يجب المحافظة عليه

قديمًا كان لعيد الغطاس الأولوية على كل الأعياد الشتوية. فالغطاس يطوى الميلاد فى ثناياه، ويختزل كمًا غير قليل من تراثنا غير المنقول. هذا التراث المحلى المغمّس برائحة جبالنا وثلوجها وشجرها ومياهها، كما بطرائق أطباقنا وقصصنا ومعتقداتنا الشعبية… وقد بتنا نخشى على هذا الإرث من الضياع فى ظل التراجع المستمر فى أهمية هذا العيد الدينى والشعبى والذى نال أهمية كبرى فى تراثنا الشعبى، نظرًا إلى ارتباطه بالمياه التى هى العنصر الأهم فى حياة الناس فى منطقتنا المتوسطية. فالمياه هى الحياة، ولا بشرية ولا حضارة من دونها، وهى شحيحة فى عالمنا.