الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بسبب أزمة ارتفاع أسعار الذهب لا يوجد حل آخر.. انقضاء عادة «الشبكة» أو القضاء على «الزواج»!

عادة اجتماعية كثرت المطالبات بالتخلى عنها منذ سنوات حتى قبل الارتفاع الجنونى فى سعر جرام الذهب.. الآن أصبح التخلى عنها ضرورة ووجودها غير منطقى بعد أن زادت مخاوف الشباب وراودهم هاجس عدم الوفاء بمستلزمات العُرس التى تتطلبها التقاليد بوجود هذه الهدية الجبرية من العريس لعروسه، وعلاوة على ذلك، فمنهم من أجّل الزفاف، أو اكتفيا بدبلتى الخطوبة، ومن الفتيات من تضاءل قيمة مهرها، أو من تغاضت عن فكرة شراء الذهب وأخذته من الأم أو الشقيقة من أجل التصوير وإرجاعه لها.



«روزاليوسف» التقت عددًا من الشباب المُقبلين على الزواج بمحلات الصاغة، ومحلات شراء مستلزمات الزواج، بالإضافة إلى المتخصصين لمعرفة كل ما يتعلق بسوق الذهب، ومتى ستستمر تلك الأزمة، والسبب الرئيسى وراءها:

يقول «أيمن» الشاب الثلاثينى، الذى التقيناه بأحد محال الصاغة، إنه مر فقط ليرى بنفسه الأسعار الحالية، وأن المبلغ الذى ادخره للشبكة لن يُجدى نفعًا الآن، وعليه أن يعمل أكثر حتى يتمكّن من الادخار؛ فسيعمل فى مهنة إضافية لا يجد بُدًا من فعل ذلك، لأن الحل البديل ليس مطروحًا أمامه.

من جانبها ترى «سارة» التى ذهبت منذ الصباح إلى المحال التجارية لاستكمال جهاز عُرسها، أنها من الممكن أن تتنازل عن الشبكة. وبالنسبة لها هى شىء رمزى ويمكن استبدالها بأى شىء والأهم هو المودة بينهما، فى حين يخالفها والدها - الذى كان بصحبتها - الرأى، بأنه لن يقبل بالتنازل عنها لأنها تعزز من قيمة ابنته حسب قوله.

أما محمد سعيد، شاب فى العشرينيات من عمره، فيقول إن زفافه تأجل أكثر من مرة بسبب غلاء الأسعار، وأن ما يحدث مع الذهب هو ارتفاع جنونيّ «ممكن قبل ما أتكلم ألاقيه بسعر وبعد ما أخلص كلام بسعر تانى مختلف تمامًا، والشبكة اللى كانت بـ 50 ألفاً نجدها الآن بـ150 ألف جنيه».

البحث عن بدائل

ويوضح صاحب أحد محال الذهب بالعتبة، أن سوق الذهب فى مصر تعانى من تراجع كبير فى حركة البيع والشراء، كما أن حجم المبيعات لديه تناقص كثيرًا، وأصبحت الإيرادات لا تكفى رواتب العاملين أو المصاريف الإدارية، لأن معظم الزبائن أحجموا عن شراء الذهب بسبب الظروف الاقتصادية، واتجهوا إلى شراء الذهب الصينى، فهناك العديد من المتاجر التى أُغلقت لعدم قدرتها على الإيفاء بصرف مرتبات العاملين بها فى ظل استمرار حالة الركود ونقص المبيعات.

ويشاطره الرأى «مينا ميلاد» صائغ بالجيزة، بقوله: نمرّ بوقت عصيب بسبب الحروب والأحداث العالمية والمحلية بشكل عام، وهو ما أكده المستهلكون أيضًا، بعدما أعرض بعضهم عن شراء شبكة الخطوبة، فى الوقت الذى أجل آخرون إتمام الخطوبة أو الزيجة أملاً فى تحسن الأوضاع لاحقا. وتم عمل مشغولات ذهبية للأوزان الخفيفة كى تتماشى مع ارتفاع سعر الجرام «القطع الأخف فى الوزن هيقدر يشتريها العريس وهتوفر عليه، فممكن مثلاً إنه يكتفى بشراء دبلة وزنها جرام أو جرامين وهكذا».

 سبب الأزمة 

يقول أسامة زرعى، الخبير الاقتصادى والمحلل الفنى، إننا تجاوزنا فى هذه اللحظة التى نتحدث فيها سعر الـ 1880 جنيهاً لعيار 21، وجزء كبير من السوق توقف؛ لأن الشركات ليست قادرة على تغطية حجم مبيعاتها داخل السوق، وفى الوقت نفسه ليست قادرة على توفير الذهب فى نفس اللحظة؛ فبعدما كانت تبيع الجرام بمبلغ 1860، فما إن تذهب مرةً أخرى حتى يصبح بمبلغ 1880، فالعشرون جنيهًا تمثل خسارة كبيرة جدًا على التجار.

ويتابع: المشكلة كلها لا تكمن فى تجار الذهب ولا فى سوق الذهب أو فى شارع الصاغة تمامًا كما يتم التداول؛ لكن المشكلة كلها أن هناك سلعة عدم تواجدها يسبب أزمة، وعدم توافر الأساليب التى كانت تجعلنى أوفر بها السلعة الخاصة بى ارتفعت؛ بمعنى أن رفع الفائدة من قبل البنك المركزى، وإغلاق الاستيراد، سبب مشكلة وأزمة حقيقية وقطعنى بصورة إجبارية عن السوق العالمية، حيث نجد السوق العالمية اليوم يتداول عند 1800 جنيه للجرام مثلاً، وعند حساب حركة الجرام يمكن أن نجدها بحوالى 1200.

ويضيف: «نجد أن سعر الدولار ارتفع مقابل الجنيه كثيرًا ليسجل مستوى تصاعديًا نحو 31.5 للبيع بالسوق السوداء، و24.7 للشراء بالبنوك وشركات القطاع المصرفى المصرى.. المشكلة أنه حتى لو كان الدولار فى البنك قدره 24,7، فأنا كتاجر أو كشركة أو كشخص عادى عندى مشكلتان: أولاً أين هو الدولار المتوافر لدى كى أستورد، وإذا توافر الدولار فالاستيراد مغلق عندي؛ فإذن أنا الآن داخل قوقعة، لا أستطيع أن أتعامل داخلها بسعر عالمى، لأننى اليوم إذا قمت ببيع جرام ذهب مما هو موجود عندى.. فمن أين سأحصل على ذهب آخر؟ طبيعى سأحصل عليه من السوق المحلية وهو أصلاً السعر فيه عالٍ».

ويوضح زرعى: كى نكون صرحاء فلسنا وحدنا المتضررين، فإذا نظرنا إلى البيزو الأرجنتينى (عملة الأرجنتين الرسمية) مثلاً، نجد أن سعر الذهب فيه مختلف تمامًا.. وحين نذهب أيضًا إلى عملة أخرى مثل عملة «فنزويلا» سنجد أنها متضررة بشكل أكبر.. فالأمر هنا هو على حسب العملة والسياسية الاقتصادية المتخذة فى هذا البلد، وكيف أثرت على سوق الذهب بصورة كبيرة.

ويرى أننا حين نغلق الاستيراد، ونحرر سعر العملة، فنحن نعطى للسلع الاستراتيجية التى فى مفهوم كامل عند الناس أنها هى السلع الأفضل أو السلع التى يتم استخدامها من البنوك والمؤسسات والشركات كوسيلة تحوط، فنحن نعطى ميزة للناس أن تُقبل عليها. وحين تُقبل عليها فنحن أيضًا لا نشتريها من الخارج ولا يتم استيرادها، «فأنا هنا حاكم السوق كله بعدد ثابت من جرامات الذهب» يتم تداولها فى السوق بين الناس، سواء كانت مشغولات أو سبائك أو سلاسل أو خواتم أو أى صورة من صور الذهب.

نمو السوق السوداء

ويؤكد زرعى، أننا لا نستطيع أن نُجزم بأن هذا السعر الحالى عادلً لأنها أمانة سنسأل عنها، فنحن أزيد من العالم بمبلغ 600 جنيه، وفى أى لحظة من اللحظات أتوقع أن الدولة إذا قررت أن تفتح الاستيراد فالأسعار ستتراجع مرة أخرى.

ويشير إلى أن استمرار الوضع الراهن يتوقف على مدى تقبل التجار، ومدى تقبل الأسواق لطبيعة سعر الصرف. وللتوضيح أكثر: «لماذا سوق الذهب سعره يتزايد بهذا الشكل؟».. فالحقيقة أن التجار يُسعرون سعر الدولار الأمريكى على سعر غير سعره الموجود بالبنك، ونحن لا نستطيع أن نقول إن السعر الموجود فى البنك هو سعر حقيقي؛ لأنه إذا كان سعرًا حقيقيًّا من المفترض أن أدخل البنك أقول له أعطنى 1000 دولار فيعطينى بسعره هذا، وآخذهم ومعنديش أى مشكلة؛ لكن أنا اليوم هناك سوقان للدولار واحد رسمى وآخر موازٍ (السوق السوداء ولا نستطيع الحصول على الدولار من البنك.

ويضيف: أتحدث فيما سلف عن المواطن العادى، أما الشركات فلا يتوافر لها دولار من الأساس إلا بشروط ما معينة وفى أغلب الأوقات تكون صعبة، من الناحية الأخرى نجد أن السوق الموازية تسعر نفسها بنفسها وعندها «أوفربرايس» فى تسعيره. فإذا كان لدينا تخوف حقيقيً على الأسواق، فلنفتح الاستيراد للشركات ولنوفر الدولار لهم.. وعلى الدولة أن تعمل على أساليب جديدة للحفاظ على الأسواق نفسها؛ لأن ارتفاع أسعار الأصول مع انخفاض القوة الشرائية للعملة، ومع وجود تضخم للأسف الشديد؛ يؤدى إلى فقدان لفئات كبيرة من المجتمع، لمركزها فى الترتيب الاجتماعى.

وأذكر مثالاً على ذلك، أن اليوم نجد الفئة الـ B- Class أو الشريحة المتوسطة، وهى كانت من المفترض أن تشترى 100 أو 300 جرام على الأرجح، اليوم هى غير قادرة على شراء 50 جراماً، فهنا الأمر سييء. وما حدث أن وقف الاستيراد والتحرير الكامل أو المرن لسعر الصرف، مع تسعيرة سوق موازية على الجانب الآخر، يُعطينا ارتفاعاً بشكل كبير جدًا. وما يحدث هو نوع من أنواع التخبط فى الأسعار، و«لا أحبذ شراء الذهب معها، مهما كان من المتوقع الزيادة مرة أخرى.. وسيتراجع سعر الذهب، وأتوقع أن يصل إلى 1100 و1200؛ لأن الأسعار الحالية هى غير حقيقية».

ويعلق «زرعى» على ما قاله الدكتور ناجى فرج، مستشار وزير التموين لشئون صناعة الذهب، وأيضًا هانى ميلاد رئيس الشعبة العامة للذهب والمصوغات بالاتحاد العام للغرف التجارية، بأن الارتفاع الكبير فى أسعار الذهب بالسوق المصرية فى الوقت الحالى يرجع إلى الإقبال الكبير على عمليات الشراء فى المقام الأول، بالإضافة إلى وقف الاستيراد. وهناك ضرورة لتريث المواطنين فى الشراء لحين استقرار الأسعار. فيخالفهما الرأى بأن الارتفاع ليس بسبب الطلب «مفيش طلب بيحرك الأسعار».

 تكريس العادات والتقاليد

من جهته يقول الدكتور إبراهيم أبو الحسن، أستاذ التخطيط الاجتماعى المساعد بالمعهد العالى للخدمة الاجتماعية بالمنصورة: إن هناك تأثيراً سلبياً بالطبع على الشباب المُقبل على الزواج نتيجة ارتفاع أسعار الذهب بصفة خاصة، والسلع بصفة عامة، فى ظل مغالاة الأهل فى طلب المهور والإسراف فى شراء السلع ومتطلبات الزواج نتيجة الثقافة السائدة. 

ويضيف: من المعروف أن عناصر الثقافة هى العادات والتقاليد والقيم والمعايير واللغة، ومن ثم يجب على الجميع سواء الشباب أو ذويهم أن يعملوا على تغيير نظرتهم لجميع أمور الزواج من عادات وتقاليد وخلافه. وبالتالى تغيير تلك الثقافة السائدة التى تُكبد الشباب وأسرهم الكثير من الأموال التى لو تم استثمارها لصالح الزوجين لعادت بالفائدة والعائد الإيجابى عليهما، فمن المؤسف أن نرى بعض الشباب وأسرهم يستدينون للوفاء بإجراءات وشراء مستلزمات الزواج، فيصبح الزوجان منذ يومهما الأول فى عش الزوجية مدينين إما للبنوك أو المحلات التجارية، ويقومان بسداد أقساط شهرية تعوقهما عن العيش بصورة طبيعية قد ينتج عنها مشكلة الطلاق المبكر.

ويتابع: لست مع إلغاء المهر، ولكن مع التيسير على الشباب، وعدم المغالاة فى شراء المهر ومستلزمات الزواج، وذلك عن طريق تحديد الأولويات والسلع الضرورية، كلٌّ حسب استطاعته وألا يسرفوا؛ فالاعتدال من القيم الإيجابية الحيوية. مع وجوب تضافر جميع الجهود الحكومية والأهلية وتكاملها للعمل على تغيير تلك الثقافة لدى أبناء المجتمع، وبصفة خاصة مؤسسات التنشئة فى المجتمع بدايةً من الأسرة مرورًا بالمدرسة والمؤسسات التعليمية الأخرى ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى، وقيام كل منها بالأدوار التى تضطلع بها فى ذلك الشأن.