الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الذكرى 31 على رحيل صاحب قطار الـ50 عامًا فى بلاط صاحبة الجلالة موسى صبرى.. بارون الصحافة المشاكس

كان يمتلك قلمًا (مبهرًا) كعصا ساحر على خشبة مسرح يخلب عقول وقلوب مشاهديه.. (صابرًا) وصامدًا فى جميع معاركه التى لم تخل أى سنة من سنوات مشوار عمله منها.. رغم مرور 31 عامًا على رحيل الجسد وتحديدًا فى 8 يناير 1992 ولكن ذكراه خالدة فى عالم الصحافة والأدب والكتابة.. لا لشىء.. ولكن لأنه (موسى صبرى) صاحب الـ 50 عامًا من التأثير والإبداع والمشاكسة فى مهنة البحث عن المتاعب.



ولأنه من القلائل الذين يُشار لهم بالبنان فى الإبداع الصحفى والأدبى، فليس من التكرار أن نسرد ذكراه دومًا ليكون دومًا حاضرًا أمام كل من يريد أن يتعلم كيف يكون صاحب تأثير وليس مجرد عابر سبيل فى مجال عمله.

مساندة الأب فى الطفولة

موسى صبرى المولود عام 1925 بأسيوط كان والده من أدخله فى دروب السياسة وحب الوطن، فكان أول من حدثه عن الزعيم الراحل سعد زغلول، وكيف أن سيدة كانت تغسل لديهم الملابس لما علمت بنبأ وفاة قائد ثورة 1919 خرجت إلى الشارع وهى تصيح وتلطم الخدود، كما حدثه عن ثورة عرابى أو كما كان يطلقون عليها حينها «هوجة عرابى»، وكان لكل ذلك بالغ الأثر فى حياة الشاب «موسى» الذى ما إن دخل الجامعة حتى عمل فى السياسة وانخرط بها.

تخرج فى كلية الحقوق كما عُين بالنيابة العامة فور تخرجه وتركها للعمل فى الصحافة منذ عام 1944 بمجلة بلادى، نشأ منذ صغره على قراءة قصص وروايات الكاتب يوسف جوهر، مشيرًا إلى أنه كان يشعر بالمتعة خلال قراءته للقصص، كما أن حبه وارتباطه بالعمل الصحفى بدأ معه منذ وجوده فى المدرسة حيث بدأ الانجذاب للكتابة الصحفية.

العمل بالصحافة

لم ييأس صبرى فى الالتحاق بصاحبة الجلالة بسبب الظروف الاقتصادية التى مرت بها الصحف المصرية نتيجة الحرب العالمية الثانية، فتقابل بمصطفى أمين لأن لا أحد يقبل أن يلحقه بأى عمل نظرًا لصغر سنه، فكتب عنه مقالًا بعنوان «جناية النبوغ»، ثم تقابل صبرى بفكرى أباظة فكتب عنه مقالًا بعنوان «ذكاء المرء محسوب عليه»، ونشر المقالات فى مجلتى «الاثنين، والمصور»، ويعد تقابل صبرى مع عميد الأدب طه حسين نقطة فارقة فى حياته حيث أصدر قرارًا بالفعل لتعيينه معاون نيابة واستدعائه لحلف اليمين أمام النائب العام إلا أن الفرحة لم تكتمل بسبب اعتقاله قبل الحلف باليمين بتهمة توزيع الكتاب الأسود الذى من إنتاج مكرم عبيد وبقى فى السجن لمدة طالت تسعة أشهر.

لم يتأثر صبرى كثيرًا بالمعتقل حيث إنه كان يراسل مصطفى أمين رئيس تحرير مجلة الاثنين حينذاك بأخبار المعتقل، لكن منعت الرقابة النشر، بعد خروجه من المعتقل عمل موسى فى مجلة بلادى التى أصدرها محمود سمعان، وحصل موسى صبرى على أول جنيه فى حياته مكافأة من محمود سمهان مقابل الحديث الذى أجراه مع السيدة نبوية موسى أول السيدات التى أدارت مدرسة فى مصر آنذاك ثم ترك مجلة بلادى بعد اغتيال أحمد ماهر فى البرلمان، قرر العودة إلى أسيوط ليبدأ حياة جديدة إلا أنه يومها فاز بمكافأة خصصها جلال الدين الحمامصى للقارئ الذى يرسل قصة واقعية تصلح للنشر وسمح له الحمامصى أن يعمل معه كسكرتير للتحرير فى مجلة الأسبوع التى أصدرها، وصدر عدد واحد منها بعد تعيين موسى صبرى، وأبلغه الحمامصى أنه آخر عدد من المجلة وكانت بمثابة صدمة لصبرى ثم انتقل للعمل فى صحيفة الزمان حتى تولت حكومة الوفد الحكم وأصبح صبرى ورفاقه خارج الزمان.

 أول قصة لموسى صبرى

تعد أول قصة كتبها كانت فى مرحلة دراسته الثانوية، كما أكد صبرى أن القصة الصحفية الناجحة يجب أن تتوفر بها جميع العناصر الأدبية، كما تابع أن عناصر العمل الصحفى عبارة عن «الخبر، التحقيق الصحفى، الحديث الصحفى، الصورة الصحفية» كما كتب صبرى الخبر الصحفى بطرق القصة الأدبية، وكذلك التحقيق الصحفى بأسلوب قصصى.

بدأ صبرى مشواره مع أخبار اليوم وعمل محررًا برلمانيًا ثم اُختير كنائب لرئيس تحرير صحيفة الأخبار ثم رئيسًا لتحرير مجلة الجيل ثم تولى أخيرًا رئيسًا لتحرير صحيفة الأخبار.

انتقل صبرى للعمل بصحيفة الجمهورية بأمر من الرئيس جمال عبدالناصر ثم عاد مرة أخرى رئيسًا لتحرير الأخبار، غضب عبدالناصر من موسى صبرى بسبب ما كتبه عن قضية المشير ومحاكمة عباس رضوان وما كتبه فى آخر تحقيقه جملة «وما خفى كان أعظم»، فكانت هذه الجملة السبب فى إصدار قرار بإبعاد موسى صبرى عن أخبار اليوم نهائيًا، ويذهب مرة أخرى إلى الجمهورية بشرط ألا يكتب شيئًا باسمه وكان وقتها يكتب مقالين فى عمود واحد بعنوان «آدم يصرخ» و«حواء تستغيث».

 العودة لأخبار اليوم

لم يطل غضب عبدالناصر على صبرى طويلًا خاصة بعد تدخلات السادات، كان للسادات الفضل فى عودة صبرى لتولى رئاسة تحرير الأخبار وبعد عودة على أمين من لندن، اختير صبرى نائبًا لرئيس مجلس إدارة أخبار اليوم، ليصل بعد عام إلى منصب رئيس مجلس اﻹدارة، إذ ظل جالسًا على هذا المقعد طوال فترة حكم السادات مرورًا بفترة من حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، حتى وقت خروجه على المعاش فى أواخر عام 1984.

كانت له معركة شهيرة مع عميد الأدب العربى، كانت بداية علاقة موسى صبرى بطه حسين، عندما كان الأخير يعمل وزيرًا للمعارف، وتقدم إليه بطلب لمساعدته فى العمل، كما كان عادة العميد فى تقديم يد العون للطلبة المتفوقين، وهناك فى مبنى الوزارة قابل سيد قطب القيادى الإخوانى الذى كان يعمل حينها مديرًا لمكتب عميد الأدب العربى، الذى استمع إليه وإلى طلبه، بعدها أدخله مكتب طه حسين، الذى قابله بالترحاب والود وطلب منه أن يحدثه عن سبب تفوقه، قبل أن يخبره أنه كلم صديقه محمد صبرى أبو علم وزير العدل حينها، من أجل توظيفه بالنيابة، لكن ربما قصة اعتقاله سالفة الذكر حالت دون تعيينه فى وظيفة وكيل النيابة.

  موسى صبرى وطه حسين

لكن التقى صاحب «دموع صاحبة الجلالة» مرة أخرى مع صاحب سيرة «الأيام» بعد عمله فى الجمهورية، حيث تم تعيين عميد الأدب العربى، كرئيس للتحرير بشكل شرفى، بحسب تأكيد صلاح سالم لموسى صبرى، لكن العميد كان يطلب الاطلاع على المانشتات وذات يوم رفض العميد مانشت يقول «ديجول فى أزمة» ورأى العميد أنه من الأفضل تغييره لـ«ديجول فى حرج» بسبب أن ما يواجه الرئيس الفرنسى لا يُعد بمثابة أزمة، وهنا أكد موسى صبرى أن كلمة حرج صعبة فى المانشت وخاصة أنها تكتب بدون تشكيل، لكن العميد أصر، وحين استشار كامل الشناوى طلب منه استمرار المانشت الأول، وأنه سوف يحدث العميد، إلا أن ذلك لم يحدث وحدث أزمة كبيرة بسبب ذلك هدد فيها طه حسين بالاستقالة.

الأزمة الأكبر الذى واجهت «صبرى» مع صاحب «دعاء الكروان»، كانت عندما قام الكاتب إبراهيم الوردانى بنشر مقال له بجريدة الجمهورية يرى فيه أن من يطالبون بدراسة الأدب اليونانى القديم، يطالبون بدراسة أدب العفاريت والأساطير والخرافات التى ليست لها قيمة، وهو المقال الذى وجه فيه العميد دعوة للتخلف، واحتج لأن المقال أيضًا لم يعرض عليه.

 معركة مع صاحب «الأيام»

وقرر العميد مواجهة ذلك التخريف من وجهة نظره، بنشر مقال للرد على ذلك، وأن ذلك قمة الجهل، مشيرًا إلى أن أدباء الجيل الجديد لا يقرأون، وأثناء مراجعة «موسى» للمقال وجد أن طه حسين ظلمه بعدما هاجمه بالمقال، وطلب من كامل الشناوى عدم نشر المقال وإلا استقال، إلا أن الأخير عرض عليه عرض المقال ومن ثم الرد عليه.

وبالفعل قام «موسى» بكتابة رد عنيف على طه حسين، حيث قال: «أعترف بأننى اندفعت فى الرد بعاطفة طائشة، فقد كنت أتفانى فى عملى، وأساءنى أن أتهم بالجهل والإهمال، وتملكنى حماسة عنيفة» وبعدها شعر بأنه لابد من الاعتذار لعميد الأدب العربى، حيث اتصل به على الفور، واعتذر له، فما كان من الأخير أن رد عليه بكل ترحاب، وأكد له أنه يتابع مقالاته، وهنا أهدى له موسى صبرى نسخة من كتابه «ثورة كوبا».

 المعركة مع سهير البابلى

وفى خريف العام 1989 بدأت المعركة بين بارون الصحافة وملكة المسرح كما كانت تلقب سهير البابلى، كان موسى صبرى قد خرج قبلها بخمس سنوات للتقاعد بعد أن رأس مجلس إدارة أخبار اليوم ورئاسة تحرير «الأخبار» وكان يومها من أبرز كتاب الدار ويكتب مقالا سياسيًا يوميًا فى «الأخبار» وآخر أسبوعيًا فى «آخر ساعة» اسمه (بعيدًا عن السياسة) يخصصه لآرائه فى الفن والثقافة والحياة.. وكانت سهير البابلى حينها هى ملكة المسرح المتوجة بعد النجاح الساحق الذى حققته فى مسرحية (على الرصيف) مع المخرج الكبير جلال الشرقاوى وما أثارته من عواصف سياسية ونقدية ورقابية، وبعدها أنتج لها سمير خفاجى مسرحية (نص أنا.. نص إنتى) شاركها البطولة إسعاد يونس وشريف منير وأسامة عباس وأخرجها حسين كمال وبدأ عرضها فى صيف 1988، وذهب موسى صبرى لمشاهدتها فوجدها فرصة ليصفى حسابه القديم.

وكانت المسرحية تتضمن خروجًا صارخًا عن النص، وأطلق موسى صبرى الطلقة الأولى فى المعركة من خلال مقال فى الأخبار، يمكن اعتباره بلاغًا للرقابة ضد التجاوزات التى تحدث على خشبة المسرح، وخص بالذكر ما تفعله سهير البابلى، وانتقد هجومها وسخريتها من الوزراء وكبار المسئولين وتعريضها بهم على خشبة المسرح ما يصل لدرجة الإهانة الشخصية، وتوقف عند ما تقوله بحق وزيرة التأمينات الدكتورة آمال عثمان ووزير الإسكان حسب الله الكفراوى ورئيس مجلس الشعب الدكتور رفعت المحجوب.. وفى اليوم نفسه كان رئيس الرقابة عبدالرحيم سرور يطير إلى الإسكندرية ليحضر العرض ويراقبه بنفسه على مدار أربع ليال، وهاجمها بعنف مفرط متهمًا إياها بأنها حولت المسرح إلى «غرزة».

وبعدها، وفى مقاله (بعيدًا عن السياسة)، قرر موسى صبرى التصعيد، فكتب (فى 18 أكتوبر 1989) تلك الفقرة تحت عنوان (لا تعامل مع الهابطين بالفن)، وخرجت سهير البابلى لترد، بطريقة بها مكايدة ووجهت الشكر لموسى صبرى لأن هجومه عليها تسبب فى تدفق الجمهور على المسرح لمشاهدة العرض المسرحى»، وصالة المسرح أصبحت كاملة العدد.

 العلاقة مع السادات

كان صبرى الصحفى المقرب سياسيًا من الرئيس السادات بجانب الكاتب أنيس منصور، فكانت هذه العلاقة سببًا فى توتر اﻷجواء ضده، حيث وصفه البابا شنودة الثالث فى تصريحات صحفية بأنه رجل السادات.

ترجع علاقة الكاتب موسى صبرى بالسادات إلى عام 1943 -ولم تنقطع- كان من الذين اختارهم الرئيس لحفظ الأسرار، وفى الكتاب يحكى أحداث مصر فى أخصب فترة من تاريخنا المعاصر بزعامة السادات ورياسته للدولة وأسلوبه فى مواجهة القضايا الكبرى.. قضايا الحرب والسلام والديمقراطية.

 دموع صاحبة الجلالة

وموسى صبرى هو صاحب رواية «دموع صاحبة الجلالة» يُعبر الكاتب فى أحداثها، عن أجواء العمل الصحفى وأسراره وطقوسه، التى استمرت نصف قرن من الزمان، ووصل بقلمه الصحفى إلى القمة.. وهو فى تعبيره الروائى يحمل قلم الأديب القادر على مزج فنى بين كثير من الحقيقة وقليل من الخيال، وبين وقائع القصة المثيرة وأحداث التاريخ الخطيرة.. حتى إن قارئ القصة، يتصور أنه يعرف أبطالها وكأنهم يعايشونه على أرض الواقع، ثم لا يلبث أن تجذبه الأحداث إلى صورة فنية تثير تساؤلًا فى وجدانه عن هذه الشعرة الدقيقة التى تفصل بين الواقع والخيال!

هناك أيضًا «شيوعيون فى كل مكان» هذا الكتاب تسجيل ليوميات رحلة طويلة إلى ثلاث دول شيوعية هى الاتحاد السوفيتى وألمانيا الديمقراطية وبولندا، كتبه موسى صبرى من وجهة نظر محايدة، إن الكاتب لا يعادى الشيوعية ولا يعتنقها كمبدأ، ولكنه يكتب عن البلاد الشيوعية بقلم الصحفى وروح القاضى.

 قطار الصحافة

وجاء كتاب «50 عامًا فى قطار الصحافة»  ليدون فيها موسى صبرى ذكرياته أثناء العمل فى حقل الصحافة لمدة لا تقل عن خمسين عامًا، وكيف كانت البداية، والمواقف التى تعرض لها أثناء العمل بها، وكتب فى مقدمة الكتاب : «تضخمت الحقيبة، انتفخت، لم تعد تتسع لكل ما يحلمه المسافر، أصبحت حقائب عديدة، أرهقه أن يحملها وحده فى هذا القطار، قطار الصحافة الذى لم يتوقف عن المضى إلى الأمام.. ولو بغير قضبان! ولم أترك مقعدى فى هذا القطار العجيب.. يومًا واحدًا! «لم أنزل فى محطة فرعية، لكى أستقل قطارًا آخر.. الرحلة طويلة.. نعم وبلا منتهى.. ولكنها ممتعة» وهأنذا، وبعد أن شاب منى الشعر والقلب، أنتحى ركنًا من القطار، لكى أفرز ما ثقلت به الحقائب وأعرضها فى سطور كتاب».

 السينما والإذاعة

اشتهر أيضًا موسى صبرى عن طريق رواياته التى تحولت إلى أفلام سينمائية مثل رواية «الجبان والحب» التى تحولت إلى فيلم من بطولة وإخراج الفنان حسن يوسف، ورواية «دموع صاحبة الجلالة» التى تحولت إلى فيلم قام ببطولته الفنان سمير صبرى والفنانة ميرفت أمين، ومجموعة أخرى من الأفلام، أشهر النماذج الإنسانية التى قدمتها تلك الرواية شخصية محفوظ عجب الصحفى الانتهازى الذى كان يتملق رؤساءه ويتسلق على أكتاف الآخرين ويعمل بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة.

هناك أيضًا فيلم «الجبان والحب» يعتبر هو التجربة الثانية فى الإخراج للفنان حسن يوسف، وكانت تجربته الأولى فى الإخراج مع فيلم ولد وبنت والشيطان1971،حقق الفيلم إيرادات بلغت 44728 جنيهًُا فى 17 أسبوع عرض بسينما ميامى بالقاهرة، وحصلت هند رستم على دورها فى هذا الفيلم على جائزة أحسن ممثلة، فيلم «دموع صاحبة الجلالة» تم تقديم نفس القصة بمسلسل تليفزيونى حمل نفس الاسم بعده بعام بطولة فاروق الفيشاوى وميرفت أمين 1993، كما تحولت بعض أعماله الأخرى إلى أعمال تليفزيونية ومنها: «أنهار الملح» والإذاعية «غرام صاحبة السمو» وغيرها.

رحل موسى صبرى يوم 8 يناير من عام 1992 بعد معاناة من مرض السرطان ولكن بقى الأثر حتى الآن موجودًا فى نفوس كل عاشق أو باحث عن رمز فى الإبداع الصحفى والأدبى.