الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حل الأزمة أم تصعيد؟ توقعات الحرب «الروسية - الأوكرانية» لعام 2023

مع نهاية عام 2022 يشغل العالم تساؤل واحد.. إلى أين تذهب الحرب؟ ومع قرب الدخول فى الذكرى الأولى لبدء العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، وتصاعد وتيرة الأزمات على كافة الأصعدة.. اقتصادية.. اجتماعية.. سياسية.. وغيرها، تبقى الدول والحكومات وأيضًا الشعوب فى حالة تأهب خاصة وأن وتيرة الحرب الروسية رغم تعدد الهجمات العسكرية والهجمات المضادة من قبل أوكرانيا قد دخلت فى حيز الجمود.. فلا انتصار واضحا على أرض المعركة ولا انسحاب من قبل أى من الطرفين.. فقط عمليات تبادلية بين صواريخ روسيا والرد الأوكرانى.



 

5 توقعات

فى استطلاع للرأى أجرته هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى»، توقع الخبراء خمسة سيناريوهات للحرب خلال العام الجارى، بين تحضير روسيا لهجوم جديد فى الربيع، واستعادة أوكرانيا سلامتها الإقليمية، وعدم وجود نهاية فى الأفق، وبدء كييف المرحلة الأخيرة من الحملة، وهى استرجاع شبه جزيرة القرم، واستمرار الحرب. 

وتوقع مايكل كلارك، المدير المساعد لمعهد الدراسات الاستراتيجية، إكستر، أن تكون روسيا تحضر لهجوم فى الربيع القادم، قائلا: «بتراجعه على الأرض فإن موسكو تعد قواتها فى فصل الشتاء فى انتظار هجوم روسى جديد فى الربيع».

وتابع، إن الجيشين يحتاجان التوقف، لكنه لا يتوقع أن يتوقف الجيش الأوكرانى الذى يحقق بعض المكاسب الميدانية على الأرض»، مشيرا إلى أنه بالنسبة لعام 2023، سيكون المحدد الرئيسى هو مصير هجوم الربيع الروسى. 

وفى المقابل، رأى أندريه بيونتكوفسكى، عالم ومحلل مقيم فى واشنطن، أن أوكرانيا ستفوز باستعادة سلامتها الإقليمية بالكامل بحلول ربيع عام 2023، قائلا إن «التوقيت الدقيق لانتصار أوكرانيا الحتمى سيكون وفقا للسرعة التى يمكن أن يقدم بها الناتو حزمة جديدة من أسلحة الهجوم العسكرى. 

واعتبر أن القوى المنتصرة، أوكرانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، ستشكل فيما بعد بنية أمنية دولية جديدة.

أما باربرا زانشيتا، الأستاذة بقسم دراسات الحرب، بكينجز كوليدج لندن، فقد رأت أنه ليس هناك نهاية فى الأفق، معتبرة أن آفاق التفاوض قاتمة. 

وبالنسبة لاتفاق سلام محتمل، قالت زانشيتا يجب أن تتغير المطالب الأساسية لجانب واحد على الأقل، ولا يوجد دليل على حدوث ذلك أو أنه سيحدث قريبًا.

أما بن هودجز، القائد السابق لجيش الولايات المتحدة فى أوروبا، فقد شدد على أنه من السابق لأوانه التخطيط لاستعراض النصر فى كييف، ولكن كل الزخم مع أوكرانيا الآن، وليس هناك شك فى ذهنى أنهم سيفوزون فى هذه الحرب ربما فى 2023.»

وتابع، بحلول يناير المقبل، قد تكون أوكرانيا فى وضع يمكنها بدء المرحلة الأخيرة من الحملة وهى استرجاع شبه جزيرة القرم للسيطرة الأوكرانية من جديد.

ومن جانبه، قال ديفيد جندلمان الخبير العسكرى الأمريكى، أن الحرب ستستمر وستزيد، موضحًا أن نصف القوات الروسية التى تم حشدها والبالغ عددها 300 ألف متواجدة بالفعل فى منطقة القتال، البقية بجانب القوات المحررة ستتجه للعمل بعد انسحاب خيرسون.

وقال ستستمر السيطرة الروسية على منطقتى لوهانسك ودونيتسك، لكن من غير المرجح حدوث اختراق روسى كبير مثل القيادة من الجنوب إلى بافلوجراد لتطويق القوات الأوكرانية فى دونباس، مشيرا إلى أن الأكثر ترجيحًا هو استمرار التكتيكات الحالية، «الطحن البطيء» للقوات الأوكرانية فى اتجاهات ضيقة والتقدم البطيء.

الاستمرار الغربي

على صعيد آخر، يمكن أن نحدد مجريات الحرب وفق مجريات الأحداث الجارية، خاصة وأن الحرب الروسية الأوكرانية تأثيرها قد وصل إلى حد تهديد النظام العالمى بأكمله، وقد تؤدى إلى هذا إلى ظهور نظام عالمى جديد لا يعرف ملامحه حتى الآن لكن تبقى قوتاه روسيا والصين تتصدران المشهد بصورة قوية، خاصة وأن الحرب فى أوكرانيا، والتى ما زالت محصورة فى أراضيها، تجسد حالة حرب بالوكالة بين روسيا من جانب، والولايات المتحدة الأمريكية، وحلفائها الغربيين من جانب آخر، ما يجعل تطوراتها ونتائجها المحتملة، إما انتصارًا كليا أو جزئيًا، أو هزيمة كاملة، أو جمود الأمر الواقع، من حيث السيطرة الروسية على أجزاء كبيرة من شمال أوكرانيا، والتكيف الدولى معه. تلك المتغيرات الاستراتيجية سوف يتحدد على أساسها مكانة روسيا فى النظام الدولى فى المرحلة المقبلة، ومن ثم الإطار الجديد الذى سيحكم علاقات القوى الكبرى وحالة السلام الدولى ككل.

عقبات النظام الجديد

من الواضح أن روسيا ومعها الصين تناديان بنظام دولى جديد ينهى الانفراد الأمريكى، ويمنحهما مساحة تأثير ونفوذ فى القضايا الدولية، ويجسد رؤاهما فى نظام دولى متعدد الأقطاب يقوم على المنافسة السلمية بين الجميع لاسيما الكبار بدون تفرقة، ولا تفرض فيه صيغة معينة للحكم كما تسعى إلى ذلك بكل قوة الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون تحت شعار نشر «الديمقراطية وحقوق الإنسان»، ويؤدى إلى الحد من هيمنة الدولار على المعاملات الاقتصادية والتجارية الدولية، وتتعدد فيه مراكز القرار والمجموعات الدولية المختلفة.

ومنذ بدء الحرب فى أوكرانيا، فقد ربط الرئيس بوتين بعض أهداف تلك العملية بتغيير النظام الدولى والحد من الهيمنة الأمريكية، جنبًا إلى جنب تحصين الأمن القومى الروسى من خلال وقف تمدد حلف الناتو ناحية الحدود الروسية، ومنع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو، وتثبيت الحياد فى سياستها الخارجية، وتحويلها إلى ما يشبه المنطقة العازلة بين روسيا والغرب. ولذا تبدو الحرب فى أوكرانيا من المنظور الروسى كخطوة نحو تفكيك المنظومة السياسية والاقتصادية والاستراتيجية التى يتأسس عليها الانفراد الأمريكى بقمة النظام الدولى منذ انهيار الاتحاد السوفيتى نهاية ثمانيينات القرن الماضى. ولكنها خطوة ثبت أنها حتى الآن ليست كافية فى حد ذاتها لتغيير الأسس التى يقوم عليها الدور الأمريكى المهيمن عالميًا فى الاقتصاد والتكنولوجيا المتفوقة، ومرونة السوق، والقدرات العسكرية الفائقة، والنفوذ السياسى والقدرة على بناء التحالفات الدولية ضد روسيا والصين معًا.

وهكذا فمن الناحية العملية فإن الاستناد إلى نتائج الحرب فى أوكرانيا وحدها لإنشاء نظام دولى جديد وفقًا للأهداف الروسية بعيدة المدى، ويبدو أمرًا متعذرًا؛ فالانفراد أو الهيمنة الأمريكية على النظام الدولى الراهن ليست نتاج القدرات الأمريكية الذاتية وحسب، فهناك الكثير من العوامل التى تدعم هذا الإنفراد على الأقل لعقدين مقبلين.

حرب التفاوض

أما فى حال لو تحدثنا على إمكانية بين طرفى الحرب الرسميين، روسيا وأوكرانيا، فإن هذه الخطوة لا يمكننا أن نفصل عنها الأطراف الخلفيين للحرب، فمع استمرار تقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية الهائلة، وتمسك أوكرانيا على لسان رئيسها زيلينسكى بعدم التفاوض مع روسيا إلا بعد ما وصفه» اختفاء الرئيس بوتين وانسحاب كامل للقوات الروسية من الأراضى الأوكرانية»، وفقًا لشروطه، فقد يبدوا أن الأمر اختلف نسبيًا مع منتصف شهر أكتوبر الماضى، حين ألمح مسئولون أمريكيون عن موقف جديد يتبنى مبدأ المفاوضات لإنهاء الحرب، وذلك فى صورة نصائح للرئيس الأوكرانى بعدم التشدد فى المواقف وإبداء مرونة أكبر، مع التأكيد على أن الولايات المتحدة وإن استمرت فى دعم أوكرانيا ماليًا وتسليحيًا، فإنها لا تفكر أبدًا فى الدخول فى حرب مباشرة مع روسيا، وكذلك لن يفعل الناتو، باعتبار أن أى مواجهة من هذا النوع تعنى حربًا نووية مدمرة لن يفوز فيها أحد، وهو ما تتجنبه الولايات المتحدة.

نصائح واشنطن بالتفاوض، رافقتها مواقف فرنسية لتأييد المبدأ وإبداء استعداد شخصى من الرئيس ماكرون للقيام بدور ما لتسهيل تلك المفاوضات، وفى السياق ذاته أبدى الرئيس التركى رجب طيب إردوغان استعداد بلاده للقيام بجهود من أجل تيسير بدء المفاوضات الروسية الأوكرانية. 

الواضح أن الضغوط الداخلية فى العديد من البلدان الأوروبية، الناتجة عن تراجع الأوضاع الاقتصادية، وبروز آثار سلبية تراكمية نتيجة فرض العقوبات على روسيا، ووقف صادراتها من الغاز إلى الدول الأوروبية، ومؤشرات القلق المتصاعدة من الافتقار للطاقة اللازمة لمواجهة برد الشتاء المقبل، وما قد يحدث من توقف تام لأنشطة اقتصادية رئيسية. فضلاً عن الإدراك بعدم قدرة الجيش الأوكرانى، رغم المساعدات العسكرية الهائلة التى حصل عليها، من إلحاق هزيمة كبرى للقوات الروسية.

أضف إلى ما سبق، هناك بعض المقاربات الأمريكية التى تدعو إلى الضغط على أوكرانيا لقبول التنازل عن جزء من أراضيها لصالح روسيا لإنهاء الحرب، ومنع التورط فى مواجهة نووية تدمر العالم بأسره. ويعد هذا التحول متغيرًا مهمًا بالنسبة لمسار الحرب ونتائجها، مع الأخذ فى الاعتبار أن المفاوضات ستواجه العديد من التعقيدات؛ نظرًا لتباين منطلقات كل طرف، لكنها تظل خيارًا مقبولاً كبديل لخطأ الإنجرار لحرب نووية.

وتجسد هذه المواقف الدولية المتباينة حقيقة أن التفاوض مطروح كمنهج لتسوية الحرب، ولكن لم تتحدد معالمه بعد. ويظل الأمر مرهونًا بمدى التعقيدات التى ستنتج عن استمرار الحرب فى فصل الشتاء القارس، وما ستمثله من ضغوط على قادة الغرب وأوكرانيا للدخول فى مفاوضات جدية، بالإضافة إلى معالجة الآثار الكارثية المتوقعة للأزمة الغذائية العالمية.