السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

استطاعت أن تصنع تاريخًا فى الحياة الثقافية والفنية والسياسية فى مصر فاطمة اليوسف.. فارسة القلم الجرىء

ونحن  نحتفى بالأسطورة «فاطمة اليوسف» التى ربما تكون هى صاحبة «نون القوة» التى نخصّص لها مَجلة داخل المَجلة، هى التى نستمد منها القوة والجرأة والاستقلال والموهبة والمعافرة فى الحياة، فهى لم تستسلم للظروف القاسية التى عاشتها طوال حياتها..



 

وأنا أكتب هذه السطور أفتخر بأننى إحدى التلميذات فى مَدرسة «روزاليوسف» رُغْمَ أننى لم أعش فى زمنها إلا أننى أراها أسطورة من الأساطير الصحافية، وقلّما يجود زمننا بمثلها ولكنى لن أنسَى أنها فارسة القلم الجرىء الذى لم يستطع أحدٌ قصفه، إنها «روزاليوسف» تلك السيدة التى لا تحمل شهادة مَدرسية ولا مؤهلاً علميًا.. وهى التى أخرجت جيلاً كاملاً من الكُتّاب السياسيين ومن الصحفيين.. هى التى أرشدت أقلامَهم وهى التى وجهتهم وهى التى بثت الروحَ فيهم وهى التى انتقتهم ورشحتهم لمستقبلهم.. ولا تزال إلى اليوم يخرج منها فوجٌ بَعد فوج.

وُلدت «فاطمة اليوسف» عام 1898 لأسرة لبنانية من مدينة طرابلس، وعاشت فاطمة اليوسف طفولة صعبة وقاسية؛ لم تتلق قدرًا من التعليم بل كانت أمّيّة، وتُوفيت أمُّها «جميلة» بعد ولادتها، فتركها والدها «محمد محيى الدين اليوسف» لدى أسرة مسيحية لكى تقوم برعايتها وتعليمها، وتركوها بصحبة مربيتها «خديجة»، وسافر الأب محمد محيى الدين اليوسف إلى اسطنبول ولم يقدر لابنته أن تراه أو تعرف متى غاب عن الدنيا، فكان تاجرًا ثريًا لا يعرف الاستقرارَ لذا اختار أسرة بديلة لابنته وأبقى معها المربية خديجة وتكفّل بمصروف شهرى ظل يدفعه بانتظام حتى حالت ظروف غامضة دون استمراره فى تقديم الدعم فواجهت الطفلة «فاطمة» قسوة اليُتم ولم تجد من يحنو أو يعطف عليها، وقبل أن تُتم السابعة من عمرها توفى والدها، ومنذ ذلك الحين تغيرت معاملة الأسرة لـ«فاطمة» وتغير اسمها من «فاطمة» إلى «روز».

ساءت الحالة الصحية لمُربيتها، الأمْرُ الذى دفع أحدَ أفراد الأسرة إلى اصطحابها معه إلى البرازيل، وكانت نقطة التحول الأبرز فى حياة «روز»، حينما رسَت السفينة التى كانت تقلهم على سواحل الإسكندرية للتزود بالوقود.

«روز» الفنانة

فى الإسكندرية التقت «روزاليوسف» بإسكندر فرج صاحب الفرقة المسرحية «الجوق المصرى العربى»، الذى انبهر بجمالها، عاشت «فاطمة» فى كفالة إسكندر فرج وفى هذه البيئة عرفت الفن المسرحى لأول مرّة، فإسكندر صاحب فرقة مسرحية أمّا الطفلة الصغيرة فتعلقت بالفن الذى تشاهده كل يوم وتتخيل نفسَها واحدة من الممثلات اللاتى تراقبهن من كواليس المسرح.

 وعرض «إسكندر فرج» على «روز» الاستقرار فى القاهرة، وامتهان الفن فوافقت، وكانت هذه بمثابة شهادة ميلاد جديدة لها؛ حيث توسعت علاقاتها بأصحاب تياترو شارع عبدالعزيز، وبدأت حياتها الفنية بمجموعة من الأدوار الصغيرة لا تنطق فيها إلا بكلمات قلائل ثم ارتقت بها موهبتها حتى وصلت إلى القمة وتربعت عليها.

 (عواطف البنين) أول دور مسرحى

وأخذت تتردد على المَسارح إلى أن قابلت عزيز عيد، الذى كان بمثابة الأب الفنى والراعى والمُعلم لها، فهو مَن منحها أول دور مسرحى فى حياتها، فى مسرحية (عواطف البنين)، وكانت حينها تبلغ من العمر 16 عامًا فقط، فتتلمذت «فاطمة» على يد الفنان الكبير عزيز عيد الذى كلف أحدَ الشيوخ بتعليمها اللغة العربية الفصحى، وأخذ على عاتقه أن يعلمها اللغة الفرنسية. كانت بداية تألقها فى مسرحية (عواطف البنين) من خلال دور عجوز فى السبعين وهو الدور الذى برعت فى تجسيده وهى دون العشرين وأصبحت بطلة فرقة يوسف وهبى مع نهاية الحرب العالمية الأولى ووصلت إلى المَجد عندما مثلت دور «مرجريت جوتيه» فى مسرحية (غادة الكاميليا) وبفضل أدائها المبدع للدور الشهير فى عالم المسرح أطلق عليها أكثر أسمائها شهرة ودلالة «سارة برنارد الشرق».

 أمّا الفضل الأول والأعظم تأثيرًا فى تألق موهبة «روزاليوسف» فيرجع إلى الفنان الكبير عزيز عيد الذى أكدت أنه فى حاجة إلى مَن يكتب عنه ويفيه بعضَ حقه لأن قصة حياته ثرية بما فيها من صعود وسقوط وبَسَمات ودموع.

 احتراف التمثيل المسرحى

وكانت تلك خطوة أولى قادتها إلى احتراف التمثيل المسرحى، أولاً تحت رعاية عزيز عيد ثم تحت رعاية جورج أبيض وأمين الريحانى.

 أمّا العمل الأكبر الذى أطلق شهرتها فى ذلك الحين فكان توليها بطولة أوبريت (العشرة الطيبة) الذى لحنه سيد درويش ليخرجه عزيز عيد.

 فرقة «رمسيس»

بعد ذلك، وفى عالم يوسف وهبى، عادت «فاطمة اليوسف» لتعرف مزيدًا من الشهرة؛ حيث سرعان ما أصبحت بطلة فرقته «رمسيس»، وراحت ترافق الفرقة من نجاح إلى نجاح، حتى بدأ التدهور يصيب ذلك المشروع فقررت «فاطمة اليوسف»- وقد باتت تحمل اسمها الفنى الذى ستعرف به قبل أن يخلّد كعنوان لمَجلتها «روزاليوسف»- أن تعتزل المسرح قائلة: «إن الفنان يجب أن يترك المسرح قبل أن يتركه المسرح»، واعتزلت وسافرت إلى باريس. ولقد ظلت على اعتزالها تسع سنوات، ولم تَعُد إلى المسرح إلا لمناسبة وطنية حين احترقت قرية «محلة زيادة» فقررت مع رفاقها القدامى أن تقدم مسرحية (غادة الكاميليا) لليلتين تبرعًا من أجل إعادة بناء القرية. والحال أن إقامتها فترة فى باريس ثم أداءها فى القاهرة لدور غادة الكاميليا قد جعلا الجمهور والصحافة فى ذلك الحين يطلقان عليها لقب «سارة برنار الشرق» بالنظر إلى أن الفنانة الفرنسية الشهيرة كانت قد عُرفت بالدور نفسه.

«حلوانى كساب»

وُلدت فكرة إصدار مَجلة «روزاليوسف» فى محل «حلوانى كساب»؛ حيث كانت تجلس السيدة «فاطمة اليوسف» مع مجموعة من أصدقائها عندما جاء بائع الصحف بالعَدد الجديد من مجلة «الحاوى» وأبدت الفنانة الكبيرة استياءها من الحملات الجائرة التى تشنها هذه المَجلة ضد الفن والفنانين ومن الأخبار المسيئة الكاذبة. وهنا نبتت فى ذهنها فكرة إنشاء مَجلة تحقق هذا الهدف. وُلدت المَجلة عبر تعاوُن وثيق بين السيدة «فاطمة اليوسف» والشاب الموهوب الصحفى محمد التابعى صاحب الأسلوب الفريد فى تاريخ الصحافة المصرية. وصدر العدد الأول من مجلة «روزاليوسف» يوم الاثنين 26من أكتوبر 1925، وكتبت السيدة الرائدة افتتاحية أنهتها بكلمات دالة تعبر عن الرسالة التى تؤمن بها (وإذا وفقت بهذه الصحيفة أن أكون قوة مهذبة وأن أدخل اسم المسرح إلى كل أذُن وأن أبعث اسمه فى كل دار فقد أديت واجبًا وذا حسبى وسأسعَى جهدى).

 المازنى ينتقدها فى مَجلتها

وُلدت حرية التعبير عند «روزاليوسف» منذ ولادة العدد الأول وبدأت بنفسها عندما وجّه إليها الكاتب الكبير إبراهيم عبدالقادر المازنى نقدًا لشخصها فى غزوها مجال الصحافة فقال: «إذن لماذا تعالج السيدة روز فنًا غير الذى خُلقت له وهيأت لها فطرتها أسباب النجاح فيه، لا أدرى! فلعلها نزوة وعسَى أن تكون قد جاءت نفسها بإحساسات قوية غامضة. كما يحدث لنا جميعًا فاندفعت تبغى الإفضاء بها والكشف عنها والترفيه عن نفسها عن طريق ذلك. 

أو لعلها مَلّت أن تظل عمرها تحيا على المسرح غير حياتها وتلبس خلاف عواطفها وخوالجها وآرائها وتجرى بلسانها بما يوضع عليه فاشتاقت من أجل ذلك أن تنفض كل هذه الثياب المستعارة وأن تبدو لنا كما هى على الحقيقة لا على المجاز. ولعلك لو سألتها فى ذلك لما درت كيف تقول فى تعليل هذا الذى أقدمت عليه وشرعت فيه: أين ذاك الذى يحسن أن يدير عينيه نفسه حتى ليقف على أخفى البواعث على ما يأتى وما يَذر؟! لا أحد فيما أظن! وأحسب أن من قلة الذوق أن تكون هذه كلمتى إليها فى أول عدد من مجلتها. 

ولكن عذرى أنى أشد إعجابًا بفنها وبمواهبها من أن تطاوعنى نفسى على تشجيعها على مهاجرة المسرح والانصراف إلى الكتابة.  وفى مرجونا ألا تعدم وسيلة للتوفيق بين رغبتها هذه وبين حق الفن عليها. هناك إذن على المسرح مجالك يا سيدتى فارجعى إليه، وإذا أبيت إلا المجلة فلتكن سلوى لا شغلانا».

 أمّا «روزاليوسف» فردت على هذا المقال فى نفس العدد قائلة: «إن كل عمل مجيد يكون فى أوله نزوة طارقة ثم يستحيل إلى فكرة فإذا رسخت أصبحت يقينًا فجنونًا..

 كذلك كان حالى مع الفن الجميل. كنت لم أتجاوز الرابعة عشرة حينما خطر لى أن أمثل وكانت تربطنى صلات مع أصحاب تياترو شارع عبدالعزيز ذهبت يومًا إلى هناك وانتقيت فستانًا من المحمل الأسْوَد الموشى بالقصب (والترتر) ثم رجعت إلى منـزلى الصغير بالفجالة وهناك أسدلت شعرى على أكتافى وخططت وجهى بألوان فاقعة بعد أن ارتديت هذا الفستان الذى كانت تلبسه سابقًا ممثلة دور (مارى تيودور) وكان له ذيل طويل يحسن كنس المسرح ثم خرجت إلى الطريق أتهادَى فى جلال ملكات الخيال اجتزت شارع الفجالة فكلوت بك فميدان العتبة الخضراء حتى التياترو- تبعنى نفرٌ من الناس كما أننى أحسنت كنس الشارع بذيل فستانى (الخفافى) لم أنتبه إلى كل هذا إذ كان كل ما يغمر رأسى أنى أسير فى ثياب الملكة مارى تيودور. أليست هذه نزوة يا أستاذى العزيز؟؟!! هى كذلك». 

وكان من أكبر الكُتّاب الذين كتبوا فى العدد الأول: الأستاذ الأديب إبراهيم عبد القادر المازنى والأستاذ الكبير محمد لطفى جمعة المحامى، أمّا الأشعار فكانت للشاعر أحمد رامى وبعض مقالات لكل من الأستاذ عباس العقاد وبقلم الأديب عبدالرحمن صدقى بجانب الفن وباب النسائيات، أمّا الكاريكاتير فكانت شخصية أبو زعيزع. كان المقر الأول للمجلة الوليدة هو المسكن الشخصى للسيدة فاطمة اليوسف فى شارع جلال وهى شقة مرتفعة فى بيت يملكه أمير الشعراء أحمد شوقى وكان على المشاركين فى التحرير أن يصعدوا سُلمًا من 95درجة قبل الوصول إلى المقر. 

 توزيع اشتراكات

أنفقت «روزاليوسف» على العدد الأول كل ما تملك وكان المتعهد لا يرد ثمَن بيع المَجلة إلا بعد أن يتسلم العدد التالى، وجاءت إليها فكرة توزيع اشتراكات فمن الناس مَن كان يرفض الاشتراك فى مَجلة فنية ومنهم من كان لا يصدق أنها ستوالى الصدور وكان من بين من عاون «روز» فى توزيع الاشتراكات الدكتور محمد صلاح الدين والممثل الكبير الأستاذ زكى رستم قبل اشتغاله بالفن وأم كلثوم دفعت اشتراكًا وأخذت بقية الاشتراكات لتقوم بتوزيعها على أصدقائها، وتوالت الأعداد فى الصدور.

  لسان للحرية

 تحملت «روز» الكثير من الصعاب حتى يستمر هذا الإصدار ويتحول بأقلام مَن فيه إلى لسان للحرية. كانت تذهب إلى المَجلة يوميًا سيرًا على الأقدام من الزيتون إلى سراى القبة لتستقل الأوتوبيس الذى تصل به إلى المجلة.

 المصرى أفندى

تقول «روزاليوسف»: وُلدت شخصية المصرى أفندى على صفحات روزاليوسف؛ فقد كان الكشكول يرسم شخصية « جحا » ويحركها فى صورة السياسة وأردنا أن تكون لنا شخصية أخرى تنطق فى الكاريكاتير برأى المَجلة وكانت لدينا مجموعة كاريكاتير من الصحف الأجنبية وجدنا فيها أنا والأستاذ التابعى شخصية رجل يشبه «المصرى أفندى» يلبس قبعة ويحمل فى يده المسبحة.

وبدأ صاروخان يرسم «المصرى أفندى» ونشرت روزاليوسف فى إحدى المرّات رسمًا يمثل « المصرى أفندى» وقد وضعته وزارة محمد محمود فى إناء كبير كالذى يستعمله الهنود الحمر وهم يشعلون النار فيه، واستدعت النيابة صاروخان رسام الكاريكاتير لتستجوبه وسأله وكيل النيابة: مَن صاحب فكرة الصورة؟ فقال: السيدة روزاليوسف، ومَن الذى أعطاك شخصية «المصرى أفندى»؟ فقال: السيدة روزاليوسف، كيف ترسم صورة المصرى أفندى وهم بيحرقوها؟ فقال: لا.. أنا افتكرتهم بيطفوها. 

نقلت «روزاليوسف» صورة من المحضر وعندما خرج صاروخان من روزاليوسف وأراد أن يرفع دعوَى يطلب عدم استعمال شخصية «المصرى أفندى» لأنها من ابتكاره أظهرت روزاليوسف صورة من المحضر فأيقن صاروخان أن قضيته خاسرة. 

 رمش القانون

فى حادث قرية «الحصانية» والذى يتلخص فى أن رجال الإدارة ذهبوا إلى قرية الحصانية مركز السنبلاوين وعطلوا وابور طحن الغلال ومضرب الأرز المملوكين للشيخ طلبة صقر الذى كان من الوفديين المعروفين ورفع الشيخ دعوَى أمام المحكمة ضد الحكومة فأرسلت الإدارة بوليها لكى يمحو معالم ما أفسده فى الوابور قبل أن تثبت المحكمة حالته وتصدّى الشيخ صقر وأنصاره للبوليس فأطلق البوليس النار وسقط ثلاثة من القتلى وكثيرون من الجرحى.. وحوصرت القرية أيامًا طويلة وألقى أهلها فى السجون، وكتب «التابعى» فى روزاليوسف تعليقا ساخرًا على هذا الحادث قال فيه: «إن وزير الحقانية.. أحمد باشا على- قرأ تقرير النائب العام ثم.. هز رأسه وقال: نفرج عن الأهالى معلهش أمّا أن نحاكم المأمور بتهمة التزوير؛ فلا! وأسْبَل القانون رمشه وصرف نظرًا عن الموضوع»! وحُكم على «التابعى» بعد هذا المقال بالسجن أربعة شهور وبعد التحقيق صدر الحكم عليه بغرامة خمسين جنيهًا.

 الخصومة مع الوفد

انتشرت مجلة «روزاليوسف» الفنية انتشارًا واسعًا ثم ما لبثت أن تحولت هذه المجلة إلى السياسة، وكان أول تحقيق صحفى لها أثناء محاكمة محمود فهمى النقراشى وأحمد ماهر فى إحدى القضايا السياسية.

 تقاربت «فاطمة اليوسف» مع حزب الوفد الذى قام بضمها إليه هى ومجلتها، وقد تعرض حزب الوفد فى تلك الفترة لحملة انتقادات عنيفة وأطلق عليه خصومه «حزب روزاليوسف»؛ فرد عليهم النحاس باشا بأن الوفد يفخر بأن ينتسب إلى «روزاليوسف». ولم تدم العلاقة الوطيدة بين «فاطمة اليوسف» وحزب الوفد فسرعان ما تحولت إلى عداء شديد بعد إصرارها على انتقاد رئيس الوزراء نسيم باشا ومطالبته بعودة دستور 1923 وإجراء انتخابات نزيهة فما كان من الوفد إلا أن فصل «فاطمة اليوسف» ومجلتها من الحزب، ولم تستسلم روزاليوسف وأسّست صحيفة «روزاليوسف» اليومية التى صدرت فى 25 مارس عام 1935 والتى رفض باعة الصحف بيعها بعد أزمة مؤسّستها مع حزب الوفد فتراكمت الديون عليها وتعرضت لأزمة مالية خانقة. 

ورُغْمَ كل ما مَرّ عليها من أزمات؛ فإن حملتها قد نجحت واستقالت حكومة نسيم باشا وعاد دستور 1923 وعندما عاد الوفد إلى الوزارة من جديد كان أول قرار اتخذه هو إلغاء ترخيص صحيفة «روزاليوسف» اليومية فكانت الحكومة والحزب ضد روزاليوسف.

اكتشاف المواهب الصحفية

جذبت المجلة نجومًا جُدُدًا فى ساحة الصحافة نظرًا لما اتسمت به من طبيعة شابة ومتمردة، كان هؤلاء النجوم وقتها لا يزالون فى بداياتهم الأولى، لكن لمحت فيهم السيدة «روزاليوسف» مُبكرًا ملامح التفوق الصحفى، وكانت نظرتها فى محلها؛ حيث سطعت نجوم أسماء صحافية شكلت فيما بعد أعلامًا بارزة فى سماء الصحافة، ومن بين هذه الأسماء، الأخوان «على ومصطفى أمين»، اللذان عينتهما روزاليوسف براتب ثمانية جنيهات، ومحمد حسنين هيكل الذى عينته مقابل 15 جنيهًا شهريًا، ونجلها إحسان عبدالقدوس الذى عمل مُحرّرًا بالمجلة إلى أن صار رئيسًا لتحريرها.

وتمثل قصة اكتشاف موهبة الصحفى أحمد بهاء الدين، حكاية خاصة بذاتها تختلف عن باقى الأسماء السالف ذكرها، إذ كان يُرسل مقالاته للمجلة بواسطة بواب العمارة التى يقع فيها مقر المجلة، ويوجهه إلى إحسان عبدالقدوس، وبعد أكثر من مقال ناجح كان يُسلمه بنفس الطريقة لبواب العمارة، طلب إحسان عبدالقدوس من البواب أن يُخبر «بهاء الدين» بطلبه للمجلة، وكان هذا هو الحدث المفصلى، الذى قلب حياة «بهاء الدين» رأسًا على عقب، ووثقه فى إحدى مقالاته كاتبًا عن مُكتشِفه: «أخذنى من يدى وعرّفنى على السيدة روزاليوسف، واستمررت فى الكتابة، وعرضوا علىّ أن أشتغل فى روزاليوسف لكنّى رفضت، فقد كنت وقتها أعمل فى مجلس الدولة ومُرشحًا للسفر إلى فرنسا لدراسة الدكتوراه التى سجلت موضوعها فى جامعة السوربون بباريس، عن مرحلة من تاريخ مصر السياسى، لكن جعلتنى السيدة روزاليوسف أترك كل شىء، وأُعطى حياتى كلّها للفكر والصحافة والكتابة، فقد جرفنى التيار إلى مجرَى الصحافة بغير رجعة».

وكان هذا اللقاء بداية صعوده داخل «روزاليوسف»، إلى أن صار رئيسًا لتحرير مجلة «صباح الخير»، وكان وقتها أصغر رئيس تحرير، ومن روزاليوسف انتقل «بهاء الدين» إلى مضمار الصحافة المصرية والعربية، ويُذكر أنّه صاغ شعار مجلة «صباح الخير» الشهير، وهو «للقلوب الشابة والعقول المتحررة».

كما ظهر فى مدرسة «روزاليوسف» أسماءً لامعة كصلاح جاهين، كامل زهيرى، لويس جريس، آمال طليمات، وعشرات غيرهم من أعلام الصحافة المصرية عبر تاريخها الطويل.

وبالإضافة إلى مساهمتها فى اكتشاف العديد من المواهب الصحافية المصرية، استطاعت روزاليوسف احتضان نجوم الصحافة العربية، مثل الصحفى اللبنانى الراحل سليم اللوزى الذى كانت «روزاليوسف» محطة رئيسية له فى القاهرة، قبل أن يؤسّس جريدته الشهيرة «الحوادث» فى بيروت.

 كُرهها ليوم السبت

كانت روزاليوسف تقول عبارة شهيرة دائمًا وهى «لو كان يوم السبت رجلاً لقتلته»، ويرجع سبب كُرهها ليوم السبت إلى أنه كان يوافق يوم الصدور الأسبوعى للمجلة، واعتادت «روز» فى هذا اليوم على تربُّص الحكومة بأعداد المجلة عقب وصولها للمُوزعين لمُصادرة آلاف النسخ منها، مما كان يتسبب لها فى خسائر فادحة فى التكاليف والطباعة والمُعلنين، لذلك قامت بتأجير تراخيص مجلات بديلة لتضع بها محتويات مجلة «روزاليوسف» التى تمّت مُصادرتها، فصدرت مرّة باسم «الصرخة»، ومرة باسم «الرقيب”» ومرة باسم «مصر الحرة» ومرة باسم «صدى الحق»، وكانت روزاليوسف تأبَى أن تستسلم لضغوط الحكومة آنذاك، والتى كانت تعارضها فى انحياز تام لمبادئ المجلة وانتصارها للشعب والوطن، وسُحبت رخصة المجلة منها بسبب نشرها للمقالات النارية ضد الاحتلال الإنجليزى، مما أثار غضب الحكومة.

 من مجلة إلى جريدة

لم تستمر مجلة «روزاليوسف» فى القيام بعملها كمَجلة فنية أسبوعية، فبعد السنة الثالثة من إصدارها تحولت «روزاليوسف» إلى صحيفة سياسية، وهنا بدأ فصلٌ جديدٌ من قصة حياة روزاليوسف، ذلك الفصل الذى كلَّف «روز» المساءلة والاعتقال فى سبيل إعلاء كلمة الحق والصمود فى وجه الفساد والظلم.

لم يكن الطريق سهلًا أمام مجلة «روزاليوسف» أو مُؤسّستها، ففى سنة 1934 اختلفت «روز» مع محمد التابعى فاستقل الأخير عنها، ورحل معه نجوم المجلة آنذاك، مثل «على ومصطفى أمين، وجلال الدين الحمامصى، والشاعر سعيد عبده، ورسام الكاريكاتير صاروخان»، وظن أغلب الناس حينها أن المجلة قد انتهت، لكن ما حدث كان النقيض تمامًا؛ حيث انتقلت المجلة إلى مرحلة أكثر تألقًا وازدهارًا بعدما قررت روزاليوسف إطلاق جريدة يومية إلى جانب المجلة؛ لتُبرهن للجميع أن اسم روزاليوسف فى عالم الصحافة لن ينطفئ وسيظل برَّاقًا حتى بعد وفاتها.

صدر العدد الأول من الجريدة اليومية فى 25 مارس عام 1935، وتم إسناد رئاسة تحريرها إلى الدكتور محمود عزمى، الذى لم يستمر فى منصبه كرئيس تحرير للجريدة بعد مشادة مع «روز»، فما كان منها إلا أن أتت بالمناضل السياسى عبدالرحمن بك فهمى ليكون رئيسًا لتحرير الجريدة خلفًا لمحمود عزمى، كما تشاورت «روز» مع عباس محمود العقاد ليكتب بجريدتها الجديدة رُغْمَ أنه كان يكتب فى صحيفة «البلاغ» فى هذه الفترة، لكن الأمر لم ينجح؛ حيث حدثت مناقشة شهيرة بينهما اعترض فيها «العقاد» على أن يكتب فى جريدة اسم صاحبتها «سيدة»، ولكنه وافق فيما بعد وعمل بـ«روزاليوسف»، بعدما أصبحت مؤسّسة صحافية عملاقة، وكان مَن يكتب لديها فى هذا الوقت نجيب محفوظ، الذى كان لا يزال شابًا يدرس فى عامه الأول بكلية الآداب، وعائشة عبدالرحمن الملقبة ببنت الشاطئ، وفى هذا الوقت وصل توزيع الجريدة إلى 80 ألف نسخة يوميًا، وكانت تحتوى على صفحة يومية عن السينما، وصفحة أخرى للإذاعة، لكن بعد قرار تأميم الصحف الكبرى عام 1960، صدر قرار بتأميم دار «روزاليوسف» وتحويلها إلى مؤسّسة قومية.

 زواجها

تزوجت روزاليوسف ثلاث مرات؛ الأولى من المهندس محمد عبدالقدوس، والثانية من الممثل والمؤلف والمخرج زكى طليمات أحد رواد المسرح المصرى، الذى رُزقت منه بابنتها «آمال»، أمّا الثالثة فكانت من قاسم أمين، حفيد الأديب والكاتب ومحرّر المرأة قاسم أمين.

لكن الزيجة الأبرز بين هذه الزيجات الثلاث، هى زيجتها الأولى من محمد عبدالقدوس في1917، والتى قوبلت فى البداية برفض من أهله، إلا أنهما نجحا فى إتمام الزواج فى النهاية، وفى فترة زواجهما كان «عبدالقدوس» قد ترك العمل الحكومى واتجه إلى الفن حيث انخرط فى فن التمثيل، أنجبت «روز» من محمد عبدالقدوس الروائى الكبير إحسان عبدالقدوس، الذى أصبح من أهم الأدباء العرب لاحقًا، وقام محمد عبدالقدوس بأدوار مميزة فى أعمال سينمائية أُخذت عن روايات من كتابة نجله «إحسان»، منها فيلم (أنا حرة).

فى عام 1947 ومع صدور العدد الألف من مجلة «روزاليوسف»، كتب «إحسان» مقالاً قائلًا فيه: «ليس لجمعية روزاليوسف رئيس، ولكن لهم أم، أم ضحّت وهى تُعلِّم أولادها كيف يُضحون.. أم عنيدة وهى تُعلِّم أولادها العناد.. وأم انتصرت وهى تُعلِّم أولادها كيف ينتصرون.. هى أمى.. وأمهم.. وأم كل مَن له رأى، وله مبدأ، وله فن».

 وداعًا روزاليوسف

رحلت «روزاليوسف» عن عالمنا، فى 10 أبريل 1958، تلك السيدة الأسطورة، التى جاءت من الشام، وصنعت تاريخًا فى الحياة الثقافية والفنية والسياسية فى مصر.