الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

علاقات دولية بالمنطقة الرمادية ومواجهات بحروب الوكالة تداعيات النزاعات الدولية على الدول الضعيفة

مثلما يتطور شكل الحياة فى العصر الحديث سريعًا؛ تتغير العلاقات بين الدول بنفس القدر لتناسب هذا العصر، فالنظام الدولى الحالى لا يشبه ذلك الذى كان مستمرًا حتى القرن الماضى، حينما كانت العلاقات الدولية الودية ديمقراطية، والمواجهات عسكرية تقليدية، وجميعها واضحة وصريحة؛ أمّا الآن فقد دخلت مصطلحات جديدة تحاول شرح بعض العلاقات غير المباشرة فى وقت السلم والحرب، ومنها: (المنطقة الرمادية)، والتى تعنى الحيز بين السلام والحرب، و(حرب بالوكالة)، والتى تعنى حربًا تنشأ عندما تستخدم القوى المتحاربة أطرافًا أخرى للقتال بدلًا عنها بشكل مباشر!!



 

أدى هذا لضبابية المشهد بالنسبة لعدد كبير من الباحثين والمُحللين السياسيين؛ إذ اتفق أغلبهم أنه لا توجد طريقة للتنبؤ بالمناطق الرمادية، أو الحروب بالوكالة.

لكن؛ الأزمة الحقيقية تكمن فى تداعيات تلك المصطلحات- التى تنفذها الدول العظمى- على الدول الضعيفة حول العالم، فى ظل زيادة سكانية عالمية غير مسبوقة، وتغيُّر مُناخى يعصف بالجميع على حد سواء.. ففى الوقت الذى يتنافس فيه الكبار للسيطرة والنفوذ، يدفع آخرون ثمَن المنافسة.

 تغيُّر أشكال الحرب والنفوذ

بصورة مختصرة.. أشرنا فى الأجزاء السابقة، أن الحرب الاقتصادية الروسية مع الغرب وصلت إلى مستوى خطير فى (المنطقة الرمادية)، وفى الوقت ذاته يتناحر الطرفان من خلال الحرب بالوكالة فى عدد من المناطق حول العالم، وليس «أوكرانيا» فحسب.  وكذلك الأمر بالنسبة لجهود «الصين» للتحكم فى الموارد المعدنية الاستراتيچية والتصنيعية المهمة فى الأجهزة الحديثة المتطورة، والبطاريات، وغيرهما من المجالات المهمة للمدنيين والعسكريين؛ حيث صارت تلك الأدوات السمة الأساسية للعصر التكنولوچى والإلكترونى الحالية.

أمّا «الولايات المتحدة»، وشركاؤها الاستراتيچيون، فقد أدركوا- أيضًا- مدى جدّيّة التجسُّس الصناعى، والتكنولوچى، والجهود المبذولة للسيطرة على المجالات الرئيسية للتجارة.

إن هذه المنافسة الشرسة، تُعد شكلًا خطيرًا من أشكال حرب (المنطقة الرمادية) التى تلقى تداعياتها بظلالها على عدد من الدول الأخرى.

«حرب الشتاء» فى الدول الضعيفة

أوضح باحثو (CSIS)؛ أنه ليس هناك شك فى أن (حروب الشتاء) الأكبر ليست سوى جزء من التهديد الشامل الذى قد ينتج عن الدول الضعيفة، وتحديدًا تلك التى تعانى من الانقسامات الداخلية والإرهاب، فى وقت يواجهون فيه مشاكل متزايدة من حيث الإمدادات الغذائية، وواردات الطاقة، والفقر هذا الشتاء، فضلًا عن الأضرار الجسيمة من تغيُّر المُناخ، والاحتباس الحرارى.

أقرت استراتيچية الأمن القومى الأمريكية الجديدة بوجود أزمة غذائية عالمية، ومشاكل طاقة متزايدة. كما تعكس تقارير المنظمات غير الحكومية المختلفة عددًا متزايدًا مما يُسمَّى (الدول الهشة).

من جانبه؛ حذّر صندوق النقد الدولى فى تقرير آفاق الاقتصاد العالمى لعام 2022، الصادر فى أكتوبر 2022، من أن يظل النمو العالمى دون تغيير فى عام 2022 عند %3.2؛ مرجحًا أن يتباطأ إلى %2.7 فى 2023، مع احتمال أنه قد ينخفض إلى أقل من %2؛ متوقعًا- أيضًا- انكماشًا لأكثر من ثلث الاقتصاد العالمى هذا العام أو المقبل، فى حين أن الاقتصادات الثلاثة الأكبر «الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبى، والصين» سوف تستمر فى التباطؤ. فى ظل توقعات أن يبلغ التضخم العالمى ذروته فى أواخر عام 2022.

كما أشار تقرير (الفقر والازدهار لعام 2022) إلى أن نحو نصف العالم - أكثر من 3 مليارات شخص- يعيشون على أقل من 6.85 دولار أمريكى فى اليوم؛ مرجحًا أن 574 مليون شخص- نحو 7% من سكان العالم- سيظلون يعيشون على أقل من 2.15 دولار أمريكى فى اليوم فى عام 2030. فى الوقت نفسه، نوّه تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة لعام 2022، إلى الآراء السلبية للعالم؛ حيث أكد أن أكثر من 6 من كل 7 أشخاص شملهم الاستطلاع يشعرون بعدم الأمان بشأن مستوى التقدم العالمى.

وعلى صعيد آخر؛ أفاد تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين فيما يخص الاتجاهات العالمية للاجئين لعام 2022 بوجود 27 مليونًا و100 ألف لاجئ على مستوى العالم، بالإضافة إلى 53 مليونًا و200 ألف نازح داخل بلدانهم الأصلية بحلول نهاية عام 2021.

يعود الحجم الهائل للمستوى الحالى من الهجرة والنزوح للنزاعات العالمية؛ فعلى سبيل المثال، ارتفع مستوى الإرهاب والتطرف العالميين فى السنوات الأخيرة، والذى يُعَد جزءٌ كبيرٌ منها غطاءً لـ(حروب الوكالة) بين الدول الكبرى والتى تنفذ داخل الدول الضعيفة أو ذات الدخل المنخفض، المعرض لخطر زيادة الإرهابيين، ما يجعل بلدانهم أكثر عرضة للاستغلال، من قبل القوى الأكثر تطورًا، تؤدى لعدم استقرار الدول الضعيفة، وترفع نسبة الخطر على المستوى الإقليمى، ناهيك عن عدد الضحايا الناجم عن العنف؛ حيث أوضح مؤشر الإرهاب العالمى لعام 2022 أن هناك 7 آلاف و142 حالة وفاة فقط بسبب الإرهاب والتطرف.

 

فى النهاية كانت هذه الاتجاهات السلبية مدفوعة- جزئيًا- بتأثير جائحة كورونا، والتضخم، وأزمة الغذاء، التى سببتها العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، إلى جانب عدم جاهزية بعض الحكومات حول العالم للتصرف مع تلك الأزمات المتتالية، ما أدى كنتيجة نهائية إلى ارتفاع مطرد فى التطرف السياسى العالمى، وفى التوترات، والصراعات العرقية، والطائفية، والقبلية.

وقد عَلّقَ باحثو «مركز الدراسات الاستراتيچية والدولية» الأمريكى، أن كل هذه الاتجاهات تتفاعل مع بعضها البعض لتخلق عُقدة كبيرة من الأزمات المتشابكة، فى وقت تزداد فيه الإخفاقات حول العالم فى التعامل بشكل مناسب مع أزمات دولية أخرى، من الوباء، والاحتباس الحرارى، والنمو السكانى. 

وأوضحوا أنه على الرّغم من أن هذه الأزمات تعد- بالفعل- محور الاهتمام العالمى؛ فإن المعدل الهائل للنمو السكانى الفعلى بين عامَىْ 1950 و2020 يُعتبر الأخطر؛ لأن التهديد الإضافى الناجم عن الضغط السكانى صار واضحًا للغاية.. وهو ما يفسر سر وضع (العلاقات الدولية بالمنطقة الرمادية)، و(المواجهات عبر حروب الوكالة)، و(تداعياتهما على الدول الضعيفة) ضمْن القضايا المقلقة لـ(حروب الشتاء).