الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

التشديد فى السياسة النقدية هو الأكبر فى أربعة عقود رفع البنوك المركزية للفائدة يفاقم مخاطر الركود العالمى

يشعر صانعو السياسة النقدية فى البنوك المركزية الكبرى بالقلق من استمرار ارتفاع الأسعار بوتيرة أسرع مما يرغبون، وسيظلون منفتحين على مزيد من الزيادات فى أسعار الفائدة لإظهار أنهم جادون فى إعادة التضخم إلى المستويات التى كانت عليها قبل وباء فيروس كورونا,



وأشارت البنوك المركزية الكبرى الأسبوع الماضى إلى استعدادها لمواجهة ركود عالمى فى عام 2023، فيما وعدت بزيادة تكاليف الاقتراض فى معركتها المتواصلة ضد التضخم المرتفع وفقًا لوكالة «بلومبرج» الأمريكية.

وقالت سيلفيا أرداجنا، كبيرة الاقتصاديين الأوروبيين فى بنك باركليز لـ «فايننشال تايمز»: «التضخم يتباطأ ووتيرة ارتفاع الأسعار أقل، لكن البنوك المركزية لا تزال تتقدم بزيادات أكبر للفائدة من 0.25 نقطة مئوية، اعتدنا عليها تاريخيًا».

 رفع أسعار الفائدة

وبعد زيادة أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، قال رؤساء الاحتياطى الفيدرالى، والبنك المركزى الأوروبى، وبنك إنجلترا، إنَّه من المرجح رفع أسعار الفائدة خلال 2023، حتى مع اعترافهم بوجود مؤشرات على ضعف اقتصاداتهم.

الخطر المتزايد هو أنَّ المزيد من التشديد فى السياسة النقدية، والذى يعتبر الأكبر من نوعه فى أربعة عقود، من شأنه أن يقوّض الطلب والتوظيف، إلى درجة سيدفع معه الاقتصاد العالمى نحو الركود فى العام المقبل، وذلك بعد فترة وجيزة من الانكماش الذى تسببت به جائحة كورونا.

قال إيثان هاريس رئيس أبحاث الاقتصاد العالمى فى «بنك أوف أميركا»: «نحن على حافة ركود عالمي».

وقالت جينيفر ماكيون كبيرة الاقتصاديين العالميين فى «كابيتال إيكونوميكس» إنه بينما من المرجح أن ينخفض التضخم «أقل بكثير» على مدار العام المقبل، كانت هناك علامات استفهام كبيرة حول ما إذا كانت ضغوط الأسعار ستعتدل بما يتماشى مع أهداف البنوك المركزية حول اثنين فى المئة.

وفى منطقة اليورو، ظل التضخم الأساسى، الذى يستبعد التغيرات فى أسعار الطاقة والغذاء والتبغ، عند أعلى مستوياته على الإطلاق عند خمسة فى المئة فى نوفمبر، وفى الولايات المتحدة انخفض المقياس الأساسى بمقدار 0.3 نقطة مئوية فقط إلى 6.3 فى المئة فى نوفمبر من أعلى مستوى فى 40 عامًا فى الشهر السابق.

وقال ناثان شيتس كبير الاقتصاديين العالميين فى «سيتي» للصحيفة، إن التضخم المستمر فى قطاع الخدمات، إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة المستمر، وإن كان أبطأ، والركود المتداول، ستكون «الأخبار السيئة للعام المقبل».

 تشديد السياسات النقدية

ومن المقرر أن يثبت الإبقاء على تشديد السياسة النقدية أنه يمثل تحديًا أكبر فى مجال الاتصالات لمحافظى البنوك المركزية مع تقلص الاقتصادات على جانبى المحيط الأطلسى، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الزيادات الضخمة فى أسعار الفائدة التى حققتها البنوك المركزية على مدار عام 2022.

ويبدو أن المسئولين اليوم أكثر استعدادًا للمخاطر المرتبطة بالضغط على الاقتصاد بقوة مفرطة، وقال جيروم باول رئيس الفيدرالى الأمريكى، إنه فى حين أن الاحتياطى الفيدرالى سيفعل ما هو ضرورى لإعادة التضخم إلى هدفه طويل الأمد البالغ اثنين فى المئة، فإن البنك المركزى لا يريد كبح الطلب بشكل مفرط ودفع الاقتصاد الأمريكى إلى الركود، وأضاف فى حدث استضافه معهد «بروكينغز» للأبحاث فى نهاية الشهر الماضى «أنا وزملائى لا نريد المبالغة فى التوتر»، لكن خطر توقف التضخم عن الانخفاض عند مستويات أعلى بكثير من اثنين فى المئة سيقود بنك الاحتياطى الفيدرالى إلى رفع سعر سياسته المعيارية بمقدار نصف نقطة مئوية.

ويأتى القرار الذى سيرفع معدل الأموال الفيدرالية إلى نطاق مستهدف من 4.25 فى المئة إلى 4.5 فى المئة، بعد أربعة ارتفاعات متتالية قدرها 0.75 نقطة مئوية فى وقت يراهن المستثمرون على أن بنك الاحتياطى الفيدرالى قد يخفض أسعار الفائدة عام 2023، ومن المرجح أن تتلاشى تلك الآمال رغم التباطؤ فى وتيرة رفع أسعار الفائدة، فى حين أشار مسئولو الاحتياطى الفيدرالى إلى أن أسعار الفائدة ستظل عند «مستويات مرتفعة» طوال العام المقبل، ومن المتوقع أن تبطئ البنوك المركزية الرئيسية الأخرى، بما فى ذلك بنك إنجلترا والبنك المركزى الأوروبى، وتيرة ارتفاع أسعار الفائدة فى وقت لاحق من هذا الأسبوع، بينما تظل جادة بشأن السيطرة على التضخم.

 قلق من انخفاض التضخم

مصدر قلق جديد على مستوى العالم يتمثل فى أنَّ السلطات تقلل من شأن السرعة التى يمكن أن ينخفض بها التضخم مع تباطؤ النمو وتلاشى مشكلة سلاسل التوريد الناجمة عن كوفيد-19.

يتمثل التهديد فى أنَّ موقف تلك السلطات الصارم يمكن أن يجعل الوضع المتردى بالفعل أكثر سوءًا، ويؤدى إلى تعميق فترات الانكماش التى يأمل محافظو البنوك المركزية أن تكون قصيرة وطفيفة.

كتب جو ليتل، كبير الاستراتيجيين العالميين لدى «اتش اس بى سى آسيت مانجمنت» فى تقرير: «إذا كان 2022 هو عام ارتفاع التضخم ورفع أسعار الفائدة وانخفاض مضاعفات سوق الأسهم؛ فإنَّ 2023 سيكون عامًا يتعلق بدورة الاقتصاد الكلى.. من المحتمل أنَّنا وصلنا إلى ذروة تشديد البنوك المركزية لسياساتها النقدية، حيث بدأت معدلات التضخم الرئيسية فى التراجع».

ويرى مسئولو بنك إنجلترا علانية، أنَّ المملكة المتحدة فى حالة ركود بالفعل. ويفترض المسئولون فى البنك المركزى الأوروبى أنَّ منطقة اليورو قد دخلت فى الركود خلال الربع الجارى. تضرر الاقتصاد فى كل من المملكة المتحدة ومنطقة اليورو جراء ارتفاع تكاليف الطاقة نتيجة الغزو الروسى لأوكرانيا.

الولايات المتحدة أقل تعرضًا لتداعيات الحرب، لكنَّها لا تزال تواجه خطر الانكماش مع ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة التى تؤثر على الاقتصاد. وعلى الرغم من أنَّ باول ابتعد عن القول إنَّ الركود بات وشيكًا؛ لكنَّ اثنين من زملائه أشارا فى توقُّعات صادرة الأسبوع الماضى إلى أنَّ الناتج المحلى الإجمالى سينكمش خلال 2023.

فى حين تستعد البنوك المركزية الثلاثة لمواصلة رفع أسعار الفائدة فى عام 2023؛ فإنَّه من غير المرجح أن تظل زيادات معدلات الفائدة بنفس مقدار زيادة الأسبوع الماضى.

أبقى باول الباب مفتوحًا أمام بنك الاحتياطى الفيدرالى ليعود مرة أخرى لرفع معدل الفائدة بمقدار ربع نقطة فى فبراير 2023، بينما أخبرت لاغارد الأسواق بأنَّها (أى الأسواق) تستخف بعزم البنك المركزى الأوروبى.

وأشارت لاغارد إلى احتمال رفع الفائدة بمقدار نصف نقطة مرتين، كما أعلنت عن خطط للبدء فى خفض مخزون السندات البالغة نحو 5 تريليونات يورو (5.3 تريليون دولار).

بنك إنجلترا ورفع الفائدة

فى غضون ذلك، تتجه تخفيضات أسعار الفائدة لدى بنك إنجلترا إلى بؤرة الاهتمام. برغم أنَّ الغالبية صوّتت خلال الأسبوع الماضى على رفع الفائدة بمقدار نصف نقطة إلى %3.5، لكنَّ اثنين من المسئولين عارضا رفع الفائدة، وأشارا إلى أنَّه ينبغى تخفيف السياسة النقدية فى وقت قريب.

وكشف محضر الاجتماع أنَّ اثنين من المسئولين يعتقدان أنَّ رفع الفائدة لدى بنك إنجلترا إلى %3 «هو أكثر من كافٍ لإعادة التضخم إلى المعدل المستهدف، قبل أن ينخفض إلى ما دون المستهدف على المدى المتوسط».

وتبقى سوق العمل هى النقطة الرئيسية التى تركّز عليها جميع البنوك المركزية الثلاثة. فمعدل البطالة فى الاقتصادات المتقدمة الرئيسية البالغ %4.4 فى الربع الثالث، هو الأدنى منذ أوائل الثمانينيات، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية. وهذا يؤدى إلى رفع الأجور وزيادة الضغط على الشركات لرفع الأسعار.

كذلك، تحتاج البنوك المركزية لأن تكون أسواق مالية إلى جانبها. إذا خفضت البنوك المركزية أسعار الفائدة؛ سيؤدى ذلك إلى تخفيف بعض تكاليف الاقتراض المرتفعة.

وكتب جورج سارافيلوس، الرئيس العالمى لأبحاث الصرف الأجنبى لدى مصرف «دويتشه بنك» فى تقرير له : «تبدو الرسالة العامة لعام 2023 واضحة: سوف تتراجع البنوك المركزية عن الأصول عالية المخاطر إلى أن تبدأ سوق العمل فى التحوّل». وأضاف: «قدّم أكبر بنكين مركزيين فى العالم - الاحتياطى الفيدرالى والبنك المركزى الأوروبى - رسالة واضحة: يجب أن تظل الظروف المالية مشددة».

 سوق العمل 

فى الولايات المتحدة، وفق ما قاله ويليام دادلى، رئيس بنك الاحتياطى الفيدرالى السابق فى نيويورك، والذى أصبح الآن مستشارًا بارزًا فى «بلومبرج إيكونوميكس»، لـ«تليفزيون بلومبرج»؛ «الأمر كله يتعلق بسوق العمل».

أما فى منطقة اليورو؛ فيأتى جزء كبير من تحفيز التضخم من اضطرابات إمدادات الطاقة، مع زيادة الطلب المكبوت فى أعقاب الوباء. كما يزيد انخفاض قيمة اليورو من زخم ارتفاع الأسعار.

على الرغم من وضع الحكومات حدودًا قصوى للأسعار من شأنها تخفيف الأعباء على النسبة للشركات والأسر، لكنَّ توقُّعات التضخم فى المستقبل آخذة فى الارتفاع. يتوقَّع البنك المركزى الأوروبى أن تنمو الأجور بمعدلات أعلى بكثير من المتوسطات التاريخية على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة.

ويبدو أنَّ المملكة المتحدة لديها أسوأ ما لدى الجانبين: صدمة أسعار الطاقة الأوروبية، وأسواق العمل الضيقة على نسق الولايات المتحدة. ارتفعت أسعار البيع بالجملة للغاز الطبيعى سبعة أضعاف منذ منتصف عام 2021، ووصل التوظيف إلى 200 ألف دون مستويات ما قبل الوباء. تقاعد العمال مبكرًا أو تركوا العمل بسبب اعتلال صحتهم.

ومع استمرار وفرة الوظائف الشاغرة؛ يؤدى نقص العمالة إلى ارتفاع الأجور. تزداد رواتب القطاع الخاص العادية الآن بنسبة %6.9، وهى الأسرع منذ بداية القرن الجارى باستثناء فترة الوباء.

وقال دادلى: «يبدو لى أنَّ بنك إنجلترا يعانى من أكبر مشكلة تضخم».

مع ذلك، يعتقد دادلى أنَّ البنك المركزى الأوروبى لديه أصعب مهمة بسبب تعرض المنطقة لإمدادات الطاقة الروسية وتقلبات الطقس شتاءً.

قال: «إنَّهم قلقون بشأن التضخم.. ومن ناحية أخرى، هم قلقون بشأن صدمة أسعار الطاقة وما يمكن أن يفعله ذلك للنمو الاقتصادى. لذا؛ لم أكن أتمنى يومًا أن أجد نفسى مكانهم فى مثل هذا الموقف الصعب».