الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الولايات المتحدة تراجع حساباتها وتلحق بخصومها فى إفريقيا: الثلاثة يريدونها !! فمن يستحوذ على قلب القارة السمراء؟!

عقدت فى العاصمة الأمريكية واشنطن خلال الأسبوع الماضى وعلى مدار ثلاثة أيام، القمة الأمريكية-الإفريقية بعد ثمانى سنوات من القمة الأولى التى عقدت فى أغسطس 2014، بمشاركة خمسين وفدًا رفيع المستوى يمثلون بلدانًا إفريقية.. كانت الإدارة الأمريكية قد وجهت الدعوة إلى زعماء 49 دولة إفريقية إلى جانب رئيس الاتحاد الإفريقى ماكى سال فيما تم استثناء 4 دول، هى: السودان وبوركينا فاسو وغينيا ومالى وذلك بسبب تعليق عضويتهم من قبل الاتحاد الإفريقى.



 محادثات موسعة

وقد عقد حوالى 42 رئيس دولة وحكومة إفريقية - بالإضافة إلى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى موسى محمد - ومجموعة من رجال الأعمال والمجتمع المدنى والشتات وقادة الشباب خلال القمة محادثات موسعة مع الإدارة الأمريكية فى واشنطن.

تلك القمة التى ضمت مع الرئيس الأمريكى عددًا كبيرًا من زعماء إفريقيا، واستبقتها الإدارة الأمريكية بوعود بمنح دول القارة مساعدات بقيمة 55 مليار دولار خلال السنوات الثلاث القادمة، وصفتها الصحافة الأمريكية بأنها فرصة لإدارة الرئيس جو بايدن للتقرب من الدول الإفريقية فى ظل تنافس دولى متزايد على القارة بسبب مواردها الطبيعية الهائلة، فضلًا عن كونها تشكل من الناحية السياسية، كتلة تصويت كبيرة فى الأمم المتحدة .

 دبلوماسية القمم الموسعة

كانت الولايات المتحدة قد عقدت على مدار العام الحالى مجموعة من القمم، فيما وصف بتصاعد دبلوماسية القمم الموسعة.

اذ أشار مراقبون إلى أن تصاعد دبلوماسية القمم مؤخرًا، من قبل القوى الدولية وبالتحديد كل من روسيا والصين، فرض على الولايات المتحدة استخدام الآلية ذاتها لتعزيز تواجدها فى إفريقيا، لاسيما أنها بادرت باستخدام تلك الآلية فى فترة ولاية حكم الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما. 

 استراتيجية أمريكية

 فالقمة التى اختتمت اجتماعاتها بكثير من التوقعات والتحديات للطرفين، وإن كانت تهدف إلى تعزيز علاقات واشنطن بالدول الإفريقية على مستويات التعاون بين الطرفين من خلال المؤسسات الحكومية، ومنظمات المجتمع المدنى فى مختلف المجالات من الأمن الغذائى إلى استكشاف الفضاء وتحقيق متطلبات الأمن؛ إلا أنها تأتى فى سياق استراتيجية أمريكية تستهدف الحد من النفوذ الصينى والروسى الذى نما بشكل كبير فى القارة الإفريقية خلال العقدين الماضيين. ولذلك حرصت إدارة بايدن على دعوة كل الدول الإفريقية بما فيها بعض الدول التى لديها تحفظات على سياساتها، ولم تستثنِ سوى السودان ومالى وغينيا وبوركينا فاسو بسبب الانقلابات العسكرية التى حدثت فيها.

 مغازلة القارة 

أخذت إدارة جو بايدن فى الاعتبار أهمية الدول الإفريقية، وتحاول الآن كسبها إلى جانبها، من خلال إطلاق عدد من المبادرات، بما فيها «إعادة بناء عالم أفضل»، و«مبادرة الطاقة لإفريقيا»، و«قمة قادة الولايات المتحدة وإفريقيا». إذ أن الهدف من وراء هذه القمم محاولة تحويل إفريقيا إلى بيدق بما يتماشى مع المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، بدلاً من تقديم المساعدة العملية لدول القارة وشعوبها.

وفى محاولة منها لجذب دول القارة، قدمت واشنطن وعودًا كثيرة، قبل أن تبدأ هذه القمة رسميًا، حيث أعلن البيت الأبيض دعم بايدن للاتحاد الإفريقى ليصبح عضوًا دائمًا فى مجموعة الدول العشرين وأنه عين جونى كارسون، وهو دبلوماسى أمريكى مخضرم يحظى باحترام كبير، ليكون بمثابة الشخص المسئول عن تنفيذ المبادرات ومتابعة المخرجات التى ستصدر عن القمة.

 الصين حاضرة 

 كان تأثير الصين، غير الحاضرة فى القمة، يظلل جدول أعمال القمة من اليوم الأول إلى اليوم الأخير. فالتقارير الاقتصادية الصادرة عن حجم التجارة المتبادلة بين إفريقيا وكل من الولايات المتحدة والصين، كشفت عن العجز الأمريكى والتفوق الصينى الساحق. 

و منها على سبيل المثال، أن التجارة بين الولايات المتحدة وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بلغت 44.9 مليار دولار العام الماضى، بزيادة 22٪ عن عام 2019. لكن الاستثمار الأجنبى المباشر فى المنطقة انخفض بنسبة 5.3٪ إلى 30.31 مليار دولار فى عام 2021. أما المفارقة فكانت فى ارتفاع حجم التجارة بين إفريقيا والصين فى العام الماضى إلى 254 مليار دولار، بنحو 35٪ مع زيادة الصادرات الصينية نحو القارة الإفريقية.

 مجرد شعارات

    ذهب مراقبون إلى أن الولايات المتحدة لم يكن لديها فى السنوات الماضية خطة مفصّلة تجاه إفريقيا، وإنما مجرد شعارات استراتيجية، حيث لم توضح خلال السنوات القليلة الماضية مثلًا عدد محطات الطاقة التى شيدتها لإفريقيا، أو عدد شبكات نقل الطاقة التى أنشأتها. 

على العكس تمامًا كانت الصين حاضرة بقوة حيث أوجدت دائمًا نقاشًًا حقيقيًا فى منتدى التعاون الصينى الإفريقى، حول المجالات التى يمكن التعاون فيها، ومقدار المساعدة المالية التى يمكن تقديمها، وعدد مراكز التكنولوجيا الزراعية التى يمكن بناؤها بالاضافة إلى إعفائها العديد من الدول الإفريقية من الديون.

 النفوذ الروسى 

من ناحية أخرى، كشفت الحرب فى أوكرانيا مدى تغلغل النفوذ الروسى فى القارة.

فعندما صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى الثانى من مارس الماضى على مشروع قرار إدانة روسيا لغزوها أوكرانيا، امتنعت 17 دولة إفريقية عن التصويت، ولم تصوت ثمانى دول على الإطلاق، بينما صوتت دولة واحدة فقط هى إريتريا ضد مشروع القرار. وعندما تم تعليق عضوية روسيا فى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فى 7 أبريل، كانت الدول الإفريقية أقل استعدادًا لأن تكون ضد روسيا، حيث صوتت تسع دول إفريقية ضد تعليق عضوية روسيا، بينما امتنعت 24 دولة عن التصويت.

أنماط التصويت الإفريقية فى الأمم المتحدة كشفت تنامى النفوذ الروسى فى إفريقيا. وفى حين أن حجم انخراط روسيا فى القارة لا يقارن بحجم انخراط الصين، إلا أن روسيا على الرغم من ذلك قامت بتعميق نفوذها على القارة الإفريقية خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا فيما تعلق بمبيعات الأسلحة، وبين عامى 2015 و2017، دخلت روسيا فى 19 اتفاقية شراكة مع الدول الإفريقية، وتركزت بدرجة كبيرة على مبيعات الأسلحة الروسية.

ذكريات مؤلمة

فى نفس الوقت يرى الكثير من الأفارقة أن استثمارات واشنطن فى القارة لا تهدف إلى تلبية احتياجات الدول الإفريقية، بل لاستخدامها للدخول فى منافسة استراتيجية مع الدول الكبرى وجعل الدول الإفريقية تتبع المسار والمعايير الغربية، وذلك لأن واشنطن لم تفهم أبدًا الأفكار الإفريقية وتحترمها تمامًا، ناهيك عن كسب ثقة الشعوب الإفريقية، الأمر الذى يظهر أنه من المستحيل أن تحصل استراتيجياتها على الدعم الحقيقى من البلدان الإفريقية.

 مراجعة الحسابات 

فى مقابل ذلك يرى آخرون أن إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن بدأت تراجع حساباتها وأولوياتها تجاه القارة الإفريقية، التى بدأت تخرج قليلًا خلال السنوات الأخيرة عن سيطرة واشنطن، باعتبارها القوى العظمى فى العالم، فى ظل انشغالها بما يحدث فى المحيط الأوروبى والآسيوى، وأن هذه الإدارة قد تكون أدركت أنها كانت على وشك خسارة حليف مهم، ومنطقة غنية وجديرة بالاهتمام. 

نتائج القمة

انقسم الخبراء بشأن نتائج القمة الأخيرة، هناك من يرى أن النتائج النهائية للقمة ضئيلة جدًا بالنسبة لقارة تضم أكبر عدد من الدول النامية، بحيث تتطلب مساعدة الدول الإفريقية توفير مبالغ كبيرة من الأموال والتكنولوجيا والموظفين التقنيين.

وهناك من يرى أنها جاءت إلى حد ما مرضية، مشيرين إلى أن الرئيس الأمريكى سعى خلال القمة لاستمالة الدول الإفريقية، وتعزيز التعاون، وذلك بدعم العديد من الملفات، وأهمها إسقاط الديون والغذاء. 

لافتين إلى أن القمة قد ناقشت عددًا من القضايا التى تتعلق بأزمات عانت منها القارة السمراء، وكان أبرزها «الفقر ونقص الغذاء وأزمة الطاقة والأوبئة والمياه»، وأخرى تتعلق بالجانب الاقتصادى.

ومن أبرز النتائج أيضًا التوقيع على مذكرة تفاهم تاريخية لإنشاء منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة والقارة الإفريقية، ستكون واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة فى العالم، بإجمالى 3.4 تريليون دولار، وتفتح المجال لفرص جديدة فى التجارة والاستثمار، والتقريب بين الولايات المتحدة وإفريقيا أكثر من أى وقت مضى.