السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية القرآن حفظها من الاندثار: اللغة العربية.. أصل اللغات! "44"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.  



كتاب «اللغة العربية أصل اللغات»، صدر عام 1992، تأليف د. تحية عبدالعزيز إسماعيل، رئيس قسم اللغة والأدب الإنجليزى بكلية الآداب جامعة القاهرة، وطبقت فيه نظرية الأصول والفروع فى اللغة.

وقام د. مصطفى محمود بعرض الكتاب فى برنامج العلم والإيمان، وجاء فيه وجود ألفاظ مشتركة بين اللغة العربية واللغات الأخرى، مثل كهفCave، قابل Able، هرعHurry، بركانVolcano، رسغ wrist، مرآة Mirror، وسط Waist.

ويرجع ذلك إلى سعة اللغة العربية بالمفردات، بالإضافة للتفعيل والاشتقاق والتركيب، مثلًا فى الإنجليزية كلمة Tall وهى فى اللغة العربية تعنى طويل، لكن تخرج من الكلمة مشتقات مثل طال استطال طاول تطاول طائل طيلة طوال، بينما فى الإنجليزية لا تخرج من الكلمة مشتقات.

ونفس الملاحظة على الكلمة الإنجليزيةGood بمعنى جيد، نجد منها الاشتقاق جود وجودة وإجادة ويجود وجواد وغيرها من الاشتقاقات، ولا نجد ذلك فى الإنجليزية.

ونجد فى اللغة العربية أن اللفظة الواحدة تعطى أكثر من معنى بمجرد تغيير الوزن، فمثلًا قاتل وقتيل، اختلاف بالمعنى يصل إلى العكس، وهذا الإيقاع الوزنى غير معروف فى اللغات الأخرى.

 الحرف والكلمات

وميزة ينفرد بها الحرف العربى، أن لكل حرف دلالة ورمزية ومعنى، فحرف الحاء يرمز إلى الحدة والسخونة، مثل حمى وحرارة وحر وحريق وحقد، بينما نجد حرف الخاء يرمز إلى كل ما هو كريه وسيئ، مثل خوف وخزى وخجل وخيانة وخلاعة وخذلان وخسة. 

وهذه الرمزية الخاصة بالحرف والتى تجعله بمفرده له معنى تنفرد بها اللغة العربية دون غيرها من اللغات، وبعض سور القرآن تبدأ بحرف واحد مثل ص، ق، ن، وقد يكون ذلك بسبب أن الحرف يعنى شيئًا

 فى ذاته، وأراد تعالى أن تكون اللغة العربية هى لغة القرآن: (قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الزمر 28.

عبقرية اللغة العربية جعلتها تستوعب الكلمات غير العربية، قبل نزول القرآن، وتوسعت اللغة العربية فى ذلك بعد نزول القرآن فاستوعبت الاشتقاقات الجديدة التى جاء بها القرآن، ثم استوعبت مفردات اللغات الأخرى بعد الفتوحات.

وامتصت اللغة العربية المصطلحات الجديدة وهضمتها واستوعبتها فى بنائها اللغوى، مثلما نطقت اللغة العربية الآن بالمصطلحات الإنجليزية وأصبحت من الكلمات العربية مثل فيلم، سيجارة، سينما. 

وفى العصور الوسطى كانت اللغة العربية هى اللغة العالمية الأولى، ولذلك اكتسبت اللغات الأوروبية كثيرا من الألفاظ العربية فالقيثارة أصبحت جيتار، ودار الصناعة أصبحت Arsenal، وفى عصور ضعفنا استعدنا نفس الألفاظ فنقول جيتار وترسانة.

اللغة لا تدل على نوعية النطق للبشر، كأن نقول اللغة العربية، فاللغة من لغا ولغوا، واللغو بمعنى الكلام الفارغ أو الهزل: (لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) البقرة 225.

اللسان هو عضو النطق الأساسى فى جسد الإنسان، تشترك معه الشفتان فى نطق بعض الحروف مثل الباء والفاء والميم، وقد أشار تعالى إلى آية فى الناس تختص باللسان واللون: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) الروم 22، هنا ربط بين آية خلق السماوات والأرض وآية اختلاف ألسنتنا وألواننا، يمكن القول بأن الصلة بينهما هى الإعجاز الكبير فى خلق السماوات والأرض، وفى اختلاف ألسنتنا وألواننا بحيث يكونان معًا آيات للعالمين.

فاللغة أى لغة لها قواعدها الخاصة وهى قواعد واحدة رغم تعدد الألسنة داخل اللغة، فلو قال القرآن لغة قومه فالمعنى لن يكون حقيقيًا، لأن اللغة أعم من اللسان وتشمله، ويمكن معرفة مترادفات لسان القوم، ولكن ليس مترادفات لغة القوم. 

وهذا ما حدث مع لسان القرآن: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) إبراهيم 4، وبما أنه تعالى قال (بِلِسَانِ) فهذا يعنى أن يأخذ كل ما فى هذا اللسان حتى ألفاظه الأعجمية، وحتى اختلافه فى بعض القواعد عن قواعد اللغة الأم فإنه يأخذ بقواعد اللسان لا اللغة.

اللغة كائن حى يتطور باستمرار، تموت منها ألفاظ وتتولد ألفاظ جديدة، وبالاحتكاك باللغات الأخرى يتم استعارة ألفاظ أجنبية وتعريبها، واللغة العربية من أقدم اللغات الحية التى لا تزال موجودة، وعاصرت لغات أخرى تحولت لهجاتها إلى لغات مستقلة على حساب تلك اللغة التى اندثرت، مثل اللغة اللاتينية التى تحولت لهجاتها إلى لغات مستقلة كاللغات الفرنسية والإسبانية والبرتغالية والايطالية وغيرها، وكل منها اكتملت وأصبح لها معاجمها وقواعدها.

 اللغة العربية

أعظم تكريم للغة العربية أن اختارها تعالى لتحمل القرآن، وفى وقت نزول القرآن كانت اللغة العربية مجرد لغة محلية ينطق بها سكان الجزيرة العربية، ول كنها كانت لغة تحمل فى داخلها خصائص التطور، ولذلك كانت مؤهلة لحمل المعجزة الإلهية الأخيرة للبشر، أكثر من لغات أخرى كان ينطق بها أهل الحضارات وقتها فى مصر والشام والعراق وإيران. 

مرونة اللغة العربية، تلك المرونة التى تتنوع فيها الألفاظ والاشتقاقات، وكل منها يعبر عن معنى جديد، فكلمة ضرب فيها الفعل الماضى وفيها المصدر، ومنها المفعول المطلق ضربًا، والفعل ضارب، والمفعول به مضروب، واسم الآلة واسم الزمان واسم المكان مضرب، وصيغة المبالغة ضراب، وصيغة الطلب استضرب، وصيغ الفعل ضرب ويضرب واضرب، تتسلسل الاشتقاقات لتعطى معانى جديدة.

حين نزل القرآن كانت اللغة العربية لغة منعزلة، ولا يمكن مقارنتها وقتها باللغة اليونانية القديمة أو اللغة اللاتينية، ومع الوقت اندثرت اللغة اليونانية القديمة، ولا ينطق بها إلا أهل اليونان اليوم، واندثرت اللاتينية وتحولت لهجاتها إلى لغات مستقلة مثل الفرنسية والإسبانية والإيطالية والبرتغالية وغيرها. 

وكانت اللغة العربية مرشحة لأن تندثر وتتحول إلى لهجات قبلية مثل اللغة السواحيلية فى شرق إفريقيا، ولو كان الإسلام بدون القرآن الذى حفظه تعالى، لتحولت اللغة العربية فى البلاد المفتوحة إلى لهجات تتحول بمرور الزمن إلى لغات مستقلة، ولكن القرآن ضمن الخلود للغة العربية. 

ومع اختلاف لغات ولهجات العرب والمسلمين إلى درجة يصعب معها التفاهم بينهم أحيانًا، إلا أنه عند قراءة القرآن تصبح لغتهم لغة واحدة هى اللغة العربية.

 القرآن عربى

وعن نزول القرآن باللغة العربية: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِى آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) فصلت 44، فى الآية (لِلَّذِينَ آَمَنُوا)، و(وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)، لم يتم تحديد جنسهم ولا لغتهم ولذلك هو لكل الناس.

وعن أصل اللغة العربية جاء فى الروايات أن تسميتها بالعربية نسبة للنبى إسماعيل عليه السلام أبو العرب، أو أنها نسبة إلى يعرب بن قحطان أول من تكلم بها، أو أنها نسبة إلى العرب العاربة.

وقد تم العثور على أقدم مخطوط مكتوب باللغة العربية فى أحد مناجم سيناء وعمره 4000 سنة تقريبًا، واللغة العربية أغنى اللغات بالمفردات والجذور اللغوية بها 16000 جذر لغوى، واللغة العبرية بها 2500 جذر لغوى، واللغة اللاتينية بها 700 جذر لغوى.

ولا توجد كلمة لغة فى القرآن: (قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ( الزمر 28، وقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون) يوسف 2، وفى الآيتين (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)، و(لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون)، لم تحدد العرب وحدهم، و«لعل» فى الآيتين تعود على كل الناس وليس العرب فقط.

ولم ترتبط كلمة عربى فى القرآن لا بلغة ولا بقوم، ولم تأتى كلمة عربى فى القرآن للتعبير عن العرب، وانما جاءت كلمة الأعراب من الأصل أعرب، وقد دخلت همزة التعدى على عرب فانقلب المعنى من الدلالة على الحق إلى الضد فى الدلالة على الكفر والنفاق: (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا) التوبة 97.

ومثل كلمتى عرب وأعراب، تأتى كلمتى قسط وأقسط، قسط بمعنى ظلم ودخلت همزة التعدى عليها لتصبح أقسط، وينقلب المعنى إلى الضد وهو أزال الظلم، فكلمة القاسطون بمعنى الجائرون عن الحق من الأصل قسط أى ظلم: (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) الجن 15، وكلمة المقسطين بمعنى العادلين من الأصل أقسط: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة 8، ومثلهم كلمتى صرخ وأصرخ، صرخ يعنى استغاث، وأصرخ يعنى أغاثه: (مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ) إبراهيم 22.

وكلمة عربى تعنى أن القرآن واضح ويحمل صفات التمام والخلو من النقص، ولسان عربى بمعنى لسان واضح وكامل ومفصل، وأعجمى معناه غير واضح وناقص: (لِسانُ الَّذِى يُلْحِدُونَ إلَيْهِ أعْجَمِيٌّ وهَذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) النحل 103.

فالقرآن يعرب عن نفسه ويظهر معانيه لمن يتدبره، من خلال معرفة جذور الكلمات وأصلها، والفرق بين الفعل الماضى والمضارع، والفاعل والمفعول به، والمبنى للمجهول وغيرها من المعلومات الأساسية للغة، لقد أمر تعالى بتدبر القرآن وصولًا للحق، ولفهم اللسان العربى بشكل أوضح.