الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حصاد 2022 مصر الرقم الصحيح فى المعادلة الدولية.. بين الصينية - العربية والإفريقية - الأمريكية مصر محور لقاء الأقطاب العالمية

جاءت رياح الحرب الروسية - الأوكرانية لتضع فصلًا جديدًا من التاريخ لتغيير أقطاب العالم، فالعالم الآن يشهد مولد أقطاب جديدة على الساحة الدولية، وأيضًا تغييرًا فى السياسات الدولية والإقليمية لوضع أسس جديدة من التحالفات السياسية، ويكون أساسها الأول هو تبادل المصالح المشتركة دون النظر إلى حلفاء الماضى وأچنداتهم، بل العمل على إرساء أسس جديدة تقوم على الندية والمقومات الأساسية للمصالح المشتركة.



وفى تلك الأثناء بدأ الالتفات إلى الكتلة العربية والإفريقية كفاعل وليس مفعولًا به، فاعل فى مشهد تسيطر عليه «الضبابية»، ورغم محاولات تبدو أنها سباق محموم لاستقطاب تلك الكتلة بين أطراف اختارت خوض الصراع الأحمق على كرسى رئاسة العالم المتجه للمجهول، بين القطبين الأمريكى الغربى، والروسى الصينى، فإن تلك اللعبة الآن أصبحت غير مجدية، فالتكتل العربى والإفريقى أصبح محورًا مهمًا لسياسات الغرب، لكن الأخير لم يعد الآن تابعًا لأى من أطراف ذلك الصراع، وكان قرار الدول فيه عدم الانحياز واتباع نهج التوازن فى العلاقات الخارجية والوقوف على مسافات متساوية من جميع الأطراف؛ على أن تكون الأولوية حتمًا لمصالح شعوبها، ودعم كل ما يصون الأمن والاستقرار الإقليمى والعالمى.

 المبادئ المصرية

انتهجت مصر منذ بداية تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة البلاد نهج الندية وإرساء أسس السلام وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول على أن تكون المصلحة المصرية هى المحور الذى تدور عليه السياسة الخارجية وأن تكون القاهرة واقفة على نقطة حيادية بين جميع القضايا العالمية.

وأثبت هذا النهج على مدار الأعوام الماضية نجاحه، بل عمل الأشقاء العرب والأفارقة على اتباعه فى سياساتهم الخارجية والتى أصبحت تتسم أيضًا للبحث عن مصالح شعوبها دون الأخذ بأجندات حلفائهم.

وجاءت «القمة العربية - الصينية للتعاون والتنمية»، التى استضافتها الرياض مؤخرًا بالتزامن مع زيارة الرئيس الصينى شى جين بينج للمملكة، وبمشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى وعدد من قادة الدول العربية، تعبيرًا واضحًا عن هذا القرار وإعلانًا لتلك الإرادة العربية بتجاوز أى خلافات أو مصالح ضيقة، والوقوف صفًا واحدًا لحجز موقع يليق بتاريخ وإمكانات تلك الدول فى خريطة يعاد تشكيلها، تحتفظ فيها مصر ـ بحكم موقعها الجغرافى وتاريخها الحضارى وثقلها السياسى بالدور المحورى كلاعب رئيس يقود جهود التوازن العربى الشرق أوسطى الإفريقى بين الغرب والشرق فى المجالات كافة.

وكانت مصر أول من أسس العلاقة بين الصين والعرب فى العصر الحديث، وبالرغم من أن قدم تلك العلاقة التى يعود تاريخها إلى ما قبل ألفى عام كما ورد فى «كتاب هان- سيرة تشانج تشيان» وكان طريق الحرير الذى تسعى الصين حاليًا لإحيائه عبر مبادرة «الحزام والطريق»، هو المسار الذى انتقلت من خلاله الحضارة من الشرق إلى الغرب عبر العالم الإسلامى والصين فى العصور الوسطى وهو ما أسهم فى تغيير العالم، إلا أن مصر كانت نقطة الانطلاق الأولى فى مسار العلاقات العربية - الصينية، والإفريقية الصينية فى العصر الحديث، حيث كانت أول دولة فى الشرق الأوسط تقيم تبادلًا دبلوماسيًا مع الصين منذ عام 1928، وفى سبتمبر عام 1935، افتتحت بكين أول قنصلية لها بمنطقة الشرق الأوسط فى القاهرة، كما أن مصر أول دولة عربية وإفريقية اعترفت بالصين الجديدة (جمهورية الصين الشعبية) فى الثلاثين من مايو عام 1956.

واستمرت العلاقات فى التطور بين البلدين، إلى أن كانت نقطة التحول الكبرى فى مسار تلك العلاقة عندما تأسس منتدى التعاون العربى الصينى بالقاهرة فى سبتمبر عام 2004، ليصبح الإطار الجامع للتعاون العربى الصينى بجميع المجالات (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، ومنذ ذلك التاريخ أخذت العلاقات فى النمو بشكل متسارع حتى أصبح هناك نحو 20 آلية للتعاون، على سبيل المثال مؤتمرات رجال الأعمال واجتماعات وزراء الخارجية والحوار السياسى الاستراتيجى، واستمرت العلاقات فى التنامى خاصة على الصعيد الاقتصادى، يدلل على ذلك حجم التبادل التجارى بين الصين والمنطقة العربية، حيث ارتفع من 36 مليار دولار فى 2004 إلى 330 مليار دولار عام 2021، فيما بلغ حجم التبادل التجارى بين مصر والصين 20 مليار دولار.

وتعتبر القمة «العربية- الصينية» خطوة لمرحلة جديدة فى مسيرة الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية والصين، وبداية فصل جديد من تاريخ علاقات التعاون الاقتصادى بين الجانبين، تلعب فيه مصر والسعودية دورًا بارزًا، خاصًة أن رؤية الصين فى التعاون مع المنطقة من خلال مبادرة «الحزام والطريق» أو طريق الحرير الجديد بمشاركة 20 دولة عربية، تتقاطع مع رؤيتى مصر والسعودية 2030 للتنمية.

وخلال لقاء الرئيس السيسى بنظيره الصينى شى جين بينج فى قمة الرياض، أوضح الأخير، أن مصر «فيها فرص واعدة للاستثمارات وللشركات الصينية، ومن ثم هناك آفاق واسعة للارتقاء بالتبادل التجارى والتعاون الاقتصادى بين البلدين الصديقين».

وذكر المتحدث الرسمى أن اللقاء تناول استعراض أوجه التعاون الثنائى بين البلدين. وأشار السيسى إلى «تكامل المبادرة الصينية «الحزام والطريق» مع جهود مصر التنموية، خاصةً تلك المتعلقة بتنمية محور قناة السويس، وكذا تطوير البنية الأساسية بالدولة، لا سيما فى مجالات الطرق والموانئ البحرية والطاقة». وأعرب السيسى عن «التطلع لتعزيز التدفقات السياحية الصينية إلى مصر، فضلًا عن تشجيع الشركات الصينية على تعظيم استثماراتها فى مصر».

وحسب البيان المصرى فقد شهد اللقاء «تبادل الرؤى بالنسبة لتطورات الأوضاع فى الشرق الأوسط، لا سيما فى ظل التحديات التى تواجهها المنطقة، حيث ثمن الرئيس الصينى فى هذا الإطار الدور المصرى (الرائد) فى صون السلم والأمن والاستقرار فى المنطقة، خاصةً من خلال مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، أو عن طريق الجهود المصرية الفاعلة فى تحقيق التسوية السياسية لمختلف الأزمات فى محيطها الإقليمى، وهو الدور الذى تعول عليه الصين فى ترسيخ الشراكة الصينية العربية».

 من الشرق إلى أقصى الغرب

ومن الرياض إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، اتجه الرئيس السيسى لحضور القمة الأمريكية الإفريقية الثانية بحضور نحو 50 من قادة القارة الإفريقية، وتأتى مصر فى قلب هذا الحدث الذى تلتف حوله أنظار العالم، نظرًا لأهميتها كدولة عربية إفريقية ولثقل تواجدها الدبلوماسى على الساحة الإفريقية، كما أصبحت الدولة الرائدة التى تقود جهود التنمية المستدامة فى القارة السمراء، وهناك العديد من المشروعات التنموية التى تنفذها مصر حاليًا فى أكثر من دولة إفريقية، كما تمثل مصر خط الدفاع الأول عن الوجود الإفريقى وحقوق الأفارقة وتحظى بثقتهم، وهذا ما أكده عدد كبير من القادة والمسئولين والشباب الأفارقة خلال قمة المناخ COP27، سواء فى كلماتهم الرسمية أمام القمة أو خلال حوارات أجريتها معهم على هامش القمة.

وقد شهدت السياسة الخارجية لمصر، فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى توجهًا قويًا ناحية القارة الإفريقية، حيث كثفت مصر مشاركاتها فى بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام بإفريقيا واستعادت موقعها ضمن أكبر 10 دول مساهمة فى تلك البعثات، وكانت مصر أيضًا أول من يبادر بإرسال المساعدات للبلدان الإفريقية سواء التى تواجه كوارث طبيعية أو تلك التى تعانى أزمات وأوبئة، كما كان للقارة النصيب الأكبر من الزيارات الخارجية التى قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ توليه الرئاسة فى عام 2014؛ حيث بلغ عدد زياراته إلى دول القارة السمراء حتى عام 2020 (27) زيارة، بل إن الدولة المصرية لم تغفل الاهتمام بشباب القارة أيضًا، فاستضافت مصر على أرض أسوان منتدى الشباب العربى الإفريقى العاشر فى ديسمبر عام2019.

 تعاون وليس تعارضًا

إن الواقع يؤكد بما لايدع مجالًا للشك ألا تعارض بين العلاقات العربية الصينية من جهة، والعلاقات العربية الإفريقية الأمريكية من جهة ثانية، خاصة أن الأولى ترتكز على التعاون الاقتصادى التنموى، والثانية ترتكز على التعاون الاقتصادى السياسى الأمنى.

وقد عكس توقيت القمتين مزيدًا من الاهتمام العالمى، فيما تشهده من تحولات استراتيجية ودراماتيكية تقود لإعادة صياغة تحالفاته فى ظل هذه الصراعات الطاحنة بين أقطاب العالم، وفى وقت لم تتعاف فيه الدول من معركتها الشرسة مع جائحة كورونا، التى أنهكت اقتصاداتها ولا تزال تعانى من تداعيات تلك الجائحة، ثم توالت أزمات الطاقة والتضخم والأمن الغذائى الناجمة عن الحرب وتحديات التغير المُناخى، إضافة إلى التحديات الداخلية سواء فى القارة الإفريقية أو المنطقة العربية أو فى الداخل الأمريكى.

إلا أن هاتين القمتين عكستا اهتمام الغرب والشرق بالنيل من تودد الدول الإفريقية والعربية أيضًا لما تمتاز به هذه المناطق من ثروات طبيعية وأيضًا بشرية، وهو الأمر الذى يصب فى مصلحة العرب والأفارقة ويعكس اهتمام العالم بالدور المصرى بصورة خاصة بعد قيادتها للعديد من المحافل الدولية لوضع أسس التنمية فى هذه المناطق وخاصة القارة السمراء، حتى أصبحت مصر هى كلمة السر لإنجاح أى خطة تهدف لشراكة ممتدة سواء مع العرب أو الأفارقة.