الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

لفرض السيطرة والنفوذ على الساحة الدولية إعادة إحياء التنافس النووى

ومن سباق التسلح التقليدى إلى التهديد بالسلاح النووى –المجرم دوليًا- يتأجج التنافس بين الدول الكبرى لفرض السيطرة والنفوذ، فى وقت سيكون للتقدم التكنولوجى العسكرى تأثيره الخاص فى هذا المجال أيضًا، خاصة بعد أن أظهرت «روسيا»، و«أوكرانيا» أن الأسلحة ذات الضربات الدقيقة، يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا فى كل من القتال العسكرى.



تمتلك «الولايات المتحدة»، وعدد من الدول الأوروبية– بالفعل- أنظمة ضربات تقليدية دقيقة بعيدة المدى، يمكنها تدمير البنية التحتية الحيوية، والأهداف ذات القيمة العالية؛ كما تعمل جميع القوى الكبرى فى العالم على تطوير الصواريخ البالستية الجديدة بعيدة المدى، والصواريخ البحرية الجديدة.

واعتبر باحثو (CSIS) أن التطورات السريعة فى أنظمة دقة ومدى الضربات ظهور شكلًا آخر من أشكال «الحرب»، إذ يكتسب التقدم فى الضربات الدقيقة قدرة مزدوجة، عبر احتوائها على رؤوس حربية نووية تجعلها مصدرًا للخطر، وتؤدى بطبيعة الحال إلى أن الدفاعات الصاروخية والجوية ستكون مصدرًا آخر للمنافسة.

ويبقى التساؤل: هل ستسعى «روسيا» إلى تسريع وتيرة تطوير أنظمتها الجديدة؟؛ ولماذا يتعين على «الولايات المتحدة» و(حلف شمال الأطلسى) فى «أوروبا» النظر بجدية– الآن- فى الاستثمار- على المدى القريب- فى دفاعات مسرح العمليات؟

الإجابة تعود مرة أخرى للأزمة الروسية الأوكرانية التى سلطت الضوء أيضًا على ضعف الدروع الحالية، والحاجة إلى مدفعية أكثر تقدمًا، وتعرض السفن للصواريخ، ومجموعة من التطورات الأخرى فيما يخص الهجوم على الاتصالات الآمنة، وإدارة المعركة، وأنظمة الدعم اللوجستى.

كما أن تلك الأسباب تتفاعل مع مجموعة واسعة من التقنيات العسكرية الجديدة، التى تؤثر على استخدام الفضاء، والحرب الإلكترونية، والذكاء الاصطناعى، وغيرها من التقنيات الناشئة والتخريبية، التى يمكن أن تفعل المزيد لدمج كل جانب من جوانب العمليات العسكرية مع الأخرى، لتسفر عن شكل جديدة الحروب!!

بعض عمليات الانتشار لتلك العمليات العسكرية قد بدأت بالفعل، وهو ما دفع باحثى (CSIS) للتوقع بأن يرقى الوضع إلى ثورة وشيكة فى هياكل وعمليات القوة العسكرية خلال العقد المقبل، أى أن هذا يعنى أن المنافسة فى تطوير ونشر القدرات، والأنظمة العسكرية عالية التقنية، ستكون شكلًا من أشكال «الحرب».

ومع ذلك، رجح الباحثين– أيضًا- أنه من غير المحتمل أن يظهر فى شتاء (2022-2023) تطورات رئيسية جديدة فى هذه المناطق. 

 حرب التهديدات بالقوى النووية

رجح باحثو (CSIS) أن هذا النوع من التهديدات سيزداد– أيضًا- بسبب شكل آخر من أشكال (حرب الشتاء).. حيث أثارت «روسيا» قضية الحرب النووية التكتيكية فى عمليتها العسكرية فى «أوكرانيا»، وهو ما اعتبره الباحثون، أن هذا ليس سوى جزء صغير من الانهيار الوشيك للعديد من أشكال الحد من الأسلحة النووية، وتزايد هذا النوع من الأسلحة بشكل مطرد، ليصل- تقريبًا- عند نفس النقطة التى وصلت فيها المنافسة فى الاستراتيجية العالمية.

من الناحية العملية، انخرطت «روسيا»، و«الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا» و«الصين» فى جهد كبير للتحديث النووى، قبل وقت طويل من بدء أزمة «أوكرانيا». ولكن، المعلومات المعلنة عن حجم الأسلحة النووية لتلك البلدان تختلف بشكل كبير عن التقديرات الحالية، وتحديدًا البيانات الخاصة بالصين، إذ لا يتوفر سوى القليل من التفاصيل حول تطورات الأسلحة النووية الصينية.

ومع ذلك، كانت هناك تقارير أفادت بأن «الصين» قامت ببناء ثلاثة حقول جديدة لما لا يقل عن 250 صومعة صواريخ جديدة، ولديها الآن ثلاثة مفاعلات سريعة التوليد يمكنها استخدامها لزيادة إنتاجها من البلوتونيوم والأسلحة النووية.

كما ظهرت تقارير تفيد بأن «الصين» ستشارك بنشاط فى تكييف أنواع مختلفة من الأسلحة النووية التكتيكية والمسرحية لتوفير رؤوس حربية نووية مجربة وفعالة؛ فى وقت أعطت فيه الأزمة فى «أوكرانيا» الجهود النووية الروسية مكانة جديدة وأكبر، حيث سُلط الضوء على أهميتها من خلال حديث (الكرملين) عن القنابل الإشعاعية التى تسمى «بالقنابل القذرة»، إلى جانب إشارات المسؤولين الروس المتكررة حول استخدام الأسلحة النووية فى مسرح العمليات فى «أوكرانيا»؛ بينما ناقش أعضاء الكونجرس الأمريكى الحاجة إلى صواريخ (كروز) جديدة مسلحة نوويًا لمقاومة محتملة لمثل هذه الأسلحة الروسية، التى تمثل المجال الرئيسى الوحيد الذى لا تزال فيه «روسيا» قوة عظمى حقيقية من الناحية العسكرية. 

فأشارت منظمة «اتحاد العلماء الأمريكيين» (FAS) إلى أن «موسكو» لديها نحو 6 آلاف و257 سلاحًا نوويًا فى مخزونها الإجمالى فى عام 2021؛ مقارنة بـ5 آلاف و550 سلاحًا للولايات المتحدة، و350 للصين، و225 لبريطانيا، و290 لفرنسا، و160 للهند، و165 لباكستان، و45 لكوريا الشمالية.

كما أن مقتنيات «روسيا» تمنحها القدرة على نشر أعداد كبيرة من الأسلحة النووية التكتيكية، على الرغم من أن الأرقام المعنية غير مؤكدة. حيث نوه تقدير (FAS) إلى أن «روسيا» لديها 2565 رأسًا حربيًا نوويًا استراتيجيًا، إلى جانب 1912 رأسًا حربيًا غير إستراتيجى وقوة دفاعية فى أوائل عام 2022؛ من المتوقع أن يتضاعف فى عام 2030.

من جانبها، أفادت جمعية الحد من التسلح أن «الولايات المتحدة» لديها نحو 100 قنبلة جاذبية نووية من طراز (B-61)، يتم نشرها فى ست قواعد تابعة لحلف شمال الأطلسى فى خمس دول أوروبية، وهم: «أفيانو، وجيدى» فى «إيطاليا»؛ «بوشل» فى «ألمانيا»؛ «إنجرليك» فى «تركيا»؛ «كلاين بروجل» فى «بلجيكا»؛ و«فولكل» فى «هولندا».

على صعيد آخر، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية يوم الثلاثاء الماضى إن «واشنطن»، التى تمتلك إحدى أكبر الترسانات النووية فى العالم، تواصل تحديث الثالوث النووى الخاص بها، وتطور بنشاط خططًا لوضع الأسلحة النووية التكتيكية على جهوزية تامة؛ مضيفًا أن الجانب الأمريكى نشر -أيضًا- أسلحة نووية من خلال الشراكات الثلاثية فى مجال الأمن بينها وبين «بريطانيا»، و«أستراليا».

باختصار، هناك وضع ملحوظ بالفعل وهو إعادة إحياء المنافسة النشطة فى نشر القوات النووية فى مسرح العمليات كشكل من أشكال من النفوذ العسكرى. 

وقد أوضح باحثو (CSIS) أن فكرة الحد من التسلح فى مستقبل القريب غير مؤكدة إلى حد كبير؛ مضيفين أن «الولايات المتحدة» يجب أن تتنافس الآن مع «الصين، وروسيا»، فى وقت سلطت فيه العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» الضوء على حقيقة وجود نوع آخر من (حرب الشتاء)، والتى من المحتمل أن تكون أكثر خطورة بكثير.