الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من التعاون والمنافسة إلى التخطيط للمواجهة بداية العقد الحاسم بين واشنطن وبكين

ذكر مدخل سلسلة (حروب الشتاء) فى الجزء الأول، أن تغير المشهد على المسرح الدولى، عبر صعود عدد من اللاعبين المنافسين لواشنطن، التى تربعت على عرش النظام الدولى أحادى القطبية، أدى لتغير الأحداث العالمية بوتيرة سريعة غير مسبوقة، ليصبح المشهد ضبابيا بشكل ملحوظ. 



ولعل أبرز مثال يفرض نفسه فى هذا الإطار، هو الصعود المتنامى للصين كقوة عظمى منافسة للولايات المتحدة، لتدور المنافسة حول كتابة قواعد النظام الجديد، وتشكيل العلاقات التى تحكم الشئون العالمية فى كل منطقة، عبر الاقتصاد، والتكنولوجيا، والدبلوماسية، والتنمية، والأمن، والحوكمة العالمية.

وصار من الواضح على نطاق أوسع أن مستويات التوتر بين «الصين»، و«الولايات المتحدة»، والعديد من شركائها الاستراتيجيين، خلقت شكلًا آخر من أشكال (حروب الشتاء).

ورغم احتدام المواجهات فى «أوكرانيا»، التى حظيت باهتمام عام أكبر من المستوى المتزايد من المواجهة بين «واشنطن» و«بكين»، وشركائهما الاستراتيجيين (الأوروبيين، والآسيويين)، فإن مدى الحرب السياسية والاقتصادية بين «الولايات المتحدة»، و«الصين» تكاد تكون على نفس القدر من الأهمية.

من جانبهم، رأى باحثو (CSIS) أن مستوى التوتر بين «الصين»، و(الغرب) زاد بشكل حاد مع دخول العالم شتاء (2022-2023). وذلك، بعد أن شدد الرئيس الصينى «شى جين بينج» فى مؤتمر الحزب العشرين فى أكتوبر الماضى على التزامه بأن تصبح «الصين» القوة الاقتصادية والعسكرية المهيمنة فى العالم؛ متعهدًا بتوسيع دورها السياسى، ونفوذها على على الصعيد العالمى.

وبالفعل، تعد «الصين» المنافس الوحيد، الذى لديه نية لإعادة تشكيل النظام الدولى اقتصاديًا، ودبلوماسيًا، وعسكريًا، وتكنولوجيًا؛ كما أن «بكين» لديها طموحات لخلق مجال نفوذ معزز فى المحيطين الهندى والهادئ، وأن تصبح القوة الرائدة فى العالم.

من جانبها، أوضحت استراتيجية الأمن القومى الأمريكية الصادرة فى أكتوبر 2022، أن «الولايات المتحدة»، اعتبرت «الصين» التهديد الرئيسى لأمنها؛ مشددة على ضرورة تعزيز التعاون بين «واشنطن» وحلفائها وشركائها، بهدف منع هيمنة «الصين»، من خلال التنافس فى المجالات التكنولوجية، والاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والاستخباراتية، والحوكمة العالمية.

وتوقع باحثو (CSIS) أن السنوات العشر المقبلة ستكون (العقد الحاسم) فى المنافسة بين «الولايات المتحدة»، و«الصين»؛ مؤكدين أن الطرفين يقفان الآن عند منعطف خطير.

  تداعيات العلاقات الصينية الروسية

تواجه «الولايات المتحدة»، مدى إمكانية فصل إجراءات التعامل مع «الصين» عن تلك اللازمة للتعامل مع «روسيا». وذلك، بعد زيادة وتيرة التدريبات الروسية والصينية مؤخرًا. 

و أوضحت استراتيجية الأمن القومى للولايات المتحدة أن «واشنطن» تعتبر «بكين، وموسكو» تهديدان رئيسيان للنظام الدولى، رغم أنهما– فى نظر «واشنطن»- مختلفة فى طبيعتها؛ وذلك لأن «روسيا» تشكل تهديدًا فوريًا للنظام الدولى، وربما تسبب تهديدات على المستوى الدولى مثل عمليتها العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»؛ أما «الصين» فلديها النية وبشكل متزايد القوة الاقتصادية، والدبلوماسية، والعسكرية، والتكنولوجية، والقدرة على إعادة تشكيل النظام الدولى.

ومع ذلك، يثير التعاون (الصينى- الروسى) توتر الجانب الأمريكى، الذى يرى أن الدولتين يمكنهما الاستفادة من شراكة أقوى فى الجوانب الاستراتيجية لحروبهما فى الطاقة، والاقتصاد، والتكنولوجيا، وبناء قوتهم العسكرية لاكتساب النفوذ العسكرى.

وقد رأى باحثو (CSIS) أن «الصين» تبدو أكثر نجاحًا من «روسيا» فى التحرك نحو النقطة، التى يمكنها فيها التنافس مباشرة مع «الولايات المتحدة»، وشركائها الاستراتيجيين فى القوة العسكرية التقليدية.. حيث تتقدم «بكين» بسرعة فى دمج قدراتها فى مجال الفضاء، والإلكترونيات، وقدرات الحرب المعلوماتية لدعم نهجها الشامل للحرب المشتركة.

وأضاف الباحثون أن «الولايات المتحدة» وحلفاءها سيواجهون بشكل متزايد التحدى المتمثل فى ردع قوتين رئيسيتين بقدرات نووية حديثة ومتنوعة- أى «الصين، وروسيا»- ما يخلق ضغطًا جديدًا على الاستقرار الاستراتيجى.

وقد حققت «الصين»– بالفعل- تقدمًا كبيرًا فى تحقيق التكافؤ مع «الولايات المتحدة»، وفقًا لرأى الباحثين الأمريكيين.

 الصين كمنافس استراتيجى للولايات المتحدة

على نطاق أوسع أشارت بعض التقديرات إلى أن «الصين» تزيد من إنفاقها العسكرى بسرعة أكبر بكثير من «روسيا»، كما تقوم «بكين» أيضًا باستثمار سنوى أكبر بكثير فى التكنولوجيا، ومستوى أعلى بكثير من القدرة التصنيعية.

كما أظهرت التقديرات– أيضًا- أن النمو السريع للصين يجعلها قوة تجارية اقتصادية عالمية، فى الوقت الذى تتمتع فيه بالقدرة فى السعى وراء الروابط الاقتصادية، المتمثلة فى (مبادرة الحزام والطريق).

هذا بالإضافة إلى رؤية استراتيجية الأمن القومى الأمريكية أن توسع النفوذ الصينى فى مناطق: «جنوب شرق آسيا، والمحيط الهندى، وإفريقيا»، يمثل تهديدًا أوسع نطاقًا.

لا تزال الصين تنمو بشكل حاد كقوة عسكرية وعالمية. لذلك، فإنه ليس من المستغرب أن يُفهم لماذا تضع استراتيجية الأمن القومى الأمريكية الصين كتهديد رئيسى لأمنها، وهو ما يوضح هدف «واشنطن» فى استراتيجية الدفاع الوطنى الأمريكية لعام 2022، فى ثنى «الصين» عن تحقيق الأهداف، التى تهدد المصالح الحيوية للأمن القومى الأمريكى. 

 مستقبل المنافسة الأمريكية الصينية

أفاد باحثى (CSIS) بأنه لا توجد طريقة موثوقة لمعرفة عمليات تطوير القدرات العسكرية الصينية والأمريكية فى الوقت الحالى. لكنهم، رجحوا أن يبدأ التأثير الكامل للاستراتيجية الأمريكية الجديدة للتعامل مع «الصين، وروسيا» فى الظهور، عندما يقدم الرئيس الأمريكى «جو بايدن» اقتراح ميزانية الدفاع الأمريكية الجديد إلى الكونجرس العام المقبل.

وأوضح الباحثون أن «الولايات المتحدة» تقوم–بالفعل- بإعادة تشكيل سلاح البحرية، ومشاة البحرية، للتعامل مع التهديد الصينى الناشئ؛ كما أنها تجرى مجموعة واسعة من المناورات للتعامل مع إمكانية حرب للدفاع عن «تايوان» من عملية عسكرية صينية، حيث يمكن أن يتصاعد نزاع بسهولة ليغطى معظم بحر الصين الجنوبى، وغرب المحيط الهادئ، فى وقت يُظهر أن القوات العسكرية الصينية، والتايوانية، والأمريكية مستعدة– بالفعل- لخوض حرب محتملة على «تايوان».

ومع ذلك، أشار الباحثون– فى الوقت ذاته- إلى أن أى صراع، أو صدام كبير بين «واشنطن»، و«بكين»، هو أمر غير مرجح على (المدى القريب)، رغم التوقعات أن تزيد «الصين» الضغط على «تايوان».

وأكدوا أن (حرب الشتاء) بين «الولايات المتحدة»، و«الصين» صارت أكثر جدية على المستوى العسكرى العملى؛ موضحين أن التنافس بمنطقة المحيط الهادئ، حيث تنشر «الصين» الكثير من قوتها العسكرية، وعلى مسافات شاسعة، هو أكثر تكلفة بالنسبة لواشنطن مقارنة ببكين. 

أما على (المدى البعيد)، فرجح الباحثون أنه لا يمكن استبعاد خطر نشوب صراعات فى مكان آخر فى مناطق: «المحيط الهادئ، أو آسيا»، أو معرفة مدى مستوى التصعيد على مسرح العمليات، أو شدة القتال الذى قد يحدث، فى وقت تنوى فيه «الصين» أن تصبح قوة نووية أكبر بكثير، وقادرة على المنافسة بشكل مباشر بقوة مع «الولايات المتحدة».

باختصار، أدت تصريحات الرئيس الصينى «شى جين-بينج» فى مؤتمر الحزب العشرين فى أكتوبر 2022، واستراتيجية الأمن القومى الأمريكية الجديدة الصادرة- أيضًا- فى أكتوبر 2022، إلى أن تصبح المنافسة (الصينية- الأمريكية)، التى تعد مزيجا من المواجهة العسكرية، والصراع السياسى، والاقتصادى، جزءًا من (حرب الشتاء)، والذى قد يستمر لسنوات مقبلة.