الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

لأول مرة مشروع أزهرى للكتاب المسموع للطلاب ذوى البصائر الأزهر ينتصر لذوى الهمم

فى إطار حرص الأزهر الشريف على ضرورة إتاحة جميع سبل الدعم والمساعدة للطلاب ذوى الهمم لإتاحة فرص التعلم لهم فى سهولة ويسر. أعلن الأزهر الشريف بمناسبة اليوم العالمى لذوى الاحتياجات الخاصة، عن إطلاق مشروع «الكتاب المسموع» على منصات الأزهر التعليمية، لطلاب المعاهد الأزهرية من ذوى البصائر، تيسيرًا عليهم مشقة وعناء التعليم، وتخفيفًا للعبء الكبير الذى تقوم به أسر الطلاب من ذوى البصائر فى البحث عن سبل وأدوات تسهل على أبنائهم عملية تحصيل العلم والمذاكرة، وتماشيًا مع رؤية مصر 2030 بضرورة الفهم الحقيقى لقضايا الإعاقة وإتاحة فرص تعليم مناسبة تلائم احتياجاتهم وتمكنهم من الاستفادة الكاملة من جميع الفرص المتاحة لهم.



ووفقا لما أعلنه الأزهر مع اليوم العالمى لذوى الاحتياجات الخاصة، الموافق 3 ديسمبر من كل عام، تم إطلاق المرحلة الأولى من مشروع «الكتاب المسموع» بمادة التجويد للمرحلة الإعدادية، تحت إشراف الإدارة العامة لشئون القرآن الكريم بالأزهر الشريف، وذلك ضمن استراتيجية كاملة ينتهجها الأزهر لإتاحة خدمة «الكتاب المسموع» فى جميع المواد المقررة على مراحل التعليم الأزهرى للتعليم قبل الجامعى للطلاب من ذوى البصائر، للتغلب على المعوقات التى تعيق هذه الفئات فى عملية التعلم، وتتيح لهم سبل تعليم تلائم التقنيات الحديثة.

وسيتيح قطاع المعاهد الأزهرية «الكتاب المسموع» فى مادة التجويد للمرحلة الإعدادية فى بداية الفصل الدراسى الثانى على أسطوانات «cd» تسلم للطلاب، ويمكن للطلاب تحميله من خلال المنصة التعليمية لقطاع المعاهد الأزهرية، كم تمت طباعة الكتاب «بطريقة برايل»، بالإضافة لتطبيق تجريبى باسم «الكتاب المسموع» على متجر التطبيقات «Google Play» بشكل مجانى وبتقنية تناسب الطلاب ذوى البصائر، ويمكن لكل الطلاب الاستفادة من هذه الخدمة، ويتضمن التطبيق المسموع مجموعة من التدريبات والأنشطة لتحقيق الأهداف التعليمية وتحفيز قدرات الطلاب الذاتية.

من جانبه أصدر مركز الأزهر للفتوى  بيانا أكد أن الإسلام كرم ُ الإنسانَ، واحترم إنسانيّتَه، وشرع من التشريعات ما يحفظ مصالحَه، ويعينه على أداء رسالته.. كما أولى أصحابَ الهمم والاحتياجات الخاصّة تقديرًا واهتمامًا كبيرين بما يصون إنسانيّتَهم وكرامتهم، ويجعلهم أعضاء فاعلين فى المجتمعات، فلم يفرّق بينهم وبين غيرهم فى التكليف، وأزال عنهم كل مشقّة.

ولفت إلى أن التاريخ الإسلامى نماذج مشرفة من أصحاب الهمم الذين تبوأوا مكانة عليا فى علوم الدين، ومواقع التأثير فى المجتمع.

نماذج ملهمة

وفى إطار تقديم نماذج ملهمة لذوى الهمم نشر مركز الأزهر العالمى سيرة ذاتية لعدد من ذوى الهمم الذين تفوقوا من بينهم المقرئ الشيخ أحمد عبدالعزيز الزيَّات، أحد أهمّ أعلام فنّ القراءات من ذوى الهمم القادرين باختلاف، حيث نشأ الشيخ محبًّا للقرآن الكريم وللعلم الشرعى، فحفظ القرآن الكريم، والتحق بالأزهر الشريف، ونَهَل من علومه الشرعية والعربية، وكان الشيخ ضعيف البصر منذ صغره، وكفّ بصره بالكُلّية فى سن الأربعين؛ بَيْدَ أنَّ ذلك لم يكن عائقًا لطلبة العلم وتعليمه الناس، وبذل الوُسع فى خدمة دينه وكتاب ربه سبحانه، فأنعم الله تعالى عليه بنور العلم والقُرآن.

ووفقًا لسيرة الشيخ الزيات التى عرضها الأزهر فقد  درس الشيخ مختلف العلوم والفنون فى الأزهر الشريف، وظهر نبوغه منذ حداثة سِنّه، ثم تبحَّر فى علوم القرآن؛ فأخذ القراءات العشر الصغرى من طريقى الشاطبية والدُّرة، والعشر الكبرى من طريق طيبة النشر، حتى صار إمامًا فى هذا العِلم الشريف، ومن أهم شيوخ فنّه فى عصره، حيث  أخذ الشيخ الزيات القرآن الكريم والقراءات العشر الصغرى والكبرى على كبار العلماء والمقرئين المجيزين أمثال: الشيخ خليل غنيم الجناينى، والشيخ عبدالفتاح هنيدى.

وقال الأزهر: إن الشيخ بلغ مكانة كبيرة فى علم الإقراء حتى صار اسمه فى طبقة أعلام الإقراء المشهورين بعلو إسناد إجازات القراءات فى مصر والعالم، وأبرزهم: فضيلة الشيخ محمد على خلف الحسينى الحداد شيخ عموم المقارئ المصرية فى وقته، والعلامة الشيخ على محمد الضباع الذى تولى مشيخة المقارئ بالديار المصرية أيضًا، والمحقق الكبير الشيخ على بن عبدالرحمن سبيع، كما تلقى الحديث الشريف عن الشيخ محمد بن إبراهيم السمالوطى، وكان مما تلقاه عنه: صحيح مسلم، وجامع الترمذى، وبعض صحيح البخارى.

جلس الشيخ الزيات للإقراء فى بيته بجوار الجامع الأزهر الشريف بالقاهرة، وتوافد عليه طلاب العلم وحفظة القرآن من ربوع مصر ودول العالم المختلفة؛ ليجيزهم بسنده المتصل إلى سيدنا رسول الله (ص) فى قراءة وإقراء القرآن الكريم، كما اختيرَ الشيخ مُدرِّسًا للقراءات، بقسم تخصص القراءات التابع لكلية اللغة العربية بالأزهر الشريف. وفى عام 1985م اشتغل بالتدريس فى التخصص ذاته، بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة فى المملكة العربية السعودية، ثم عُين مستشارًا علميّا بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنوّرة خلال فترة إقامته بالمملكة، وحتى عودته إلى مصر عام 2001م.

أديب من ذوى الهمم

ومن النماذج الملهمة لذوى الهمم التى عرضها الأزهر الشريف مصطفى صادق الرافعى، الذى يعد أديبًا فذًا من ذوى الهمم والقُدرات الفائقة الخاصَّة، حيث ولد مصطفى صادق الرافعى فى 1 يناير عام 1880م، لأبٍ قاضٍ شرعى، وأمٍّ من أصل سُورى كأبيه، فى «بهتيم»، إحدى مدن محافظة القليوبية، ويعود نسبه إلى الخليفة العادل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه.

ووفقًا لتعريف الأزهر التحق الرافعى بالمدرسة الابتدائية بدمنهور، وحصل منها على الشَّهادة الابتدائية، ثمَّ لم يحصل على شهادة علمية غيرها؛ ولكنَّه تلقَّى كثيرًا من العلوم على يد والده.

وبعد حصوله على شهادة الابتدائية لازم سريره عدة شهور مصابًا بمرض التيفود الذى تسبب فى إصابته بمرض مزمن فى الأذن أفقده السَّمع تمامًا فى سِنِّ الثَّلاثين؛ ولكنّ هذا الأمر لم يمنعه من أن يكون أحد أهم أدباء العالم العربى فى العصر الحديث، وواحدًا من أصحاب الهمم والقدرات الخاصَّة؛ متجاوزًا بعزيمته وإرادته جميع التَّحديات والعقبات.

‎كانت بداية الرافعى الأديب مع الكتابات الشِّعرية، ثم النَّثرية، ثم كانت المحطة الثالثة مع ميدان النَّثر الشّعرى الحُر، ثم ميدان الدِّراسات الأدبية الذى ألَّف فيه كتابًا من أهم ما كُتِب فى هذا المجال فى العصر الحديث وهو: «تاريخ آداب العرب».

‎كما ألَّف فيه أيضًا كتابه الشَّهير: «تحت راية القرآن» الذى تحدث فيه عن إعجاز القرآن، وردَّ على كثير من آراء الدكتور طه حسين فى كتابه المعروف باسم: «فى الشعر الجاهلى».

‎ثم كانت آخر محطَّاته مع المقالة الأدبية، هذه المحطة التى أبرزت إمكاناته اللغوية والبلاغية، وسلَّطت الضوء على رشاقة قلمه الفريد، وحكمة كلماته الرائقة، وقد جمع الأديب الرافعى جُلَّ مقالاته فى كتابه البديع: «وحى القلم».

‎وللرافعى مؤلفات متعددة فى المجالات المذكورة؛ إضافة لما كتبه من مسرحيات وأناشيد وطنية رسمية لمصر وتونس كقصيدتيه الشهيرتين: (إلى العُلا)، و(حُماة الحمى يا حُماة الحمى).

‎وقد شَهِد للرافعى بالبراعة الأدبية، والقيمة الثقافية والفكرية علماء وأساتذة كبار، أمثال الإمام محمد عبده رحمه الله الذى كتب إليه قائلًا: «ولدنا الأديب الفاضل مصطفى أفندى صادق الرافعى، زاده الله أدبًا.. لله ما أثمر أدبك، ولله ما ضَمِن لى قلبُكَ، لا أقارضك ثناء بثناء؛ فليس ذلك شأن الآباء مع الأبناء، ولكنى أَعُدّك من خُلَّص الأولياء، وأُقدم صفك على صف الأقرباء.. وأسأل اللهَ أن يجعل للحق من لسانك سيفًا يمحق الباطل، وأن يُقيمَك فى الأواخر مقامَ حَسَّانٍ فى الأوائل، والسَّلام».

‎وقال عنه الزعيم مصطفى كامل رحمه الله: «سيأتى يوم إذا ذُكر فيه الرافعيُّ قال الناس: هو الحكمة العالية مصوغة فى أجمل قالب من البيان».

‎وقال الأديبُ عباس محمود العقاد رحمه الله بعد وفاة الرافعى بثلاث سنين: «إن للرافعى أسلوبًا جزلًا، وإن له من بلاغة الإنشاء ما يسلكه فى الطبقة الأولى من كُتَّاب العربية المنشئين».

وبعد حياة حافلة بترسيخ الوعى الدينى والدنيوى المُستنير، والفكر الوطنى الأصيل أسلم الرافعى روحه إلى بارئها فى صبيحة يوم الاثنين العاشر من مايو لعام 1937م وهو يتلو القرآن بعد أن أدى صلاة الفجر.