الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مواجهات تتخطى حدود الدول سلاح العقوبات VS سلاح الطاقة

إن أزمة الطاقة العالمية الحالية، التى أثارتها الأزمة الروسية الأوكرانية، تركت آثارًا بعيدة المدى على الأسر والشركات واقتصادات بعض الدول، إلى أن صارت أزمة عالمية، تُعد فيها «أوروبا» هى المسرح الرئيسى، الذى تلعب فيه تلك الأزمة الدور الأكبر، خاصة أن (الغاز الطبيعى) هو صاحب الصدارة فى المشهد الطاقوى خلال فصل شتاء بنصف الكرة الأرضية الشمالى.



 

من المشكوك فيه – حاليًا- أن أى حل للعملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» قد ينتج عنه أى شكل مستقر للسلام، خاصة مع تزايد الشكوك حول خطر ظهور أشكال جديدة من الصراع النشط بين «روسيا» والغرب، بعد أن تصاعدت الأزمة الروسية الأوكرانية إلى مستوى الحرب السياسية والاقتصادية.

وكما ذكرنا فى الصفحات السابقة، إنه صار من الواضح أن «روسيا» والغرب يسعيان إلى فكرة (إخضاع العدو دون قتال)، عبر شن حرب اقتصادية، تتمثل فى فرض الغرب عقوبات على «موسكو»، وفى المقابل، إيقاف الجانب الروسى تصدير الغاز للدول الغربية، وبالأخص إلى «أوروبا».

وقد أدت المواجهات الاقتصادية بين الجانبين لارتفاع الأسعار، وتحديدًا الطاقة، بما فى ذلك الغاز الطبيعى، ما أدى بالتبعية لارتفاع أسعار الكهرباء، وتكلفة المعيشة للأسر فى جميع أنحاء «الاتحاد الأوروبى»، ما ألحق الضرر خاصة لأولئك الذين يعانون من الدخل المنخفض، بشكل دفع الحكومات الأوروبية لبذل جهدها فى احتواء الأزمة، عبر خفض بعض الضرائب، أو تقديم الدعم المالى بما يصل إلى مليارات اليوروهات.

فعلى سبيل المثل، أوضح تقرير لـ«كامبريدج إيكونوميتريكس»، أن الأسر الأفقر فى «فرنسا»، صارت تنفق نحو الثلث على الطاقة أكثر مما كانت عليه فى عام 2020، حيث ارتفعت أسعار الطاقة المنزلية بين أغسطس 2020 و2022 بنسبة 37 %، ما جعل متوسط إنفاق ​​الأسرة الفرنسية على الطاقة 410 يورو فى 2022، وأدى لتبنى الحكومة الفرنسية سقوفًا للأسعار، وتدابير دعم يتوقع أن تكلفها أكثر من 71 مليار يورو، أى ما يعادل 2.9 % من الناتج الإجمالى الفرنسى.

أما «إيطاليا»، فكان الوقود الأحفورى وحده مسئولًا عما يقرب من 30 % من معدل التضخم السنوى للبلاد خلال ربيع عام 2022؛ ناهيك عن ارتفاع أسعار التجزئة للكهرباء بنسبة 112 % فى يوليو الماضى، مقارنة بأغسطس 2020.. وفى نفس الفترة ارتفعت أسعار التجزئة للبنزين بنسبة 14 ٪، والديزل بنسبة 22 ٪، والغاز الطبيعى بنسبة 42٪، ما جعل متوسط إنفاق ​​الأسرة الإيطالية على الطاقة والوقود نحو 1400 يورو.

وبالنسبة لإسبانيا، أصبحت الأسر ذات الدخل المنخفض تنفق ما يقدر بنحو 70 % على الطاقة مقارنة بعام 2020، ما دفع الحكومة الإسبانية للتدخل فى أسواق الطاقة عبر اتخاذ عدة تدابير قد تكلف الحكومة الإسبانية أكثر من 35 مليار يورو، أى ما يعادل 3 % من الناتج الإجمالى لإسبانيا.

وبالإضافة إلى الغاز، أدى ارتفاع أسعار الفحم -أيضًا- لارتفاع التضخم فى بعض البلدان الأوروبية.. ففى «بولندا»، شكل الوقود الأحفورى نحو 40 % من معدل التضخم السنوى فى يونيو الماضى، فيما ارتفع سعر الفحم المنزلى –الذى يستخدم فى التدفئة- بنسبة 157 % بين أغسطس 2021 و2022، وهو ما دفع الحكومة البولندية لإنفاق نحو 10 مليارات دولار على تحديد سقف أسعار الفحم، وتجميد أسعار الكهرباء حتى نهاية عام 2023. على كل، إن الحرب التجارية، والعقوبات السياسية والاقتصادية، ليست سوى جزء من أزمة أكبر، حيث تفاعلت حرب الطاقة هذه مع تداعيات جائحة كورونا، وكانت النتيجة النهائية هى أن الغرب عانى بقدر ما عانت «روسيا»، وفقًا لباحثى (CSIS).

وأوضح الباحثون أن رفع أسعار الطاقة فى كل الدول الغربية، والدول المستوردة للطاقة، ساعد فى خلق مستوى من التضخم، والأضرار الاقتصادية الأخرى للغرب؛ مضيفين أن هذا أدى- بصورة ما- لخلق أزمة عالمية أوسع نطاقًا فى الإمدادات الغذائية، ومستويات الفقر الدولية المتزايدة التى أبلغت عنها (الأمم المتحدة، والبنك الدولى)، والأزمات الداخلية لبعض الدول على أساس عالمى.

على صعيد آخر، أدت أزمة الطاقة إلى ظهور بوادر انقسام بين الحلفاء التقليدين، أى «أوروبا، والولايات المتحدة»، وإن كان المسئولون الغربيون يحاولون إظهار عكس تلك الصورة أمام الإعلام، والعالم. 

ففى حديث لصحيفة «بوليتيكو» قال مسئول كبير فى «الاتحاد الأوروبى»، -رفض ذكر اسمه لحساسية منصبه- إن: «الحقيقة، إذا نظرت إليها، فإن الدولة الأكثر استفادة من تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، هى «الولايات المتحدة»، لأنها تبيع المزيد من الغاز بأسعار أعلى، كما أنها تبيع المزيد من الأسلحة»؛ بينما قال آخر، إن: «نحن حقًا فى منعطف تاريخى..لأن مزيج من الاضطراب التجارى، وارتفاع أسعار الطاقة، يهدد سمعة «الولايات المتحدة» لدى الدول الواقعة على الجانب الآخر من المحيط الأطلسى». 

وأشارت «بوليتيكو» إلى ما شدد عليه عدد من المسئولين الأوروبيين، بأنه من الضرورى على «واشنطن» أن تدرك أن الرأى العام يتغير فى العديد من دول «الاتحاد الأوروبى».

 حرب الشتاء بين «روسيا» و(الغرب)

أوضح باحثو (CSIS) أنه لا توجد طريقة واضحة للتنبؤ بالتأثيرات المستقبلية لحرب الطاقة هذه خلال شتاء (2022-2023)، أو كيف يمكن أن تتطور فى الأشهر والسنوات المقبلة!

من جانبها، حذرت وكالة الطاقة الدولية (IEA) فى تقرير «آفاق الطاقة العالمى السنوي» لشهر أكتوبر 2022، من أن تأثير الأزمة الأزمة الروسية الأوكرانية على صادرات الطاقة الروسية، والتكلفة العالمية للنفط والغاز الحرجة بالفعل، قد تؤدى إلى تغييرات استراتيجية كبيرة فى تدفق صادرات الطاقة. قد تسفر توقعات وكالة الطاقة الدولية عن عدة نتائج، قد لا تكون مرغوبة لعدد من الدول حول العالم، منها:

أولًا: كما هو الحال فى كثير من الأحيان، من المرجح أن يعانى أشد الناس فقرًا وضعفًا من الأسعار المرتفعة، فى وقت تمثل فيه أسعار الوقود المرتفعة 90٪ من ارتفاع متوسط ​​تكاليف توليد الكهرباء فى جميع أنحاء العالم؛ كما أنه من المحتمل أن يفقد نحو 75 مليون شخص ممن يحصلون على الكهرباء القدرة على دفع ثمنها، وفقًا لموقع «يورونيوز».

ثانيًا: أن تصبح «الصين» عميلًا رئيسيًا لروسيا، إذ يستفيد الجانبان من بعضهما البعض، عبر استيراد «بكين» النفط والغاز بسعر أرخص، فيما تعوض «موسكو» مكاسبها لتتجاوز العقوبات الغربية المفروضة عليها.

ثالثًا: رأى باحثو (CSIS) أنه قد تجرى عملية إعادة توجيه عميقة لتجارة الطاقة الدولية، مما يؤدى إلى ظهور مخاطر جديدة فى السوق؛ موضحين أنه لم يتم بعد تحديد معالم هذا العالم الجديد بشكل كامل؛ مؤكدين أنه لا عودة إلى ما كانت عليه الأمور فى السابق.

بعيدًا عن تلك النتائج، يجادل البعض بأن هناك نقطة واحدة قد يكون فيها لمثل هذه الأزمة فوائد عالمية.. حيث يرجح بعض المحللين السياسيين أن أزمة الطاقة، قد تساعد فى تسريع التخفيضات فى الاستخدام العالمى للوقود الأحفورى. ومع ذلك، فإن هذه الفوائد مشكوك فيها لعدة أسباب، منها: عودة الدول الغربية للجوء إلى الوقود الأحفورى من جديد بنسب كبيرة لتغطية احتياج الطاقة هذا الشتاء.

فقد أعلنت كل من دول «ألمانيا، وإيطاليا، وهولندا، واليونان، والمجر» عن خطط لإطالة فترة استخدام محطات الفحم، أو إعادة فتح تلك التى تم إغلاقها، أو رفع الحد الأقصى لساعات حرق الفحم. من جانبها، قدرت وكالة الطاقة الدولية أن استهلاك الفحم فى «الاتحاد الأوروبى» ارتفع بنسبة 10 ٪ فى الأشهر الستة الأولى من عام 2022، مدفوعًا بالطلب على الكهرباء.

أما السبب الآخر، فهو ذلك الذى شددت عليه وكالة الطاقة الدولية، أن الوصول إلى (صفر انبعاثات) بحلول عام 2050، سيتطلب استثمارات فى الطاقة النظيفة أعلى من 4 تريليونات دولار بحلول عام 2030.

فى النهاية، لا تزال هناك شكوك كبيرة حول كيفية تطور أزمة الطاقة هذه وتحديدًا خلال الشتاء المقبل، وإلى متى ستظل أسعار الوقود الأحفورى مرتفعة؟. ولكن الأمر الذى اتفقت عليه جميع سيناريوهات مركز أبحاث (CSIS)، هو أن ضغوط الأسعار والتوقعات القاتمة على المدى القريب للاقتصاد العالمى تتغذى على قوة الطلب على الطاقة.