الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد تنبؤ فوكوياما بانهيار روسيا ومن قبلها نهاية التاريخ: تنبؤات فوكوياما للحرب الروسية - الأوكرانية

فى تغريدة على تويتر طرح المفكر السياسى وأستاذ العلاقات الدولية الأمريكى يوشيهيرو فرنسيس فوكوياما سؤالاً: هل لتوقعات المفكرين دور فى اتجاهات الحروب؟ يبدو أن هذا صحيح إذ أعادت تغريدة فوكوياما ما طرحه من قبل إلى الواجهة مرة أخرى. ففى 3 أكتوبر الماضى توقع فوكوياما فى تغريدة نشرها فى حسابه على تويتر أن انهيارًا روسيًا أكبر بكثير سيظهر خلال الأيام المقبلة. ولاقت هذه التغريدة ردود فعل متباينة بين مؤيد لوجهة نظره ومعارض لها، بينما سخر البعض من توقعات فوكوياما السابقة بنهاية التاريخ واعتبروا أن الغزو الروسى لأوكرانيا يثبت هزيمة الليبرالية الديمقراطية بعكس ما توقع، وبالتالى بطلان هذه النظرية.



اتهم بعض المعلقين فوكوياما بتبنى نظرية القطب العالمى الواحد الذى يضمن استمرار الهيمنة الأمريكية على العالم، وبأن مواقفه السياسية نابعة من خوفه أن تؤدى الحرب فى أوكرانيا فى النهاية إلى ظهور أقطاب عالمية أخرى مثل روسيا والصين وربما تحالفات تضم دولاً أخرى تنافس الولايات المتحدة على نفوذها فى مناطق كثيرة من العالم، وهذا لا يخدم المصالح الأمريكية. وتعتبر مقولة نهاية التاريخ والإنسان الأخير التى نشرها فوكوياما فى مجلة ناشيونال إنترست عام 1989 قبل أن يتوسع فيها ويؤلف الكتاب الذى يحمل نفس العنوان من أشهر ما طرحه فوكوياما التى جادل فيها بأن تطور التاريخ البشرى كصراع بين الأيديولوجيات انتهى إلى حد كبير بانتصار الديمقراطية الليبرالية بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط جدار برلين عام 1989.

وكان فوكوياما قد توقع فى سبتمبر الماضى فى مقال نشره موقع چورنال أوف ديموقراسى «Journal of democracy» أن تنتصر أوكرانيا فى الحرب على روسيا، مشيرًا إلى أن الحرب وصلت الآن إلى شهرها السابع، وأن هناك منحنى حاسمًا سيحدد مسار الديمقراطية العالمية. واتهم فوكوياما الرئيس الروسى ڤلاديمير بوتين بشن الحرب بهدف تحطيم النموذج الحر لأوكرانيا الذى يمثل الليبرالية الديمقراطية وليس لحماية الأمن القومى الروسى من مخاطر تمدد حلف شمال الأطلسى. وأعرب فوكوياما عن ثقته بقدرة أوكرانيا على استعادة القوة العسكرية بمساعدة الأسلحة المتطورة التى يقدمها الغرب، وبأن فشل الحملة العسكرية الروسية واستعادة الأراضى التى احتلتها روسيا بعد 24 فبراير 2022 ستكون لها تداعيات سياسية كبيرة حول العالم ستؤدى إلى سقوط كثير من الأنظمة التى يسميها استبدادية.

ووفقًا لفوكوياما فإن نهاية التاريخ لا تعنى توقف الأحداث أو العالم عن الوجود ولا تلقائية تبنى جميع مجتمعات العالم للديمقراطية، لكن المقصود هو وجود إجماع عند معظم الناس بصلاحية الديمقراطية الليبرالية أى انتصارها على صعيد الأفكار والمبادئ لعدم وجود بديل يستطيع تحقيق نتائج أفضل. ومثل هيجل وماركس لا يعتقد فوكوياما أن تطور المجتمعات البشرية بلا نهاية، لكنه يكتمل عندما تجد البشرية التنظيم الاجتماعى الذى يشبع احتياجاتها الطبيعية والأساسية.

وقد لاقت توقعات فوكوياما انتقادات واسعة من كثير من المفكرين والسياسيين.

هذه الانتقادات دفعته إلى نشر مقال جديد على موقع ذا أتلنتيك The Atlantic فى 23 أكتوبر الماضى بعنوان: المزيد من الأدلة على أن هذه هى نهاية التاريخ. ويعيد فوكوياما فى هذا المقال طرح مفهومه حول «نهاية التاريخ»، ولكن من زاوية جديدة، فالنهاية التى يراها هذه المرة لن تكون بسيطرة الديمقراطية الليبرالية على العالم، ولكن بفعل نقاط ضعف رئيسية فى صميم ما يصفها بالدول الاستبدادية مثل: روسيا والصين وإيران. ويشير فوكوياما إلى أن نقاط الضعف نوعين: أولاً: تركيز السلطة فى يد قائد واحد فى القمة، لكنه يضمن اتخاذ قرارات منخفضة الجودة، وبمرور الوقت سينتج عواقب كارثية. ثانيًا إن غياب النقاش العام وأى آلية للمساءلة يعنى أن دعم القائد ضحل ويمكن أن يتآكل فى أى لحظة. 

وفى رأى فوكوياما، فإن النموذج الروسى لاتخاذ القرار وضع روسيا فى موقف صعب وتوقع أن روسيا ستتحمل المزيد من الإذلال على يد أوكرانيا فى الأسابيع المقبلة، كما توقع الكاتب الأمريكى أن ينهار الوضع العسكرى الروسى كله فى جنوب أوكرانيا وأن الأوكرانيين لديهم فرصة حقيقية لتحرير شبه جزيرة القرم، أما بالنسبة لما يسميه النظام الاستبدادى الصينى فيقول فوكوياما: إن إحدى السمات المميزة للاستبداد الصينى فى فترة ما بين إصلاحات دنج شياو بينج فى عام 1978 ووصول شى چين بينج إلى السلطة فى عام 2013 هى إضفاء الطابع المؤسسى على النظام فى الصين وأن المؤسسات تعنى أن على الحكام اتباع القواعد ولا يمكنهم فعل ما يحلو لهم.

 

فقد فرض الحزب الشيوعى الصينى العديد من القواعد على نفسه، سن التقاعد الإلزامى لكوادر الحزب، ومعايير الجدارة الصارمة للتجنيد والترقية، وفوق كل شىء تم وضع فترة زمنية مدتها 10 سنوات للبقاء فى القيادة العليا للحزب، لكن هذه القوانين تم تفكيك كثير منها فى عهد شى چين بينج الذى حصل على مباركة حزبه للبقاء زعيمًا رئيسيًا لفترة ثالثة مدتها 5 سنوات فى المؤتمر العشرين للحزب بدلاً من القيادة الجماعية التى نقلت الصين إلى نظام شخصى.

واشتهر فوكوياما بكتابه الذى نشره عام 1992 ويحمل اسم نهاية التاريخ والإنسان الأخير، والذى أشار فيه إلى أن تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية قد انتهى نهائيًا مع انتهاء الحرب الباردة وهدم سور برلين، لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية ورأسمالية السوق الحرة.

واكتسب الكتاب شهرة عالمية وأحدث ثورة فى الفكر السياسى وترجم إلى العديد من اللغات وأصبح من الكتب الأكثر مبيعًا فى العالم. وفى عام 2014 نشر فوكوياما كتاب النظام السياسى والاضمحلال السياسى، قال فيه: إن المؤسسات الأمريكية تعانى الاضمحلال، وذلك بسبب الاستيلاء تدريجيًا على الدولة بواسطة لوبيات المصالح القوية، وظهر كأنه فى تلك المرة أصبح قادرًا على قراءة المستقبل، وذلك بسبب صعود الجمهوريين المحافظين إلى حكم الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب بعد سنتين من نشر كتابه.

وفى مارس الماضى تنبأ فوكوياما بهزيمة روسيا فى الحرب وكتب فى موقع أمريكان بوربوز أن موسكو تتجه إلى الهزيمة فى أوكرانيا نتيجة سوء التخطيط والإعداد للحرب مشيرًا إلى أن بوتين زج بجيشه برمته فى هذه الحرب، وأنه لا يستطيع اللجوء إلى قوات احتياط كبيرة، وذلك وسط مواجهته مشكلات ضخمة فى الإمدادات. وتنبأ فوكوياما فى مقاله بأن انهيار القوات الروسية قد يكون مفاجئًا وكارثيًا. ووضعت موسكو فوكوياما على قائمة الممنوعين من دخول أراضيها فى نهاية يونيو الماضى.

وفى جميع الأحوال فإن العالم حاليًا يمر بمرحلة خطيرة للغاية وإذا لم ينجح العقلاء من جميع الأطراف فى التوصل إلى حل يوقف الحرب ويعيد السلام والاطمئنان إلى العالم فإن تطورات خطيرة قد تغير شكل العالم إذا بقى هناك عالم فى الأساس، ومن هنا يجب أن نطرح التساؤل: هل لتوقعات المفكرين الأمريكيين دور فى الحروب؟ وهل تصدق نبوءة فوكوياما بانتصار أوكرانيا وانهيار روسيا؟