السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الإنترنت المظلم والعميق قلعة يتحصن بها الإرهابيون الجدد

ليس من باب الصدفة أن تكون شبكة الإنترنت هى  الأداة الرئيسية لنشر الأفكار ولسان حال العديد بل أغلب البَشر.. لكن أيضًا أصبحت الإنترنت الأداة الأولى للجماعات الجهادية لنشر وتسويق أفكارها للملايين من البَشر، وعمل القائمون على هذه التنظيمات باستخدام الإنترنت المظلم أو «Dark Web» للتواصل بسرّيّة تامة من دون تعقب الحكومات أو قوات إنفاذ القانون، وذلك لأن استخدام هذا الإنترنت المظلم يكون محصنًا لا يمكن تتبع مستخدميه أو التوصل لأى معلومات عنهم، كما أن تتبع النشاط الإلكترونى من قِبَل مزود الخدمة مثلًا أو من قِبَل الحكومة أمرٌ شبه مستحيل؛ فالشبكة المظلمة هى المكان الأفضل للتخفى بعيدًا عن أعين المراقبين.



فى البداية؛ من المهم الإدراك بأن الإرهابى بالأمس كان يتسلح ببندقية وقنبلة وحزام ناسف؛ أمّا الإرهابى اليوم فيتسلح أيضًا بجهاز حاسب محمول وآلة تصوير، وهذا الذى حوّل الإنترنت لأداة رئيسية فى النشاط الإرهابى الدولى.

الإرهاب التقنى

التطور التكنولوچى أثر إيجابيًا على ظاهرة الإرهاب العالمى، بمعنى أنه ساهم فى زيادة الظاهرة اتساعًا وعمقًا بالشكل الذى نراه فى حقبة العولمة المعاصرة؛ خصوصًا إذا علمنا أن فى عام 2014 فقط، على سبيل المثال،  تعرضت نحو 93 دولة فى العالم أى 57 % من دول العالم لخطر التنظيمات الإرهابية وهجماتها، سواء إلكترونيًا أو من خلال عمليات تنفيذية.

ويُعتبر هذا أعلى معدل للعمليات الإرهابية خلال العقد الماضى، وراح ضحية عمليات الإرهاب نحو (32765) شخصًا فى هذا العام فقط. وهذا يعنى أن أكثر من نصف دول العالم تعرّض للإرهاب، ويعكس كذلك المدى والنطاق الذى وصل إليه الإرهاب كظاهرة عالمية متخطية للحدود الوطنية.

وتبيّن بأن «معامل الارتباط» بين الإرهاب والتطور التقنى والتكنولوچى الذى جعل العالم قرية إلكترونية (عام 2007) كان يساوى (56%)، وهو ما يثبت أن هناك ارتباطًا قويًا وعلاقة طردية بين الظاهرتين.

ويحظى موضوع اتجاهات الإرهاب المعاصر بأهمية بالغة فى النقاشات السائدة حاليًا لتحليل الظاهرة، ويلاحظ أن الدوائر الأمريكية، سواء الرسمية أو الأكاديمية البحثية من أكثر الجهات العالمية اهتمامًا بهذا المجال، إذ اتخذ هذا الاهتمام بُعدًا أوسع وأكثر عُمقًا بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 ضد أمريكا.

 حكومات الغرب

تقوم الحكومات الغربية؛ خصوصًا الأمريكية، منها وزارة الخارجية الأمريكية والمركز الوطنى لمكافحة الإرهاب (NCTC) بالتعاون مع بعض المؤسّسات البحثية الخاصة برصد سنوى لأهم اتجاهات الإرهاب فى أمريكا وفى العالم.

وتعرّف اتجاهات الإرهاب بأنها «التغيرات الحاصلة فى النوع، والعدد، وعنف الهجمات الإرهابية، وأساليب العمل، وإمكانيات الإرهابيين، والتجنيد، والتمويل، وتوجهات الجماعات الإرهابية، وتغيرات ذلك مع الزمن».

وقدم بول ويلكنسون (من أهم الباحثين والمنظرين المعاصرين فى ظاهرة الإرهاب) عدة أهداف تفسّر استخدام الجماعات الإرهابية للتكنولوچيا والتقنيات الحديثة، وأبرزها:

1. تقديم مادة دعائية تسمح بتحقيق الرعب والخوف والقلق لدى الجماعات المستهدفة؛ وذلك بالتركيز على حجم الخسائر فى الأرواح والخسائر المادية والتحذير من المستقبل المجهول.

2. السعى من أجل الحصول على تأييد الرأى العام الدولى ومناصرة قضاياهم، وكسب تعاطف الجماعات المؤثرة فى الرأى العام، وشرح وجهة نظرهم وأوجُه الظلم الواقع عليهم، والتأكيد على قدرتهم فى تحقيق النصر فى المعركة.

3. إحباط معنويات العدو، وبالتحديد الحكومات المستهدفة من العمل الإرهابى، وإشاعة روح اليأس بين قوات الأمن المعادية.

4. مخاطبة الجماعات ذات الاهتمام المشترك، ومن ثم تعبئة قطاع أوسع من الجماعات والمنظمات والتحالف معها، وتجنيد عناصر جديدة والحصول على الدعم المادى والمعنوى واللوچستى لشن عمليات جديدة.

 بداية الطريق

فى بعض الفيديوهات لزعيم تنظيم القاعدة السابق أيمن الظواهرى، قال: «إننا نخوض أكثر من نصف معركتنا فى الساحة الإلكترونية»، وقدّم نصيحة لكوادره قائلًا: «عليكم أن تدركوا أن كل لقطة تلتقطونها هى بأهمية صاروخ يطلق على العدو».

وقدّم التطور التكنولوچى وخدمات الإنترنت خدمات عديدة للتنظيمات الإرهابية، من حيث تضخيم الصورة الذهنية لقوة وحجم تلك الجماعات وعدد أفرادها حتى لو كان قليلاً، وإذا كان لدى أحدهم خبرة بالإنترنت وبرامج «الملتيميديا» أصبح بث رسائل إعلامية تكون أهدافها شن حرب نفسية ضد مستهدفيها والدعاية لأنشطتها، بعيدًا عن وسائل الإعلام التقليدية.

كما عمل الإنترنت على تحقيق الترابط التنظيمى بين الجماعات والخلايا ولتبادل المقترحات والأفكار والمعلومات الميدانية حول كيفية إصابة الهدف واختراقه، والتخطيط والتنسيق للعمل الإرهابى، وأيضًا فى تدمير مواقع الإنترنت المضادة واختراق مؤسّسات حيوية، أو حتى تعطيل خدماتها الإلكترونية.

وعلى مدار العقد الماضى، استطاع الإرهابيون أن يضربوا بقوة بعملياتهم الإرهابية أكثر البلدان تقدمًا ليشلوا حركاتها سواء من خلال تعطيل أجهزتهم الاستخباراتية، الحكومات وحتى مراقبة هواتف الرؤساء ورجال السُّلطة، كما أفلح هؤلاء الإرهابيون فى حربهم الإلكترونية المعلوماتية ضد كل برامج المراقبة والرصد للأجهزة الاستخباراتية فى كل الدول؛ حيث إن معظمهم استطاع استعمال برامج وتطبيقات معلوماتية مكنتهم من حفظ وسلامة مراسلاتهم. وعلى الرّغم من هذا الاجتياح؛ فلا دليل قاطعًا على أن الإنترنت كان حاسمًا بالنسبة للإرهابيين الجهاديين فى تنفيذ عملياتهم أو كان طريقًا أفلت من تحت قبضة المراقبة الاستخباراتية، بحسب صحيفة «لوموند» الفرنسية.

 جامعة إلكترونية

كما شكل الاستخدام الأهم للإنترنت من قِبَل الإرهابيين فى جعله جامعة إلكترونية لتعليم الإرهاب؛ حيث يمكن مشاهدة الأشرطة المصورة للحصول على أجوبة وتوجيهات عملية حول كيفية إعداد العبوات الناسفة المختلفة، والشروحات حول كيفية استخدام الوسائل التقنية بأنواعها.

ولاحظ العديد من المُحللين الاجتماعيين والخبراء أن السنوات ما بَعد هجمات 11 سبتمبر شكلت نقطة تحوُّل على مستوى وسائل التنظيمات الإرهابية، فلجأت إلى حرب المعلومات متمثلة فى المنتديات الجهادية التى شكلت صوتًا مرتفعًا لها.

وقد نجحت التنظيمات الإرهابية بالفعل فى استغلال التقنيات الحديثة  للحصول على التمويل أيضًا؛ حيث إن أرباب الإرهاب يحصلون من الإنترنت على قوائم إحصائية سكانية للتعرف على الجمعيات الخيرية والأشخاص ذوى القلوب الرحيمة ومن ثم استجدائهم لدفع الزكاة والتبرعات والصدقات لأشخاص اعتباريين أو مؤسّسات خيرية يمثلون واجهة لهؤلاء الإرهابيين؛ وذلك بطرُق لا يشك فيها المتبرع مطلقًا بأنه يساعد إحدى المنظمات الإرهابية.

كما كانت عملة «البيتكوين» الإلكترونية سبيلاً آخر للحصول على التمويلات لهذه الجماعات، ووفق دراسة «للمركز الأوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات»، أوضح فيها أن تنظيم «داعش» قد أصدر وثيقة إلكترونية باللغة الإنجليزية حملت عنوان «البيتكوين وصدقات الجهاد»، كتبها شخص يُدعى «تقى الدين المنذر»، حدد فيها الأحكام الشرعية لاستعمال البيتكوين، مشددًا على ضرورة استعمالها لتمويل الأنشطة «الجهادية» للتغلب على الأنظمة المالية العالمية التى وصفها المنذر بـ«الكافرة»؛ حيث يواجه المتبرع المتعاطف مع التنظيم صعوبات فى التحويل لشخص قد يكون موضوعًا على لائحة الإرهابيين والمطلوبين.

وحسب تقريرات صحفية؛ فان البيتكوين، يتم تحويلها إلى وسطاء يعملون فى ما يسمى بـ«نظام الحوالة» الذى يكون العاملون فيه غير منخرطين فى العمليات الإرهابية، ويمكن أن يستغل التنظيمات الإرهابية هذه الطريقة فى صرف العملات الرقمية التى يتلاقاها إلى عملات ورقية، ومن ثم نقلها إلى أماكن أخرى.

ونظرًا لأنه يسهل على مستخدمى الـ «Dark Web» الوصول إلى ما يريدون فيتمكن الإرهابيون من الحصول على كل ما يرغبون به باستخدام تلك التبرعات بداية من المواد الغذائية، وتذاكر النقل البحرى والجوى، وصولًا إلى أنواع الأسلحة المختلفة.