الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أزمة «الصاروخ الطائش» تفضح خطط الغرب هل بدأت عملية تقسيم أوكرانيا؟

مع سقوط الصواريخ الأوكرانية على بولندا الأسبوع الماضى، تجدد حديث روسيا عن خطة الجارة البولندية للسيطرة على غرب أوكرانيا، حيث بدأت وارسو مرحلتها الأولى بإدخال كتيبة من النساء للقتال بجانب المرتزقة الأجانب فى كييف بزعم الحفاظ على أمن حدودها التى تعرضت «لقصف» صواريخ «طائشة».. واتجه عدد كبير من الخبراء الروس لعرض فكرة خطط بولندا الساعية لهذا الهدف، فى عدد كبير من الصحف والمواقع الإلكترونية، لتوضيح خطط وارسو التى تحاول تكرار الصفقة التاريخية مع الغرب بعد الحرب العالمية الأولى، كما أوضح مدير جهاز الاستخبارات الخارجية الروسى، سيرجى ناريشكين، أن خطط  بولندا لفرض سيطرتها على غربى أوكرانيا «خطرة على أوروبا بأسرها».



خطة «الضم الناعم»

نقلت وسائل إعلام غربية وبولندية، على مدار الأيام الماضية، عن أن وارسو أطلقت خطة لاستعادة «أراضيها التاريخية» من أوكرانيا.

ووفق صحيفة «زينيك» البولندية، فإن وارسو بدأت تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة التى تتضمن إدخال كتيبة من البولنديات لأوكرانيا وصلت لأكثر من 1800 متطوعة بولندية يقاتلون حاليًا  بأوكرانيا، حيث تمركزت هذه الكتيبة على طول خط الحدود البولندية - الأوكرانية، كما تواجد هؤلاء بجميع الوحدات الرئيسة تقريبًا  بالجيش الأوكرانى. وتتهم روسيا بولندا بمحاولة «ضم ناعم» للأراضى الأوكرانية، بعد توقيعهما فى أغسطس الماضى، اتفاقا يقضى بتسهيل عمليات عبور شحنات الحبوب عبر نقاط التفتيش الحدودية المشتركة بين البلدين.

وانحازت بولندا لأوكرانيا وزودتها بأسلحة قيمتها 1,6 مليار دولار ضد الهجوم الروسى، كما عززت قدراتها اللوجستية والأمنية لمقاطعة روسيا وكان من أبرزها، تدشين قناة تتيح لها الوصول لبحر البلطيق دون المرور بالمياه الإقليمية الروسية فى سبتمبر الماضى، كذلك افتتاح خط أنابيب للغاز مع سلوفاكيا بهدف تعويض نقص الإمدادات الروسية وتعزيز أمن الطاقة، كما وقعت بولندا مع أوكرانيا، فى يونيو الماضي، اتفاقية لتصنيع السلاح والمعدات العسكرية.

وفى خطوة لتوجه وارسو بخطة للانتقام من روسيا، طالبت موسكو بدفع تعويضات مالية مقابل خسائرها بالحرب العالمية الثانية فى عام 1939.

ووفق السياسى الأوكرانى المعارض إيليا كيفا، فى تصريحات صحفية سابقة فإنه «سيتم ضمّ جزء من الأراضى الأوكرانية إلى دولة بولندا قريبًا »، مؤكدًا أن «العمل بدأ من أجل إنشاء خطّ الدفاع عن غربيّ أوكرانيا».

دلائل روسية

من جانبها، أوضحت موسكو أن السلطات البولندية والاتحاد الأوروبى أعلنا السيطرة على شركة «يوروبول غاز» التابعة لشركة غازبروم المملوكة لروسيا، ووضعها تحت إدارتها، وفق وزير التنمية البولندى فالديمار بودا، كما أطلق الاتحاد الأوروبى مهمة تدريبية عالية المستوى لتدريب نحو 15 ألفًا  من القوات الأوكرانية فى بولندا.

وفى أبريل الماضى، كشفت الخارجية الروسية عن أن لدى بولندا خططًا  للتوسع فى أوكرانيا، فيما نشر دميترى ميدفيديف، الرئيس الروسى السابق خريطة لتقسيم أوكرانيا عبر خطة وضعتها بولندا ودولتان أوروبيتان.

كما أعلنت الاستخبارات الروسية، عقب عملية قصف الصاروخ الطائش على الحدود البولندية، أن خطط بولندا للسيطرة على غرب أوكرانيا قد تم مناقشاتها مع واشنطن، وتضمن الخطة المراحل التى ستتم من خلالها تثبيت سيطرة بولندا على ممتلكاتها التاريخية فى أوكرانيا.

المرحلة الأولى: تبدأ بدخول القوات البولندية إلى المناطق الغربية من أوكرانيا تحت شعار التصدى للهجوم الروسى، ونشر ما يسمى بوحدة «حفظ السلام بغرب أوكرانيا»، وذلك بهدف السيطرة على المنشآت الاستراتيجية بغرب أوكرانيا من يد الحرس الوطنى الأوكرانى.

وكان الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى أعلن فى 10 أكتوبر الماضى، أن نظامه قام بتنسيق خطوات مشتركة مع رئيس بولندا أندريه دودا لمواجهة روسيا بعد الضربات الأخيرة على كييف.

وفى 9 نوفمبر الجارى، تحدث عضو المجلس الإدارى فى منطقة زابواروجيا فلاديمير روجوف، عن انتشار عسكريين من الجيش النظامى البولندى وشركات عسكرية بولندية خاصة على خط التماس الأعمال القتالية بمنطقة خاركيف ودونباس.

سيناريو التجزئة

من جانبه، أعلن مدير جهاز الاستخبارات الخارجية الروسى، سيرجى ناريشكين، إن خطط بولندا لفرض سيطرتها على غربى أوكرانيا «خطرة على أوروبا بأسرها».

وأضاف ناريشكين،  فى تصريح للصحفيين الأسبوع الماضى، فى موسكو: «بالطبع إنه أمر خطر. خطر على أوكرانيا وعلى أوروبا بأسرها»، لافتًا  إلى أن بولندا «بدأت وضع سيناريوهات لتقطيع أوصال أوكرانيا».

وتابع قائلًا: «إذا فتحت بولندا صندوق باندورا هذا، فلن يبدو الأمر كافيًا  بالنسبة إلى أى شخص. وهذا يمكن أن يعقّد بصورة كبيرة الوضع فى القارة الأوروبية، ويقلّل طبعًا  مستوى الأمن الدولى».

وأكد  ناريشكين، الأسبوع الماضى، أن القيادة البولندية بدأت وضع سيناريوهات للتجزئة الفعلية لأوكرانيا، مشيرًا  إلى أن سلطات وارسو «مقتنعة» بأن الولايات المتحدة وبريطانيا ستضطران إلى «دعم خطة تقسيم أوكرانيا».

وكان سكرتير مجلس الأمن الروسى، نيكولاى باتروشيف، أكد، أكتوبر الماضى، أن «الشركاء الغربيين لكييف لديهم أطماع فى الأراضى الأوكرانية»، مستشهدًا  بتصريحات للرئيس البولندى «تتعلق باختفاء الحدود البولندية الأوكرانية قريبًا».

كلام باتروشيف جاء عقب تصريح للرئيس الأسبق لأوكرانيا، فيكتور يانوكوفيتش، بأن «السياسة الحالية لسلطات كييف تهدد بفقدان كيانها كدولة»، مشيرًا  إلى أن «التقارب الحالى مع بولندا يهدّد أوكرانيا بأنها قد تُضطر إلى الاندماج فيها بالفعل، بحيث يوجد تهديد بعدم قدرتها الاقتصادية على الدفاع عن سيادتها».

وكانت الاستخبارات الخارجية الروسية نشرت، فى 27أبريل الماضى،  تقييمًا  يفيد بأن السلطات البولندية «تخطّط للسيطرة على أوكرانيا».

ووفقًا  لتقييم الاستخبارات الروسية، فإن الخطة الغربية ستبدأ بنشر بولندا قوّات فى غربى أوكرانيا، بدعوى أن «مهمّتها الدفاع ضد أيّ تقدّم روسى»، وستكون التحرّكات العسكرية البولندية من دون تفويض من جانب «الــناتو»، لكنّها ستجمع تحالفًا  من «الدول الراغبة فى الانضمام إلى قوات الدفاع ضدّ التقدم الروسى».

تاريخ التقسيم

من جانبه، قال المحلل السياسى الروسى، ألكسندر نازاروف، فى مقال نشره على صفحته بموقع «تليجرام»، بعنوان « دعونا نتخيل المستحيل: ألا تتمكن روسيا من تحرير كامل الأراضى الأوكرانية، وطرد الولايات المتحدة الأمريكية من أوروبا».

وأوضح نازاروف، أن روسيا قد «انتزعت» ذات مرة من بولندا فرصة أن تصبح قوة عظمى. فبعد الغزو المغولى، احتلت بولندا (بشكل مستقل، وبالاتحاد مع ليتوانيا) معظم الأراضى الروسية الغربية (بيلاروس وأوكرانيا فى المستقبل). بل وفى ذروة التوسع، فى الأعوام 1610-1612، احتلت بولندا موسكو، وأعلن الملك البولندى نفسه قيصرا لروسيا. ولو كانت بولندا حينها استطاعت التمسك بما تم الاستيلاء عليه، لكانت الآن فى مكان روسيا، متاخمة للصين، ولكان بإمكانها أن توحد جميع الشعوب السلافية فى أوروبا تحت لوائها، وتصبح أقوى دولة على هذا الكوكب.

وأوضح المحلل والسياسى الروسى الشهير، أن آلام الماضى لا تزال تطارد بولندا حتى يومنا هذا، فيحلمون بالانتقام، و«خلق بولندا «من البحر إلى البحر» (من بحر البلطيق إلى البحر الأسود)».

وأضاف نازاروف، أنه منذ أيام، أعلن وزير الدفاع البولندى عزمه إنشاء أقوى جيش فى أوروبا بين دول «الناتو»، يصل تعداده إلى 400 ألف جندى، وأن الحرب فى أوكرانيا تمثل فرصة تاريخية لبولندا لاستئناف التوسع نحو الشرق، ويبدو أن بولندا لا تنوى إضاعتها. بل إن أوكرانيا نفسها، علاوة على ذلك، مستعدة لأن تُبتلع من جانب بولندا.

مضيفًا: «وقد وافق البرلمان الأوكرانى، يوم أمس الخميس، 28 يوليو، على مشروع قانون تقدم به زيلينسكى بشأن ضمانات خاصة للمواطنين البولنديين فى أوكرانيا، والتى من شأنها أن تساوى حقوقهم مع المواطنين الأوكرانيين تقريبا لمدة عام ونصف العام. ويمكن اعتبار هذه الخطوة بمثابة إعداد لتوحيد بولندا وأوكرانيا، أو بالأحرى مع ذلك الجزء الذى قد تقرر بولندا احتلاله فى حالة تقدم القوات الروسية نحو الغرب».

وأوضح المحلل الروسى، أن سيناريو «الاحتلال البولندى» لجزء من أوكرانيا ليس مجرد سيناريو حقيقى للغاية، بل إنه السيناريو الأكثر ترجيحا لمزيد من التطورات فى حالة تمكن أوروبا من التغلب على أزمة الطاقة والأزمة الاقتصادية هذا الشتاء، والتى ستحافظ على الوحدة عبر الأطلسى، وبالتالى السماح للولايات المتحدة الأمريكية بمواصلة الحرب بالوكالة مع روسيا بأيادى أوروبا.

وأضاف، إن بإمكان روسيا ألا تتسرع فى تطوير الأحداث فى أوكرانيا، طالما كانت هناك فرص كبيرة لإخراج أوروبا من اللعبة بالوسائل الاقتصادية، والتى ستؤدى تلقائيا إلى استسلام أوكرانيا بأقل قدر ممكن من إنفاق الموارد من جانب روسيا.

إلا أنه إذا ما فشل ذلك، فإن التركيز فى الحرب يجب أن يتحول من القضايا الاستراتيجية إلى المستوى التكتيكى الأوكرانى، وعندها ستكثّف روسيا جهودها، لأنها ستكون مهتمة بإنهاء الحرب فى أسرع وقت ممكن. وهجوم روسيا على غرب أوكرانيا سيضع حتمًا أمام الولايات المتحدة الأمريكية قضية إدخال قوات جديدة إلى المعركة: بولندا ورومانيا ودول البلطيق.